أول خطوة في أي مغامرة جديدة مليئة بالحماسة والآمال، مرسومة على حواف الطرق فيها قلوب وفراشات تخبرنا بأن القادم أفضل، وبعضها كأنها إشارات حمراء في الطريق، تقول لك: قف إنها بدايات لا يجب أن تقترب منها، وإن كانت مغرية أو تبدو لامعة في البداية.
لا تغمض عينيك عن هذه الإشارات الواضحة، فقد تجد نفسك غارقًا في أسئلة كلها تبدأ بـ«لماذا»، لا بد أنك قد سمعت عن مصطلح «ريد فلاجز»، بعد أن أصبح رائجًا على مواقع التواصل، وهو يصف العلاقات السامة، ويُحذِّر منها عن طريق مجموعة من الصفات الشخصية أو السلوكيات التي تمثل جرس إنذار، يحذّرك من الاستمرار في هذه العلاقة من دون إجراء بعض التغييرات أو الهروب فورًا والعودة حيث كنت قبل نقطة البداية.
الأهم أن تعلم أن هناك بدايات لا يفضل الاقتراب منها ليس في علاقات الارتباط فقط.. إنما في الصداقات أو أماكن العمل أيضًا.. غير أن جمال البدايات وإن عظمت لن يوازي أبدًا سوء النهايات.. فإليك بعضًا منها علك تهرب من البداية قبل أن تسوء النهايات.
في الطب النفسي أو علم النفس لا يوجد اصطلاح يُسمى )ريد فلاجز( أو الإنذارات الحمراء، لكنه ابتكار اجتماعي، صحيح هو ليس مصطلحا علميا، لكنه في النهاية يعبر عن بعض الصفات أو السلوكيات التي تُنبئ بتورطك في علاقة غير صحية ينصح بالهروب منها على الفور، تلك العلاقة التي يتعرض فيها أحد الطرفين أو كلاهما للإساءة النفسية.
إن أي علاقة بين اثنين تشبه التقاء نهرين في نهر واحد، هكذا يقول د.أحمد رباح، استشاري الصحة النفسية والأسرية ومن الطبيعي أن يكون هناك تصادم وتقابل بينهما، وخلط لمجموعة من الأوراق بينهما يشبه تقلب الأمواج بين هذين النهرين، لوجود طباع ورغبات تتصادم، وقد تخلق تلك التصادمات شيئا من النفور، لكن إذا كانت الصفات المشتركة أكثر من التنافرات فمستقبلًا ستسير العلاقة بشكل هادئ ومستمر.
التقارب الاجتماعي واحد من المؤشرات المهمة التي تُبنى عليها نقاط التلاقي، فإن لم يكن المستوى الاجتماعي متقاربا فهي أولى علامات الإنذار أن العلاقة لن تستمر طويلًا.
كما أن الانطباعات الأولى، سواء في علاقات الصداقة أو الارتباط، دائمًا ما تنذر بصحة العلاقة من عدمها، فهي في رأيي كالخليط الكيميائي عادة ما أحترم نتيجته في تقييم الأمور.. وصدقًا ما يُقال الانطباع الأول هو الأخير.
يكمل د. رباح كلامه عن علامات الخطر في البدايات يقول: «كذلك انعدام التوافق الفكري من العلامات المقلقة في بداية العلاقة، خصوصًا حين يصعب الوقوف عند نقاط اتفاق في التفاصيل المهمة، فسهولة الاتفاق من عدمه تؤثر على طول عمر العلاقة، ومن العلامات التي إن وجدت فلابد من الهروب، التعلق المرضي، فإذا ظهرت علامات في البداية بها تعلق مفرط، كوجود دائم، اتصالات لا تنقطع، إلحاح متواصل في كل شيء، عدم القبول بإعطاء مساحات شخصية، وبخاصة إدمان في الاعتمادية العاطفية المطالبة بأكثر مما ترغبين في إعطائه، فهي علاقة مستنزفة وسامة وجب الهروب منها، والتصنُّع والتظاهر في العلاقات بعكس حقيقة الشخص، علامة أيضا من العلامات المنذرة بالخطر».
يختم الدكتور أحمد رباح كلامه ناصحًا: «إذا اكتشفنا تلك العلامات وابتعدنا مبكرًا كان أفضل لصحتنا النفسية، لأنه كلما طالت العلاقات صَعُب قطعها، غير أن العلاقات كلها التي لا تنضبط بضوابط الأخلاق والأصول والدين، لا يمكن أن تكتمل أو يكتب لها التوفيق ولا الاستمرار لأنها نشاز لإيقاع الكون”.

اهرب فورا
هناك بعض العلامات التي أجمع عليها كثيرون من خبراء التنمية الذاتية والصحة النفسية لأي علاقة، سواء علاقات الصداقة أو الارتباط، منها يُنصح بالهروب فورًا عند وجود بعضها.
الدكتورة أبيجيل برينر - الطبيبة النفسية والمدرس المساعد بجامعة نيويورك، والتي تخصصت في دراسة الطب النفسي منذ 30 عاما، ولها العديد من المؤلفات المتعلقة بالعلاقات العاطفية، أكدت أن منها استغلال امتيازات الصداقة، أو العلاقة الأسرية أو العمل لتحقيق المصالح الشخصية على حساب دوام هذه العلاقات والانغماس السريع في النميمة تجاه الآخرين، وإظهار النّقَم والحقد على المجتمع، والشكوى المستمرة من الأوضاع الحياتية من دون انقطاع والتدخل في الشؤون الأسرية الخاصة بلا احترام للحدود الشخصية وعدم الردّ على الاتصالات والرسائل الهاتفية في وقتها المناسب، والاعتذار لاحقًا بحجج كاذبة والسعي إلى عزل الإنسان عن أهله أو أصدقائه الآخرين.
ومنها أيضا الغيرة الزائدة أو التحكم، ففي كتاب “الرجال من المريخ والنساء من الزهرة” لجون جراي، كتب أن الغيرة الزائدة أحد أكبر العوائق في العلاقات، تدل على نقص الثقة بالنفس ويعتبرها بداية سامة ينبغي توخي الحذر منها، وكتب د. إبراهيم الفقي في كتابه «فن العلاقات» أن الغيرة عندما تتجاوز الحدود تصبح مرضًا يدمّر العلاقة.
عدم الاحترام والتقليل و الاستهزاء
في كتاب «أسرار العلاقات الناجحة» للدكتور محمد طه، يقول : عندما يبدأ الطرف الآخر في التقليل من شأنك أو الاستهزاء بك، فإن هذا يُعد بداية غير صحية» إلا أنه عليكِ الانتباه أن التقليل قد لا يكون منك فقط، فقد يحسن التعامل معك مؤقتا، لكنه يعتاد التقليل من الآخرين، فيظهر غضبه من نادل المطعم، أو من خلال ألفاظه النابية في أثناء قيادة السيارة، أو مع عجوز تطلب منه مساعدة، فكلها إشارات لغضب متراكم بداخله، فإذا ظهرت تلك العلامات لا تتجاهليها أبدا.
الوعود غير الواضحة، سواء في العلاقات الشخصية أو في بيئة العمل إشارات تحذير يجب على الجميع الانتباه إليها، الوعود التي لا تنفذ سواء في الحب أو العمل أو بين الأصدقاء، مصدر للمشكلات والتوترات، فالوعود التي لا تكون واضحة من البداية قد تؤدي إلى خيبة أمل لاحقة.
تسليط الضوء على نقاط ضعفك، إذا اكتشفت أن شريكك يحاول دوما تسليط الضوء على نقاط الضعف في شكلك وعملك وأسرتك، فاعلمي أنك أمام شخصية نرجسية، تود أن تحوز فقط إعجاب الجميع، ليس فقط التقليل منك هو الوسيلة الوحيدة، فيمكنه اللعب على ذاكرتك اتهامك بالجنون، إنكار التفاصيل التي تتذكرينها، من هنا كوني على استعداد أن تعيشي في الجحيم، أو ارفضي الاستمرار بلا تردد.
وأخيرا يؤكد أن الاهتمامات المشتركة ليست أمرا يمكن تجاهله أو التنازل عنه، إذ أن تغيير اهتمامات الشريك أمر يتسم بالقسوة، فمحاولة تغيير الطباع قد تبدو بسيطة لدى البعض، لكنها كسر لشخصية الآخر، ومن ثم السيطرة عليه لذلك ليس عليك ولا على شريك حياتك تغيير طباع الآخر واهتماماته على الأقل إن لم توجد الاهتمامات المشتركة فلا يسخر منها عندك.