أثار العدد الكبير من العلاقات الشائكة وغير الأخلاقية، التي انتشرت بقوة في بعض الأعمال الدرامية التي عُرضت خلال شهر رمضان، جدلا واسعًا بين المشاهدين، والنقاد، والكتَّاب، وأرجع الجميع السبب في أزمة الدراما هذا العام إلى تلك المشاهد التي انتُقدت على جميع المستويات، وكانت سببًا في اتخاذ قرارات بإعادة النظر في شكل ومضمون ما سيُقدم خلال الفترة المقبلة.
تضمنت قائمة المسلسلات التي حظيت بإشادات، وإعجاب المشاهدين “قلبي ومفتاحه”، و”قهوة المحطة”، و”لام شمسية”، و”80 باكو”، و”النص”، وذلك حسب آراء بعض النقاد بأنها تناولت موضوعات مهمة، وتم طرحها بشكل أقرب إلى الواقع، وتميزها نابع من أداء أبطالها، والإخراج المتميز، والقصص المكتوبة بشكل جيد.
علاقات ومشاهد وقصص وُصفت بأنها دخيلة على المجتمع المصري، وأن عرضها على الشاشات يمثل خطرًا على الأجيال والأسرة، وهو ما دفع رئيس مجلس الوزراء، الدكتور مصطفى مدبولي، إلى المطالبة بتشكيل مجموعة عمل تضم وزارة الثقافة وعددًا من الجهات المعنية بملف الإعلام والدراما، مثل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، الهيئة الوطنية للإعلام، والشركات المنتجة، وفي مقدمتها الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، بالإضافة إلى نخبة من المتخصصين، من أساتذة الجامعات، والكتاب، والمخرجين، والمتخصصين في علمى الاجتماع والنفس، لوضع تصور علمي وموضوعي لمستقبل الدراما المصرية.
تفكك أسري
برزت خلال مسلسلات رمضان هذا العام بعض العلاقات رفضها المشاهدون، في مقدمتها ما اعتمدت عليه أحداث مسلسل «وتقابل حبيب»، إذ انتُقدت العلاقة بين بطلة العمل ليل التي جسدتها الفنانة ياسمين عبدالعزيز، وشقيق طليقها فارس أبو العزم «كريم فهمي»، بعد اكتشافها خيانة زوجها يوسف أبو العزم، الذي يؤدي دوره خالد سليم. وُصفت تلك العلاقة بأنها الأغرب بين العلاقات الأسرية في دراما رمضان، والأكثر رفضًا من قبل بعض المشاهدين كونها تمثل دعوة للتفكك الأسري برغم أنها شائعة وغير محرمة لكن قد تكون مثيرة للجدل بمنطق العادات والتقاليد التي تحكم بعض المجتمعات العربية. وبرغم نجاحه، جاءت معظم علاقات مسلسل «قلبي ومفتاحه» غير مقنعة، منها علاقة ميار التي جسدتها مي عز الدين، بمحمد عزت الذي جسده آسر ياسين، وعلاقة شناوي، أشرف عبدالباقي، ومهجة، عايدة رياض، وميار بأسعد الذي جسده محمد دياب، فنجاح المسلسل لم يحل دون انتقاد العلاقات المفككة لجميع الشخصيات.
شباب امرأة عجوز
ومن أغرب العلاقات التي انتقدها الجمهور ما جاء في مسلسل «شباب امرأة»، إذ انتُقدت العلاقة بين شفاعات التي جسدتها غادة عبدالرازق، وإمام البلتاجي الذي جسده الممثل الصاعد يوسف عمر، برغم أن فكرة المسلسل درامية قائمة على امرأة تحاول أن تستعيد شبابها من خلال شاب يصغرها سنًا، إذ كان وجه الانتقاد فارق السن بين غادة عبدالرازق والممثل الصاعد كبيرا جدا في الواقع على عكس ما جاء بالفيلم من فارق السن بين تحية كاريوكا وشكري سرحان لم يكن كذلك السيناريست محمد سليمان عبد الملك أكد أن العمل يختلف في المضمون عن الفيلم، مشيرًا إلى أنه حاول صياغة شكل جديد للعلاقات في المسلسل كما رسمها الكاتب الروائى الراحل أمين يوسف غراب، آخذًا في الاعتبار أن شفاعات كان لها ماضٍ وخلفية اجتماعية، وإمام الذي جسده الممثل الصاعد يوسف عمر، كان الأقرب إلى الشخصية الموجودة في الرواية.
علاقات مرتبكة
وصف الناقد خالد محمود كثرة العلاقات الشائكة بأنها أسهمت في إفساد الشكل العام للدراما هذا العام، وأضاف: ليس مقبولًا أن تتناول الدراما علاقة كالتي قدمها مسلسل «إش إش»، فسعيًا وراء التريند، قدم المسلسل صورة سيئة للعلاقات الإنسانية من خلال زواج مي عمر «إش إش» من والد حبيبها السابق محمد الشرنوبي انتقامًا منه، مع تبريرات غير منطقية. وأشار أيضًا إلى أن العلاقات دخيلة على المجتمع، حتى وإن كانت موجودة، فليس دور الدراما أن تبرزها أو تجمّلها.
إهانة لصورة المرأة
قد تكون بعض النماذج التى قدمتها الدراما هذا العام عن المرأة غير مقبولة ومدانة اجتماعيا وبخاصة تلك التى تعرضت فيها للعنف أو التحرش أو إجبارها علي الزواج.
الفنان أحمد عبدالعزيز عبر عن عدم تعاطفه مع شخصية غلاب التي جسدها في مسلسل «فهد البطل»، وقال إن قتله لشقيقه في المسلسل تسبب له في حالة رفض داخلي وتوتر أثناء التصوير، بخاصة أنه قتله بدم بارد، لكن المبرر الوحيد لذلك كان الظلم الذي تعرض له غلاب لأنه لا ينجب، وتفضيل الأب لشقيقه أكثر منه. وعن تلك العلاقة، يؤكد خالد محمود أن تلك النماذج تمثل تشويهًا متعمدًا لحياتنا وعلاقاتنا الأسرية، وأضاف: كيف تقدم الدراما تطورًا لشخصية مثل غلاب في «فهد البطل»، الذي يتزوج أرملة شقيقه وينسب ابنها له؟ كلها علاقات لا أخلاقية أفسدت متعة المشاهدة.
مقارنة الحاضر بالماضي
في النصف الثاني من شهر رمضان، تناولت بعض الأعمال علاقات تجاوزت التوقعات، كما جاء في مسلسل «لام شمسية». أما مسلسل «العتاولة 2» فكان من أكثر الأعمال التي لاقت انتقادات، سواء على مستوى الحوار، أو المشاهد، أو الألفاظ الخارجة، بل وعلى مستوى علاقات الشخصيات، إذ أثارت العلاقة بين عاطف مصطفى أبوسريع ومريم الجندي جدلًا واسعًا بعدما هددها بماء النار إن ارتبطت بغيره. واتُّهمت مشاهده بأنها تمثل إهانة للمرأة. معظم العلاقات التي قدمتها الدراما هذا العام كانت بحاجة إلى ضبط وإعادة نظر، مما دفع الجمهور لتذكر ما كان يُقدم في الماضي، من أعمال مثل «العائلة، ليالي الحلمية، أرابيسك، وحديث الصباح والمساء»، وكتابات أسامة أنور عكاشة، ووحيد حامد، ومحمد جلال عبد القوي، ومجدي صابر، وأيمن سلامة، ومن المخرجين إسماعيل عبدالحافظ، وإنعام محمد علي، وأحمد توفيق، ورباب حسين، وغيرهم. الناقد الكبير الدكتور وليد سيف صنف ما قُدم في معظم الأعمال، وبخاصة التي تناولت البيئة الشعبية، بأنها تخالف الواقع الذي نعيشه، مؤكدًا أنها تجاوزت في حق المجتمع. وقال: صُدمت في مسلسلات «إش إش، وفهد البطل، وسيد الناس». كل الشخصيات غير واقعية وغريبة على مجتمعاتنا. العلاقات مفككة، ولا يوجد بناء درامي طبيعي. هناك افتعال، ونمطية، وتسرع في الكتابة.
الخير والشر
تحليل فني يرى فيه الناقد والسيناريست سمير الجمل أن ما حدث فى دراما رمضان كان خارجا على المألوف، وأضاف: هناك فارق كبير بين وجود الشر في الأعمال الدرامية، وهو أمر طبيعي للغاية لأن الشر جزء من الحياة، وبين أن يتم تجميل الشر وتقديمه في صور براقة وجذابة للشباب على حساب النماذج الجيدة والمشرفة، هذا الأمر يمثل خللًا واضحًا، لأن المجتمع لا يخلو من الأشخاص الجيدين والسيئين معًا. وبطبيعة الحال، تُبنى القصص على الصراع بين الخير والشر، لكن أن يُقدَّم الشر في صورة قوة مطلقة تعتمد على البلطجة والسلاح والقوة المفرطة، فهذا ليس منطقيًا، ولا يعبر عن وعي سليم، بل يعكس منطقًا شبيها بعالم المخدرات والضياع. وهكذا أصبحت الدراما شبيهة بما كنا ننتقده فى أغنيات المهرجانات، وهذا أمر يشكل مساسًا بأمن المجتمع المصري، لأن الدراما تُعتبر جزءًا من الأمن الاجتماعي.
وتساءل: هل وصلنا إلى هذا الحد من العلاقات الشاذة، والتفكك العائلي، والزواج والطلاق فى الأسرة الواحدة ومن الأسرة الواحدة؟
إن الوعي المجتمعي يُبنى من خلال الثقافة، وأحد أهم عناصر الثقافة في وقتنا الحاضر هو الدراما، ففي حين كانت الأمة العربية أمة «اقرأ»، لم تعد القراءة ثقافة منتشرة كما كانت في السابق. والدراما التليفزيونية بمنزلة «ديوان العرب» في هذا العصر، وهي الأداة الأكثر تأثيرًا على من لا يقرأ ولا يكتب، كيف عرفنا نجيب محفوظ؟ عرفناه من الأدب والدراما، وقد وصلت أعماله إلى الجماهير من خلال السينما والتليفزيون والمسرح والأعمال المرئية التي تسهِّل وصول الرسائل الثقافية. علينا أن نعمل على معالجة هذه القضية حتى نعدل الوضع القائم، ونقدم أعمالًا تعزز القيم الإيجابية في المجتمع.