منذ أن رسمت خطًّا فى كراسة، والمبدعة سناء البيسى تمثل حالة خاصة، تلك الحالة التى عاشها ولا يزال، قارئ ارتبط بما تكتب من إبداعات فى مقالاتها وكتبها، ومشاهد عشق سعاد حسنى وأحمد زكى، فالتصقت حكايات «هو وهى» بذاكرته، ومستمع للإذاعة تابع يوماً «الكلام المباح».
منحتنا فى معرضها الجديد تلك الدهشة بلغة أخرى، فمن أحبوها فى الصحافة والدراما، عاشوها عندما تزينت حوائط بقاعة «بيكاسو إيست» بلوحات تمثل رحلة فى عوالم كثيرة: رحلة صوفية فى طواف الكعبة بالأشواط السبعة، وبحث فى الوجوه المصرية بكل ملامحها، تقاربها وتضادها، الخطوط وألوانها المبهجة، والحصان المرتبط فى ذاكرة سنوات الطفولة، فهو كما تراه فارس اللوحة. لوحاتها تمنحك السعادة دون أن تخطط لها.
كل لوحة تستدرج من يقرأها إلى أفكار وعوالم قد تكون خاصة به، وقد تكون عن حكايات سمعها من أجداده، وكأنها قصته هو. ألوان الزيت تؤكد صلابة وقوة الفكرة، والمساحات الكبيرة الممتلئة بالخطوط الدقيقة، كل لون يحتضن الآخر؛ الأحمر والأصفر والبنى والأخضر، تصنع وصلات من السعادة الممتدة.
كل فتاة تحلم بفستان خطوبة أو زفاف أو سهرة قد تجد فكرتها فى لوحة جمعت فيها «البيسى» خطوطًا وتصميمات تعجز عن رسمها مصممة عالمية. لوحة وكأنها بستان من الفساتين تشكلت بكل الأحجام.
وفى كلمة المعرض جاءت عبارة تصف باختصار سناء البيسى: «تمثل رمزًا للإبداع الفنى والثقافى فى مصر. منذ انطلاقتها فى عالم الصحافة والفنون، تركت البيسى بصمة واضحة من خلال أعمالها المتميزة، التى تجمع بين الكلمة والرسم، وتروى قصص المجتمعات والأفراد. هذا المعرض ليس مجرد عرض للوحات فنية، بل هو نافذة على رحلة حياة مليئة بالإلهام والتفانى. من خلال أعمالها، نكتشف عمق التجربة الإنسانية وجماليات الحياة اليومية، مما يجعلها محط تقدير وإعجاب».
تسابق الجميع للاحتفاء بسيدة الكلمة فى معرضها، ومنهم الكاتبة الصحفية سوسن مراد، رئيس تحرير مجلة «البيت ونصف الدنيا»، التى عبرت أثناء زيارتها للمعرض بأنه ليس مجرد لوحات، بل شهادة حية على نبع لا ينضب من الإبداع والعطاء.
وأضافت أنها كانت تتمنى رؤية اسم الأديبة سناء البيسى ضمن المرشحين لجوائز الدولة التقديرية، تقديرًا لما قدمته من مسيرة لامعة فى الصحافة، خاصة فى قيادتها لمجلة «نصف الدنيا»، التى وضعت لها أسسًا لا تزال مؤثرة حتى اليوم، مشيرة إلى أنها لمست ذلك عن قرب من خلال موقعها كرئيس تحرير لخلافة سناء البيسى، التى أسست مدرسة صحفية وقادتها إلى القمة.
ومما قاله الأديب والكاتب الصحفى محمد سلماوى عن المعرض: «إن إنجازها الفنى لا يقل بأى حال من الأحوال عن إنجازها الصحفى، فهو معرض ثرى يضم ما يزيد على 90 لوحة مختلفة الأحجام والمواد الخام والأساليب الفنية، أنجزتها الفنانة خلال فترة تزيد على نصف قرن من الزمان. فبعضها يعود تاريخه إلى نهاية الستينيات، والبعض الآخر يحمل تاريخ هذا العام.
وقد كان الجسد الإنسانى هو بطل المعرض، سواء من خلال البورتريهات، أو من خلال الجموع الراقصة، أو الطائفة حول الكعبة، أو العائدة إلى غزة بعد انسحاب قوات الاحتلال. وهى تقدم فى مجملها إنجاز عمر كامل لفنانة قديرة أخلصت لفرشاتها الفنية ولقلمها الصحفى بنفس القدر، لكن بينما حظيت مقالاتها الممتعة بالنشر الدورى فى الصحف، ظلت أعمالها الفنية حبيسة مرسمها الخاص لعشرات السنين منذ أقامت أول معرض فردى لها عام 1972، وما أن أطلقتها أخيرًا من أسرها الظالم حتى اتخذت بهذا المعرض، الذى طال انتظاره، مكانتها المستحقة على الساحة الفنية كنتاج حياة واحدة من كبار فناناتنا التشكيليات فى الوقت الراهن».

بدأت سناء البيسى الرسم فى مؤسسة أخبار اليوم عام 1958، حيث عملت إلى جانب كبار الفنانين مثل بيكار وصاروخان وصلاح جاهين. تميزت برسم يوميات كبار الكتاب، وبرزت فى فن الكاريكاتير عبر جميع إصدارات أخبار اليوم. كانت لها مشاركات واسعة فى الحركة الفنية المصرية الحديثة، خاصة مع الأجيال الثانية والثالثة من الفنانين.
أقامت معرضها الأول عام 1972 برعاية وزارة الثقافة، حيث افتتحه الدكتور عبد القادر حاتم. كما عملت مستشارة فنية بالبنك الدولى فى واشنطن عام 1979، وقد اقتنيت إحدى لوحاتها من قِبل الأمم المتحدة. عملت مستشارة فنية لوزارة الثقافة على مدى 12 عامًا، كما أشرفت على مجلة «فنون مصرية». وبدأت مرحلة مهمة من حياتها الصحفية كرئيس لتحرير مجلة نصف الدنيا منذ ١٩٩٠ ولمدة ١٥ عامًا متواصلة.
ألفت سناء البيسى 12 كتابًا ومئات المقالات، وحققت شهرة واسعة فى الصحافة العربية. حصلت على العديد من الجوائز، منها جائزة مصطفى أمين عام 1992، وجائزة الإعلام من منظمة الصحة العالمية عام 2004، ودرع الريادة من الملتقى الرابع للكاريكاتير عام 2017، وجائزة ريادة صحافة المرأة من الدولة فى نقابة الصحفيين عام 2023، وجائزة الاستحقاق الثقافية من مؤسسة فاروق حسنى عام 2024.
تم تكريمها فى مهرجان «الأفضل» بجائزة «إنجاز العمر» عام 2025. كما أعدت موسوعة عن الفنانين العالميين والمصريين، استغرقت 15 عامًا من العمل الدءوب.