النموذج الكندي الأفضل .. كيف نبني بطلًا رياضيًا؟
بناء بطل رياضى رحلة مليئة بالتحديات، نجاحها يتطلب التزاما، ودعما مستمرا وتدريبا وتغذية سليمة، إضافة إلى تعزيز القيم والروح الرياضية فى جميع مراحل النمو، ومن خلال اتباع الخطوات والمبادئ الأساسية، يمكن أن يتم بناء بطل رياضى ناجح.
يؤكد النموذج الكندى أن البرامج الرياضية تُبنى وفقا لمراحل نمو الطفل وليس العكس، ليس للفوز، بل اكتساب مهارات وخبرات وعلاقات جديدة، مع توفير عوامل الأمن والسلامة خصوصا فى الرياضات التى بها احتكاك مباشر مع الخصم، مثل ألعاب المنازلات وكرة القدم وغيرها.
هناك رياضات يكون فيها التخصص مبكرا مثل (الجمباز- الجمباز الإيقاعي- الغطس- السباحة)، أما رياضات التخصص المتأخر مثل الألعاب القتالية والألعاب الجماعية وألعاب القوى، وألعاب المضرب والتجديف، وبناء عليه يتم تطوير اللاعب على المدى الطويل، ويتم هذا التطوير على عدة مراحل، ويعتبر النموذج الكندى من أفضل النماذج والبرامج الممتعة، لأنه يتضمن مراحل الطفولة من وقت مبكر وحتى ما بعد الأداء العالي، وهذه المراحل أولاها مرحلة بداية النشاط الحركى من صفر إلى 6 سنوات للبنين والبنات، وخلال هذه المرحلة تعطى بعض العناصر البدنية ذات الطابع الخاص بصورة مكثفة مثل المرونة، وبصورة أولية ومبسطة مثل عنصر التوازن والتوافق والرشاقة والسرعة.
التجارب المتنوعة
من الضرورى أن يتم تشجيع الطفل على تجارب مختلفة من الأنشطة الرياضية حتى يتمكن من اكتشاف الرياضة التى تناسبه، يمكن أن يكون للطفل ميل فطرى نحو رياضة معينة، ولكن من الضرورى أن يتمتع بتجربة واسعة قبل اتخاذ القرار النهائي.
وتلك المرحلة قد نطلق عليها مرحلة تعلم المهارات الرياضية الأساسية، وتكون من سن 6 إلى 9 للبنين ومن 6 إلى 8 للبنات، وفى هذه المرحلة المهمة يجب تعليم الطفل كل المهارات الرياضية مثل مهارات كرة السلة والسباحة والجمباز واليد والقدم وركوب الدراجات، والركل، وفى هذه المرحلة يجب تغذية الذاكرة الحركية بأكبر قدر من المهارات من دون استثناء، على يد متخصصين يملكون من الكفاءة والعلم بمراحل نمو الطفل ولديهم ما يكفى من الأمانة والإخلاص، وبذلك يكون الطفل عنده قدرة عالية على اكتساب أى حركة جديدة بصورة سريعة.
مرحلة المنافسات
وهى مرحلة تعتمد فى الأساس على التدريب من أجل التطوير والمنافسة وتكون ما بين 12 إلى 16 سنة للبنين ومن 11 إلى 15 للبنات، وفى هذه المرحلة تعطى بعض التدريبات الخاصة برفع مستوى اللياقة البدنية، وبعض طرق وأساليب التدريب المهارية المختلفة والمتقدمة، كما تبدأ فى هذه المرحلة جلسات من الطب النفسى الرياضى لتحسين التركيز والتحفيز الذاتي، تعليم الطفل كيفية التعامل مع الضغط والتوتر خلال المسابقات لتحقيق أفضل أداء أمر فى غاية الأهمية، لذا الاشتراك فى المسابقات بطبيعة الحال يساعد على اكتساب هذه الخبرة، كما يساعد على تطوير المهارات الفنية، لذلك يمكن أن تكون المسابقات فرصة لقياس التقدم وتحديد المجالات التى تحتاج إلى تحسين.
التغذية السليمة
ومن الجوانب المهمة فى بناء بطل رياضى الاهتمام بالتغذية السليمة، عن طريق تقديم الوجبات المتوازنة، حيث إن التغذية السليمة تلعب دورًا حاسمًا فى تحقيق النجاح الرياضي، ولذلك يجب أن يحتوى النظام الغذائى على جميع العناصر الغذائية الضرورية مثل البروتينات، الكربوهيدرات، الدهون الصحية، والفيتامينات والمعادن، فالتغذية المتوازنة تساعد على تحسين الأداء الرياضى وتسريع عملية الاستشفاء.
يمكن أن تكون الأنشطة الترفيهية فرصة للاسترخاء والاستمتاع بالوقت مع الأصدقاء، كما يمكن تقديم الكتب والمجلات الرياضية والأفلام الوثائقية التى تتناول تاريخ الرياضة والقصص الملهمة للرياضيين الناجحين، ومناقشة الدروس المستفادة من المواد التعليمية وتحفيز الطفل على تطبيقها فى تدريباته اليومية، فإن المزج بين الرياضة والجوانب الأخرى للحياة يضمن وجود توازن بين التدريبات الرياضية والأنشطة الترفيهية لتجنب الإرهاق النفسى والجسدي، وقضاء وقت ممتع مع العائلة والأصدقاء لتكوين حياة اجتماعية سليمة.
دور الأهل فى إعداد بطل رياضي
وعن دور الأهل فى إعداد بطل رياضى وما يتطلبه الأمر من تضحيات، تحدثنا رشا بشير والدة أمينة عرفى بطلة العالم للأسكواش، من واقع خبرتها وتقول: من أجل أن تربى بطلا رياضيا لا بد أن تكون على مستوى عالٍ من الوعى بأن الرياضة مكسب وخسارة، لا بد كولى أمر أن تتقبل النتيجة قبل ابنك أو ابنتك حتى تستطيع أن تساعده فى بقية مسيرته.
وتضيف بشير: أرى أن أهم دور يقع على كاهل الأسر هو الالتزام، حتى قبل الطفل نفسه، الالتزام بالتدريب، ومواعيد الاستيقاظ والنوم، ومواعيد الأكل وأنواعه، أى يكون هناك جدول زمنى لا يجب أن تحيد عنه، يعنى ٩٩٪ الالتزام.
وعن التضحية تقول: إذا كنت تود أن تصنع بطلا عليك أن تعلم أن هذا له ثمنه، إن لم يكن من وقت شغلك سيكون من وقت الترفيه والمصايف مثلا، للارتباط بالتمارين والبطولات، تضحية أخرى قد تتعلق بالمناسبات العائلية أو على مستوى الصداقات الشخصية لضيق الوقت، أمر آخر فى غاية الأهمية هو أن تؤمن بقدرات ابنك وتكون على تواصل معه طوال الوقت حتى تستطيع أن تقويه نفسيا وتزرع الثقة به، ملاحظتك له دائما ستجعلك متابعا لعيوبه وتسعى دائما إلى تطويرها، مهم أيضا ألا تلتفت إلى أى رأى سلبى يمكن أن يؤثر فيك أو يجعلك تستسلم، على سبيل المثال أتذكر أن أحد المدربين قال لى: «خذى ابنتك من اللعبة دى هى ما تنفعش فيها، دى لو لعبت بلى يبقى كويس قوي». عادة هناك من الأهالى من يتأثرون ويستسلمون ويتركون اللعبة فعلا.
وشخصيا أرى أنه من الضرورى فى كل الألعاب فى مصر أن يجتمع الأهالى الذين نجح أولادهم وأصبحوا أبطالا فى كل رياضة ويقدموا العون والنصيحة لغيرهم من الأهالى، حتى لا يقعوا فريسة تحت يد مدربين يضيعون أموالهم وأولادهم.
العناصر الأساسية
عناصر منظومة إعداد بطل رياضى تعتمد على عدة نقاط مهمة يجب توافرها بنسبة كبيرة حتى تكتمل جميع الأركان التى تساعد على إعداد بطل رياضى مكتمل العناصر، يتحدث عنها الدكتور خالد فاروق، خبير الطب النفسى الرياضى والمدير الفنى لمنتخب مصر للتنس سابقا ويقول: أولها الاتحاد أو الجهة المسئولة عن اللعبة، ويتبلور دورها فى نشر اللعبة على مستوى الممارسة بجانب إنشاء قطاع بطولة بمتطلباته المختلفة، ومن الضرورى وجود آلية رقابة على أداء الاتحادات ومدى نجاحها على المستويين، المشاركة والبطولة، وعلى أساس ذلك يحدد الدعم المادى أو التجديد للقائمين على اللعبة.
النقطة الثانية تخص الأندية والأكاديميات، حيث يقع على كاهلها تنفيذ خطط الاتحادات وتوافر خدمات قطاعى الممارسة والبطولة، ومن هنا نأتى إلى ثالث نقطة وهى المدارس والجامعات التى عليها أن تدعم وتتفهم وتساعد على نشر الرياضة واختيار المواهب وتهيئة الظروف للطالب الرياضي، ثم النقطة الرابعة هى الأسرة التى يجب أن يتوافر لديها الطموح والوعى الرياضى لتوفير البيئة المناسبة وتوجيه ودعم الناشئ بشكل سليم، لأنه فى بعض الأحيان يكون الطفل موهوبا فى لعبة ما لكن الأهل غير مهتمين من أساسه بموضوع الرياضة أو إعداد بطل رياضي.
خامسا البحث عن مدرب خبير مطلع عنده رؤية مستقبلية، يستطيع أن يقود اللاعب فنيا ويطور من أدائه طوال الوقت، لأن المدرب عليه أن ينتبه إلى أن الطفل الذى يعده سينافس لاعبين آخرين بعد عدة سنوات، بمعنى أنه لا بد أن يدربه على ما هو قادم وليس فقط على ما تدرب عليه هو قديما، بل يكون له رؤية مستقبلية لما هو قادم ومتابع لتطور اللعبة.
أما النقطة الأخيرة الأهم فهي أن يكون لدى اللاعب دافع قوى لتحقيق أهدافه بإصرار رغم صعوبة الطريق، لأن مسيرة البطولة صعبة وطويلة وبها الكثير من التحديات والإخفاقات والمشاعر المتضاربة والقرارات الصعبة.
الطفل الثانى أو الثالث من بين الأبناء هو عادة الأنجح، مثلما يؤكد د. خالد لأن الأهل يتجنبون مع الطفل الثانى مثلا الأخطاء التى ارتكبوها مع الأول مما يختصر عليه الطريق ويأخذه فى الطريق السليم مبكرا، وذلك من حيث اختيار النادى الأمثل للانضمام إليه أو اختيار المدرب الأنسب للتعامل معه، والاهتمام مثلا بالنواحى البدنية بشكل أكبر أو عامل التغذية السليمة، وهو عنصر مهم فى إعداد البطل الرياضى، بالإضافة أيضا إلى عنصر الطب النفسى الرياضى وهو عنصر أصبح فعالا وأساسيا لأغلب الرياضيين لمساعدتهم في أثناء مسيرتهم الرياضية لما يواجهونه طوال الطريق من تقلبات مزاجية ومشاعر سلبية، قد تنهى مسيرتهم إذا لم يتمكنوا من التعامل معها بشكل سليم.
أى رياضة ترتكز على أربعة أعمدة رئيسة، أولها النواحى الفنية والتدريب على المهارات الأساسية للعبة، ثم النواحى الخططية أو التكتيكية التى سيستخدم مهاراته فى تنفيذها ليحقق مكسبه، ثم تأتى الناحية البدنية وهى الاهتمام بقدراته البدنية وقوة التحمل والنفس الطويل واكتساب الرشاقة والليونة المطلوبة، والناحية النفسية وهى كيفية التعامل مع القلق وتحمل ضغط المباريات والتعامل مع اللحظات الصعبة فى المباراة، وكل واحد من هذه الأعمدة يكبر دوره أو يقل على حسب السن، يعنى مثلا النواحى النفسية ليس لها دور كبير تحت سن العاشرة بل إنها سن الفنيات.
اكتشاف الموهبة
فيما يخص اكتشاف الموهبة لدى طفلك يقول د. خالد:إن اكتشاف الموهبة مبكرا يوفر كثيرا من الوقت والمال، حيث إن ملاحظة الطفل وطبيعة نشاطه سواء فى المنزل أو المدرسة مؤشر جيد يمكن أن يدل الأهل على نوع الرياضة التى قد ينجح فيها الطفل وتكون أنسب له إذا مارسها مبكرا، وأشار إلى أن الكثير من الدول المتقدمة أجرت دراسات تحدد كيف كانت بداية الأبطال العالميين، وانتهوا إلى نتائج علمية، نسير على خطاها الآن.
فكرة أن يمارس الطفل أكثر من رياضة فى بدايته أمر صحي، ببساطة لأننا لن نستطيع أن نتنبأ بالرياضة التى سيتألق بها مبكرا من دون أن يجرب ويميل شخصيا إلى رياضة ما، بجانب أن الرياضات أصلا تكمل بعضها بمعنى أن استفادته من رياضة ما سوف تساعده فى الرياضة التى سيختارها لاحقا، وتكون نمت لديه مهارات معينة.
وعن التعارض بين رغبة الطفل ورؤية الأهل فى اختيار رياضة معينة يقول د. خالد: لهذه الحيرة من الأفضل أن يبقى الطفل يمارس الرياضتين معا فترة ما حتى تتضح الأمور أكثر، ويبدو تفوقه فى واحدة عن الأخرى حينها يرجح عامل الزمن الرياضة المناسبة بالدليل على أرض الواقع.