قد يعتبر البعض الرومانسية ترفا غير ضروري، لكنها في الواقع تشكل أساسا مهما للعلاقات الإنسانية السوية، بخاصة بين الرجل والمرأة، فالعلاقة التي تخلو من الرومانسية تكون غالبا هشّة وجافة، والرومانسية لا تعني بالضرورة الهدايا الفاخرة، بل يمكن أن تكون كلمة رقيقة تحمل التقدير، أو وردة تُهدى في مناسبة خاصة، وحتى سماع أغنية عاطفية مع الشريك يمكن أن يضفي شعورا بالسعادة ويجدد وهج الحياة الزوجية.
على كل شريك أن يبحث عن طرق لإعادة إشعال شرارة الحب داخل العلاقة، حتى لو كان ذلك بأبسط الوسائل، فالسعادة تكمن في التفاصيل الصغيرة التي نتشاركها مع أحبائنا.
مشهد رمزي يتردد في أذهان الكثيرين، من فيلم “أحلى الأوقات” عندما قالت هند صبري لزوجها في الفيلم: “عايزة ورد يا إبراهيم”، ليرد عليها قائلاً: “كيلو الكباب أحسن من الورد”، هذا الحوار البسيط يلخص التغير في مفهوم الرومانسية داخل المجتمع المصري، حيث أصبحت ضغوط الحياة والاعتبارات المادية في مقدمة الأولويات، متجاوزة تلك اللحظات العاطفية التي كانت يوما جزءا لا يتجزأ من العلاقات.
الرومانسية ليست رفاهية
“الرومانسية لم تختفِ تماما، لكنها أصبحت في آخر أولوياتنا. ضغوط الحياة اليومية تجعلنا نركز على كيفية تجاوز اليوم بأقل مشكلات ممكنة، هكذا ترى سلوى عبدالعظيم (43 سنة، مهندسة) المشهد، وتؤكد أن كل امرأة تحلم بلحظات رومانسية مع زوجها، لكنها تتساءل كيف تطلب ذلك من زوجٍ مرهق طوال اليوم؟
أنا شخص رومانسي بطبيعتي وأؤمن بأن التعبير عن المشاعر لا يتطلب الكثير، والكلام على لسان محمد الغزالي (33 سنة)، الذي يستكمل قائلا: كلمات بسيطة أو لفتات صغيرة كفيلة بإضفاء السعادة على حياتنا، ومع ذلك، أجد نفسي محاطا بنظرات استغراب، كأن الاهتمام بالرومانسية رفاهية لا مكان لها في واقعنا المليء بالضغوط.
الصعوبات المادية قتلت الرومانسية
ومن جيلٍ مختلف ترى سوزي أحمد (70 سنة) أن الجيل الحالي يفتقد الرومانسية بشكل كبير، وتقول: في جيلنا كان هناك حب، فأذكر أنه في جيلي كان هناك وقت للخروج والاستمتاع بالحياة، وكنا مجتمعا حريصا على أن يقدر الآخر ويمدحه ولو بكلمة، وكنا نستمتع بالموسيقى الهادئة، ربما ظلمت الظروف المعيشية هذا الجيل فنحن كنا أسعد، أما اليوم، فالحياة أصبحت ميكانيكية، والجميع يركضون خلف متطلبات مادية بلا مساحة للعواطف.
كيف يمكن للزوج شراء باقة ورد تكلف 200 جنيه في وقت نعاني فيه من تغطية احتياجات المنزل الأساسية؟ السؤال لأميمة فتحي (46 سنة) التي قالت: إضافة إلى ذلك، ضغوط العمل تجعلنا نمر بأيام طويلة من دون أن نتذكر اللحظات الرومانسية.
المشاعر الصادقة أفضل
غياب الرومانسية مرتبط بانشغال الأزواج بالعمل والمسؤوليات اليومية، ففي ظل الظروف الاقتصادية الحالية، أصبحت الضغوط المادية كفيلة بإلغاء أي جوانب ترفيهية أو عاطفية، ووفقا لدراسة صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، يؤكد الدكتور زياد عبدالجواد، أستاذ علم الاجتماع بجامعة المنصورة، أن اختفاء المشاعر العاطفية تسبب في تفكك حوالي 90 ألف أسرة سنويا، معظمهم من الشباب تحت سن الثلاثين.
ويستكمل د. زياد قائلا: نظرا إلى حاجة المرأة وكذلك الرجل إلى الجانب الرومانسي في حياتهما نلاحظ حرص الكثيرين من الجنسين على متابعة المسلسلات الأجنبية التي تقدم قصصا رومانسية يفتقدها الأزواج في حياتهم اليومية، في ظل غياب الرومانسية عن الأعمال الفنية في السينما والدراما المصرية التي أصبحت انعكاسا واضحا للمجتمع ومشكلاته. ومن الضروري أن تحرص على قضاء وقت ممتع مع شريكك لاستعادة الحب والرومانسية بأبسط الأشياء وليس حقيقيا أن الرومانسية مكلفة، بل بالعكس فالمشاعر الصادقة أفضل من الهدايا والسهر في أماكن تكلف الكثير من المال، وزهرة واحدة مثل باقة ورد كاملة.
دور المرأة والرجل في استعادة العواطف
العواطف لم تختفِ تماما، بل أصبحت مختبئة خلف الضغوط اليومية، وهي وجهة نظر الدكتورة عبير الراوي، أستاذ علم النفس بجامعة المنصورة، التي ترى أن المرأة يمكن أن تلعب دورا محوريا في إعادة إشعال جذوة الرومانسية داخل العلاقة الزوجية من خلال مبادرات بسيطة، كما تنصح الأزواج بتخصيص وقت شهري لقضاء لحظات خاصة بعيدا عن الروتين اليومي، مثل تناول عشاء بسيط في مكان هادئ، أو مشاهدة فيلم معا في المنزل ليتخطيا فتور العلاقات بعد طول فترة الزواج، بعكس فترة الخطبة وكذلك فترة بداية زواجهما، لأنه مع مرور الوقت تبدأ هذه النواحي الرومانسية في الغياب سنة بعد سنة حتى تختفي، لكن على الرغم من التحديات، فإن الرومانسية لا تحتاج إلى ميزانية ضخمة، فالكلمات الصادقة يمكن أن تكون أثمن من أغلى الهدايا، المهم التعبير عن المشاعر بطريقة بسيطة وصادقة.