شهد العالم في السنوات القليلة الماضية حالة من عدم الاستقرار الاقتصادي، أثرت على الأسرة من ارتفاع الأسعار فى أغلب بلاد العالم وزيادة فى التضخم وجنون أسعار العملات،مما ينعكس بطبيعة الحال على المواطن العادى ويجعله يشعر بالقلق تجاه حياته المادية، وبالتالى يبدأ البحث عن وسائل تحفظ له مدخراته، وتضمن له مستقبلا آمنا، وبما أن سبل الاستثمار مختلفة وعديدة وقد تربك أى شخص بعيد عن مجال المال والأعمال، تولينا مهمة البحث من خلال هذه السطور عن الوسائل الأنسب والأضمن للاستثمار داخل السوق المصرية فى الوقت الحالى حسب رؤية بعض خبراء الاقتصاد الذين التقيناهم لينقلوا إلينا نصائحهم بشكل مبسط ومباشر.
من خلال مجموعة من الخبراء المصرفيين نستطيع أن نستخلص أنه لا توجد إجابة واحدة للاستثمار الأنسب، لكن تتغير حسب إمكانات المستثمر ورغباته، وأن عليه أن يحدد أولا إن كان يرغب فى استثمار طويل الأجل أم قصير؟ هل ينتظر من استثماره عوائد دورية أم لا يحتاج إلى ذلك؟ هل يملك رأس مال كبيرا أم صغيرا؟ لأن الإجابة عن هذه الأسئلة من البداية هى التى ستوجه المستثمر إلى الطريق السليم، فقد تعتبر العقارات استثمارا آمنا لكن لمن يملك رأس مال كبيرا، بينما تعتبر الشهادات البنكية الحل لمن ليس لديه خبرة فى مجال الاستثمار، أما الذهب فهو الأنسب لمن يملك رأس مال صغيرا ولا ينتظر عوائد دورية، وإن كنت تملك الإمكانية فالتنوع بين أوجه الاستثمار المختلفة قد يكون الحل الأمثل لتقليل المخاطر.
خيارات الاستثمار تعتمد على مجموعة من الأهداف الأساسية، مثل قيمة المبلغ المستثمر، مدة الاستثمار، الميل إلى تحمل المخاطر، سرعة تسييل المبلغ، ونوع العوائد المرغوبة، سواء كانت جارية أم رأسمالية، الكلام للدكتور أحمد شوقي، الخبير الاقتصادى وعضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي، الذى أكد أن من بين أبرز مجالات الاستثمار للأفراد يأتى الذهب، العقارات، البورصة، وصناديق الاستثمار فى البنوك، إضافة إلى الادخار فى الأوعية الادخارية، خصوصا فى ظل الظروف الاقتصادية الحالية وارتفاع معدلات التضخم. وأضاف أن الاستثمار فى الذهب يعتبر ملاذاً آمناً، وهو من أكثر الأصول جذبًا للمستثمرين أثناء فترات التضخم، حيث يمتاز الذهب بأنه لا يحتاج إلى مبالغ كبيرة لبدء الاستثمار، فيمكن شراء كميات صغيرة حسب الحاجة، كما أنه يمكن تسييله بسرعة مقارنة بالأدوات الاستثمارية الأخرى، ومع ذلك لا يوفر الذهب عوائد جارية ثابتة، وقد يحتاج المستثمر إلى الانتظار فترات لتحقيق العوائد المستهدفة، كما تتعرض أسعار الذهب لتقلبات ملحوظة، مما يشكل مخاطر على بعض المستثمرين.
أما عن الاستثمار فى العقارات فقال إنه يتطلب مبالغ كبيرة، بخاصة مع ارتفاع أسعارها خلال السنوات الثلاث الماضية، وأشار إلى أن هذا النوع يوفر من الاستثمار دخلاً ثابتاً شهرياً من الإيجارات، بالإضافة إلى الأرباح الرأسمالية الناتجة عن ارتفاع قيمة العقار على المديين المتوسط والطويل.
صيانة وأمور أخرى
ومع ذلك يجب على المستثمر أن يكون واعيًا للتكاليف المرتبطة بالعقار، مثل تكاليف الصيانة والضرائب، وكذلك صعوبة تسييل العقار بسرعة فى ظل ارتفاع الأسعار.
التنويع هو الخيار الأمثل مع اختلاف أهداف المستثمرين، يمكن أن يكون الذهب خيارًا جيدًا للحفاظ على قيمة المدخرات فى ظل التضخم، بينما العقارات والأوعية الادخارية قد تكون أكثر ملاءمة لمن يسعى للعوائد الجارية، لذا يُعتبر التنويع بين الذهب والأوعية الادخارية وصناديق الاستثمار الخيار الأمثل، بخاصة فى ظل تراجع قيمة الأصول المستثمرة.
وردا على السؤال نفسه قال د. على الإدريسى أستاذ الاقتصاد والاستثمار: إن الاستثمار الآمن هو ما يعنى وضع الأموال فى أصول أو أدوات تقل فيها المخاطر مع ضمان الحفاظ على رأس المال الأساسى وتحقيق عوائد مستقرة على المدى الطويل، غالبًا ما يرتبط الاستثمار الآمن بأدوات تحقق توازنًا بين المخاطر والعائد وتمتاز بقابلية التسييل السريع والاستقرار.
مقارنات ضرورية
ويقارن د. على بين أوجه الاستثمار المختلفة قائلا: إذا قارنا العقارات كاستثمار آمن بالذهب والشهادات البنكية سنجد أن إيجابيات الاستثمار فى العقارات هى توفير أصول ملموسة، وتزداد قيمتها على المدى الطويل، بخاصة إذا كان الموقع مرغوبًا أو فى مناطق تشهد نموًا اقتصاديًا، مع إمكانية تحقيق دخل ثابت من الإيجارات.
أما السلبيات فتتلخص فى أنها تتطلب رأس مال كبيرا، وأن بيع العقار قد يستغرق وقتًا، وأنه استثمار قد يتأثر بتقلبات السوق العقارية، بخاصة فى حالة الركود الاقتصادي.
أما فى حال الاستثمار فى الذهب فيعتبر من الإيجابيات أنه أصل عالمى يحافظ على قيمته على المدى الطويل، وهو حماية من التضخم وانخفاض قيمة العملات، ويتمتع بسيولة عالية وسهولة البيع فى أى وقت.
أما السلبيات فنستطيع أن نحصرها فى أنه لا يوفر دخلًا ثابتًا، وأن قيمته تتأثر بشدة بتقلبات السوق والعوامل الجيوسياسية.
ويجب ألا نغفل العوامل المؤثرة في قيمة الذهب فى السوق، عندما ترتفع أسعار الفائدة، ينخفض الطلب على الذهب لأنه لا يدر عائدًا، لكن الذهب يُعتبر حلا آمنًا خلال فترات التضخم المرتفع، وهناك علاقة عكسية بين قيمة الدولار وسعر الذهب، بالإضافة إلى أنه فى حالة الأزمات العالمية يزيد الطلب على الذهب كملاذ آمن، كما أن انخفاض الإنتاج أو مع ظهور اكتشافات جديدة يؤثر في أسعاره.
ويستكمل د. على كلامه ويقول:لنأت إلى السؤال عن كيفية اختيار الخيار الأنسب للمستثمرين الجدد ،فعلينا أولا تحديد الأهداف المالية، هل الهدف عائد مستقر على المدى القصير أم نمو رأس المال على المدى الطويل؟ وتقييم مستوى المخاطرة، فمثلا الذهب والشهادات أقل مخاطرة، بينما العقارات تتطلب تحمل مخاطر أعلى، وحجم رأس المال، فإذا كان محدودًا، قد يكون الذهب أو الشهادات خيارًا أفضل، وبالنسبة للسيولة المطلوبة، بمعنى إذا كان المستثمر بحاجة إلى سيولة سريعة، فإن الذهب والشهادات أكثر مناسبة، ولا بد أن نلتفت إلى فكرة التنويع بمعنى أنه من الأفضل توزيع الاستثمارات بين الذهب والعقارات والشهادات لتقليل المخاطر.
ويأخذنا هذا إلى السؤال عن كيفية تحديد توقيت دخول السوق أو الخروج منها وذلك يحتاج منا إلى تحليل السوق أولا، فيما يعنى متابعة أسعار الفائدة، التضخم، والأحداث الاقتصادية والجيوسياسية، واستخدام التحليل الفنى أى مراقبة اتجاهات الأسعار ومؤشرات الدعم والمقاومة، ويجب الدخول بشكل تدريجى لتجنب الشراء فى قمم السوق، وتحديد التوقيت حسب الاحتياجات الشخصية، "إذا كان الاستثمار موجهًا لأهداف طويلة الأجل، فلا تركز كثيرًا على تقلبات السوق.

نصائح لتحقيق عوائد مستقرة وآمنة
من أهم النصائح تنويع المحفظة أى لا تعتمد على نوع واحد من الاستثمار، وزّع أموالك بين الذهب، العقارات، والشهادات. ثانيا التركيز على الجودة، اختر عقارات فى مواقع استراتيجية أو ذهبًا عالى الجودة، ثالثا الابتعاد عن المضاربات، استثمر بناءً على دراسات السوق وليس الإشاعات، رابعا استشارة الخبراء، استعن بالمختصين عند الاستثمار فى العقارات أو الذهب لتجنب الأخطاء، خامسا الاستثمار طويل الأجل، فيما معناه أن تركز على الأصول التى تزداد قيمتها بمرور الوقت، وسادسا أن تتبع الأداء بانتظام بمعنى أن تراقب أداء استثماراتك لتعديل خططك إذا لزم الأمر.
الشهادات ثم الذهب ثم العقارات
مفهوم الاستثمار الآمن وفقا للدراسات والأبحاث هو ما يحقق الأمان بنسبة100 % ويعتمد ذلك على قدرات الفرد وإمكاناته وما يمتلكه، هكذا يري الدكتور خالد الشافعى الخبير الاقتصادى ورئيس مركز العاصمة للدراسات والأبحاث الاقتصادية.
أما عن خيارات الاستثمار فأكد أن الذهب يُعتبر استثمارًا طويل الأجل، إذا لم يكن لديك فرصة أو قدرة على إنشاء مشروع أو المشاركة فيه، فإن الذهب يعد الخيار الأمثل لأنه لا يحتاج إلى متغيرات جديدة.
لكن الشهادات البنكية هى الأنسب لمن يرغب فى عوائد شهرية أو ربع سنوية أو سنوية.
تعتبر العقارات استثمارًا آمنًا أيضًا، لكن يجب مراعاة كيفية الشراء (كاش أو آجل) لأنها قد تحمل تكاليف فوائد إضافية.
وأشار الشافعى إلى أن اختيار الاستثمار يعتمد على احتياجات الفرد ومقدار الأموال المتاحة، والفئة العمرية، فإذا كان الشخص يرغب فى عوائد دورية، فإن العقارات هى الخيار الأفضل، أما إذا كان الهدف هو الاستثمار على المدى البعيد، فالذهب هو الأنسب.
وأضاف أن هناك عوامل عديدة تؤثر في قيمة الذهب، منها سعر الذهب العالمي، فهو يرتبط بشكل مباشر بعوامل العرض والطلب، كذلك توجه الأفراد نحو الذهب، سواء كانت الجنيهات أو السبائك أو المصنوعات وإذا كان الشخص يتداول فى الذهب بشكل متكرر، يصبح الاستثمار قصير الأجل، وهو أمر غير مرغوب فيه، والذهب مرتبط بالبورصة العالمية ويحافظ على قيمته عبر الزمن، ويمكن الدخول والخروج فيه بسهولة.
وبالنسبة للعقارات فتعتمد على العرض والطلب وحالة القوة الشرائية، لذا يجب أن يكون هناك تنظيم لتجنب الفقاعات العقارية.
أما عن الشهادات البنكية فلها مدد زمنية محددة، ويعتمد نجاحها على سعر الفائدة المعلن من البنك المركزي.
وأوضح الشافعى أن الاستثمار الآمن يعتمد على احتياجات الأفراد فى حالة الرغبة فى الحصول على عوائد شهرية أو ربع سنوية فالشهادات هى الخيار الأفضل، أما إن كانت الرغبة فى استثمار طويل الأجل من دون عوائد دورية، إذا فالذهب هو الأنسب، وختاما يقول الشافعى: يمكن ترتيب خيارات الاستثمار كالتالي، الشهادات ثم الذهب ثم العقارات، بخاصة إذا لم يكن لدى الشخص مشروع خاص.
أفضل وسائل الاستثمار الآمن للمواطن
أما بالنسبة للاستثمار قصير الأجل، فتوجد صناديق الاستثمار التى تقدمها عدة بنوك مثل البنك الأهلى وبنك مصر، وشركات كبرى، ويختلف العائد من صندوق لآخر، وهو ما أكدته الدكتورة سهر الدماطي الخبيرة المصرفية
واستكملت حديثها عن الاستثمار طويل الأجل، وقالت: مثل الاستثمار العقاري، الذى يحقق فوائد مادية كبيره، فالعقار لا يقتصر على السكن فقط، بل يشمل أيضًا العقارات التجارية والإدارية، يمكن للمستثمر شراء محل وتأجيره، مما يحقق أرباحًا جيدة، حيث يمتلك المواطن أصلًا ويستفيد من إيجار شهري، فالاستثمار العقارى وسيلة فعالة لحماية الأفراد من التضخم.
أما بالنسبة للاستثمار فى الذهب، فقد أكدت أن المواطنين يقبلون عليه باعتباره وسيلة آمنة، ومع ذلك، يواجه الذهب عند البيع ثلاث مخاطر، سعر الضريبة، والمصنعية، وسعر الذهب فى السوق الذى يتأثر بالعوامل الجيوسياسية، كما حدث فى الفترة الماضية حين تراجعت الأسعار ثم عادت للارتفاع مرة أخرى، ويُعتبر الذهب استثمارًا طويل الأجل، ووجهت نصيحة للمواطنين بشراء الذهب عند انخفاض الأسعار وبيعه عند الصعود.
نصائح من خلاصة الخبرة
كما قدمت د. سهر بعض النصائح للمواطنين للاستثمار الآمن، أولاها تحديد الاحتياجات، فهناك احتياجات قصيرة الأجل والتى تكون خلال سنة، وهنا يُفضل الاستثمار فى الأذون أو الشهادات البنكية أو صناديق الاستثمار، ويُعتبر الاستثمار فى الذهب ملاذًا آمنًا لسهولة بيعه فى أى وقت، لكن يجب الانتباه إلى أنه لا يحقق فوائد، هناك أيضًا طرح لصناديق الذهب التى تصرف فوائد، لكن يجب مراعاة أن الاستثمار فى الذهب مرتبط بالتطورات والأحداث المحيطة.
وفيما يتعلق بالاستثمار طويل الأجل، يُفضل اللجوء إلى الاستثمار العقاري، ويجب على المواطن قبل اتخاذ القرار تحديد احتياجاته وفترة الاستثمار، سواء كانت قصيرة أو طويلة الأجل.
وأخيرًا تنصح من يرغب الاستثمار فى البورصة بأن تكون لديه خبرة كافية لتفادى مخاطر خسارة الأموال.
وهناك العديد من أوجه الاستثمار المتاحة للأفراد، بناءً على احتياجاتهم، فهناك استثمار يتم من خلال شهادات الادخار، التى تتنوع بين شهادات ذات عائد شهرى وأخرى ذات عائد سنوي، حيث يصل العائد إلى %27، وهو عائد متميز للغاية وهو ما أشارت إليه د. سهر الدماطى، وأضافت أنه يمكن الاستثمار عبر أذون الخزانة، التى تتيح عائدًا يصل إلى %31 خلال 3 أشهر، ومن أبرز مميزات الاستثمار فى أذون الخزانة استلام الفائدة فى الوقت نفسه عند الشراء.
وعن الأوعية الادخارية فى البنوك، قال د. شوقى إنها تعد أدوات ادخار أكثر منها استثمارا، حيث تحقق عائدًا دوريًا للمستثمر، وبرغم أنها مناسبة للأفراد الذين لا يمتلكون خبرة فى الاستثمار، فإن ارتفاع معدلات التضخم قد يؤثر سلبًا في العائد الحقيقى من هذه الأوعية، كما أن شروط التسييل قد تكون مقيدة، حيث لا يمكن سحب الأموال قبل فترة محددة.
فيما يقول د.علي الإدريسي: لو تحدثنا عن الشهادات البنكية فسنجد أن الإيجابيات التى تحظى بها أن العائد ثابت ومضمون، وأنها خالية تقريبًا من المخاطر، وأن السيولة بها متوسطة عند انتهاء فترة الشهادة.
أما السلبيات فهى أن العائد أقل مقارنة بالذهب أو العقارات، وأنها تتأثر بالعوامل الاقتصادية مثل التضخم وأسعار الفائدة.