الثقة لاحدود‭ ‬لنجاحك
الثقة لاحدود‭ ‬لنجاحك
4 أكتوبر 2024

محمد فاروق

غالبا‭ ‬ما‭ ‬يتم‭ ‬تعريف‭ ‬الثقة‭ ‬بأنها‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الاطمئنان‭ ‬والشعور‭ ‬بالأمان‭ ‬تجاه‭ ‬شخص‭ ‬آخر،‭ ‬أو‭ ‬مؤسسة‭ ‬أو‭ ‬نظام‭ ‬ما،‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬اعتقاد‭ ‬بأن‭ ‬هذا‭ ‬الشخص‭ ‬أو‭ ‬النظام‭ ‬سيقوم‭ ‬بما‭ ‬هو‭ ‬صحيح‭ ‬وعادل‭.. ‬لكن‭ ‬عندما‭ ‬نود‭ ‬أن‭ ‬نتخصص‭ ‬أكثر‭ ‬ونغوص‭ ‬فى‭ ‬الصورة‭ ‬الأشمل‭ ‬لمعنى‭ ‬الكلمة،‭ ‬سنكتشف‭ ‬على‭ ‬الفور‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تأتى‭ ‬من‭ ‬فراغ،‭ ‬بل‭ ‬تبنى‭ ‬عبر‭ ‬الزمن‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تجارب‭ ‬ومواقف‭ ‬تثبت‭ ‬فيها‭ ‬الأطراف‭ ‬المعنية‭ ‬مصداقيتها‭ ‬والتزامها‭ ‬بالمبادئ‭ ‬الأخلاقية،‭ ‬فى‭ ‬حين‭ ‬يعتبر‭ ‬البعض‭ ‬أن‭ ‬الثقة‭ ‬فى‭ ‬حد‭ ‬ذاتها‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الأخذ‭ ‬فى‭ ‬الاعتبار‭ ‬التجارب‭ ‬والمواقف‭ ‬السابقة،‭ ‬قد‭ ‬تبدو‭ ‬من‭ ‬العادات‭ ‬الخاطئة‭ ‬فى‭ ‬حالات‭ ‬مختلفة،‭ ‬لأنها‭ ‬تؤدى‭ ‬فى‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬إلى‭ ‬أزمات‭ ‬تعيش‭ ‬مع‭ ‬الإنسان‭ ‬معظم‭ ‬حياته،‭ ‬خصوصا‭ ‬عندما‭ ‬يفقد‭ ‬تلك‭ ‬الثقة‭ ‬بداية‭ ‬من‭ ‬نفسه‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬من‭ ‬حوله‭ ‬سواء‭ ‬كانوا‭ ‬أشخاصا‭ ‬أو‭ ‬كيانات‭ ‬مختلفة‭.‬

وإذا‭ ‬حاولنا‭ ‬أن‭ ‬نتعاطى‭ ‬مع‭ ‬الثقة‭ ‬كقيمة‭ ‬إنسانية‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العلاقات‭ ‬الشخصية،‭ ‬فلا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬نتعامل‭ ‬معها‭ ‬كأساس‭ ‬يقوم‭ ‬عليه‭ ‬أى‭ ‬تواصل‭ ‬ناجح،‭ ‬فهى‭ ‬التى‭ ‬تتيح‭ ‬للناس‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬مشاعرهم‭ ‬وآرائهم‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬خوف‭ ‬من‭ ‬الانتقاد‭ ‬أو‭ ‬الخيانة‭ ‬أو‭ ‬التقليل‭ ‬من‭ ‬الأفكار،‭ ‬ولهذا‭ ‬سنعتبر‭ ‬أن‭ ‬فى‭ ‬غيابها‭ ‬تنهار‭ ‬العلاقات‭ ‬وتفقد‭ ‬الروابط‭ ‬قوتها،‭ ‬مما‭ ‬يؤدى‭ ‬إلى‭ ‬عزلة‭ ‬الأفراد‭ ‬وعدم‭ ‬شعورهم‭ ‬بالأمان‭.‬

وفى‭ ‬التاريخ‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬اشتهر‭ ‬نابليون‭ ‬بونابرت‭ ‬بمقولة‭: ‬الجيوش‭ ‬تسير‭ ‬على‭ ‬بطونها،‭ ‬والثورات‭ ‬تسير‭ ‬على‭ ‬الثقة،‭ ‬وهى‭ ‬المقولة‭ ‬التى‭ ‬تؤكد‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬الثقة‭ ‬كانت‭ ‬العنصر‭ ‬الحاسم‭ ‬الذى‭ ‬اعتمدت‭ ‬عليه‭ ‬الجيوش‭ ‬والثورات‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء،‭ ‬فإذا‭ ‬فقد‭ ‬القائد‭ ‬ثقة‭ ‬جنوده‭ ‬فلا‭ ‬يمكن‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يحقق‭ ‬أى‭ ‬انتصار،‭ ‬مهما‭ ‬تكن‭ ‬قوته‭ ‬العسكرية‭.‬

ومثلما‭ ‬حاول‭ ‬نابليون‭ ‬تأكيد‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬أنواع‭ ‬الثقة‭ ‬فهناك‭ ‬تعريفات‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬الفلاسفة‭ ‬والكتَّاب‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ،‭ ‬ومنها‭ ‬الفيلسوف‭ ‬الألمانى‭ ‬إيمانويل‭ ‬كانط‭ ‬الذى‭ ‬اعتبر‭ ‬الثقة‭ ‬جزءًا‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬من‭ ‬الواجب‭ ‬الأخلاقى‭ ‬فى‭ ‬كتابه‭ ‬‮ «‬نقد‭ ‬العقل‭ ‬العملي‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬يشير‭ ‬كانط‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الثقة‭ ‬تمثل‭ ‬التزامًا‭ ‬أخلاقيًّا‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬الفرد‭ ‬احترامه،‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬الآخرون‭ ‬لا‭ ‬يفعلون‭ ‬ذلك‭.‬

ومن‭ ‬الفلسفة‭ ‬إلى‭ ‬التاريخ‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬ومنه‭ ‬نرى‭ ‬نموذج‭ ‬الماهاتما‭ ‬غاندي،‭ ‬قائد‭ ‬حركة‭ ‬الاستقلال‭ ‬الهندية،‭ ‬الذى‭ ‬كانت‭ ‬تجربته‭ ‬مثالًا‭ ‬حيًّا‭ ‬على‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬للثقة‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬قوة‭ ‬دافعة‭ ‬للتغيير‭ ‬الاجتماعى‭ ‬والسياسي‭.. ‬غاندى‭ ‬نجح‭ ‬فى‭ ‬كسب‭ ‬ثقة‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬الهنود‭ ‬عبر‭ ‬التزامه‭ ‬بمبادئ‭ ‬اللاعنف‭ ‬والمقاومة‭ ‬السلمية،‭ ‬هذه‭ ‬الثقة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬فقط‭ ‬بين‭ ‬غاندى‭ ‬وأتباعه،‭ ‬بل‭ ‬أيضا‭ ‬بين‭ ‬الهنود‭ ‬أنفسهم،‭ ‬حيث‭ ‬وحدت‭ ‬الثقة‭ ‬فى‭ ‬العدالة‭ ‬والحرية‭ ‬أمة‭ ‬بأكملها‭ ‬ضد‭ ‬الاستعمار‭ ‬البريطاني‭.‬

من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬هناك‭ ‬رأى‭ ‬مختلف‭ ‬للكاتب‭ ‬الأمريكى‭ ‬ستيفن‭ ‬كوفي،‭ ‬فى‭ ‬كتابه‭ ‬الشهير‭ ‬‮«‬العادات‭ ‬السبع‭ ‬للناس‭ ‬الأكثر‭ ‬فعالية‮»‬،‭ ‬الذى‭ ‬أشار‭ ‬فيه‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬بناء‭ ‬الثقة‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬وقتٍ‭ ‬وجهد،‭ ‬ولا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يعتمد‭ ‬عليه‭ ‬كعامل‭ ‬حاسم‭ ‬فى‭ ‬تحقيق‭ ‬النجاح‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الأفراد‭ ‬والجماعات‭.‬

ومن‭ ‬هذا‭ ‬الرأى‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نرفض‭ ‬التسليم‭ ‬الكامل‭ ‬بوجود‭ ‬الشفافية‭ ‬والمصداقية‭ ‬بالضرورة‭ ‬لدى‭ ‬بقية‭ ‬الأفراد،‭ ‬وأعتقد‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المسلمة‭ ‬مستحيلة‭ ‬التحقيق‭ ‬لأنها‭ ‬تتنافى‭ ‬مع‭ ‬طبيعة‭ ‬البشر‭ ‬وأخطائهم‭ ‬المتكررة‭ ‬واختلاف‭ ‬ظروف‭ ‬التربية‭ ‬والنشأة‭ ‬لديهم،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يدفعنا‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬إلى‭ ‬اعتبار‭ ‬الثقة‭ ‬من‭ ‬القيم‭ ‬التى‭ ‬يجب‭ ‬التعامل‭ ‬معها‭ ‬بحذرٍ‭ ‬شديد‭ ‬وفى‭ ‬إطارات‭ ‬محددة،‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬أداة‭ ‬يمكن‭ ‬استغلالها‭ ‬ضد‭ ‬من‭ ‬يتبعها‭.‬

من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭ ‬يأخذنا‭ ‬العالم‭ ‬ألبرت‭ ‬أينشتاين‭ ‬إلى‭ ‬نوع‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬الثقة‭ ‬يخص‭ ‬الثقة‭ ‬بالنفس‭ ‬التى‭ ‬قال‭ ‬عنها: "‬الثقة‭ ‬بالنفس‭ ‬سر‭ ‬النجاح‭" ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬العبارة‭ ‬تعكس‭ ‬دور‭ ‬أينشتاين‭ ‬فى‭ ‬تغيير‭ ‬المفاهيم‭ ‬العلمية‭ ‬بشكل‭ ‬جذرى‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬النظرية‭ ‬النسبية‭ ‬التى‭ ‬قدمها‭ ‬أينشتاين،‭ ‬ويؤكد‭ ‬نجاحها‭ ‬فى‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬يثق‭ ‬بنظرياته‭ ‬رغم‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬تتحدى‭ ‬المفاهيم‭ ‬القائمة‭ ‬لكنه‭ ‬نجح‭ ‬فى‭ ‬إقناع‭ ‬المجتمع‭ ‬العلمى‭ ‬بقبول‭ ‬أفكاره‭ ‬الثورية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬الثقة‭ ‬بالنفس‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬العوامل‭ ‬التى‭ ‬تسهم‭ ‬فى‭ ‬نجاح‭ ‬الفرد‭ ‬وتحقيق‭ ‬أهدافه،‭ ‬هى‭ ‬تلك‭ ‬القوة‭ ‬الداخلية‭ ‬التى‭ ‬تمنح‭ ‬الشخص‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬التحديات‭ ‬والمخاطر‭ ‬بثبات‭ ‬وإصرار‭ ‬وليس‭ ‬نموذج‭ ‬أينشتاين‭ ‬الوحيد‭ ‬فهناك‭ ‬أمثلة‭ ‬كثيرة‭ ‬على‭ ‬قوة‭ ‬الثقة‭ ‬بالنفس‭ ‬ومنهم‭ ‬توماس‭ ‬إديسون،‭ ‬المخترع‭ ‬الأمريكى‭ ‬الشهير،‭ ‬الذى‭ ‬يعتبر‭ ‬مثالا‭ ‬حيا‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬الثقة‭ ‬بالنفس،‭ ‬حيث‭ ‬فشل‭ ‬فى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ألف‭ ‬محاولة‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتمكن‭ ‬من‭ ‬اختراع‭ ‬المصباح‭ ‬الكهربائى‭ ‬وعندما‭ ‬سئل‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الإخفاقات،‭ ‬قال‭: ‬‮«‬لم‭ ‬أفشل‭.. ‬لقد‭ ‬وجدت‭ ‬ألف‭ ‬طريقة‭ ‬لا‭ ‬تعمل»‬‭.‬

ومن‭ ‬إديسون‭ ‬وأينشتاين‭ ‬إلى‭ ‬باكستان‭ ‬التى‭ ‬نشأت‭ ‬فيها‭ ‬مالالا‭ ‬يوسفزاي،‭ ‬الناشطة‭ ‬الباكستانية‭ ‬الحائزة‭ ‬على‭ ‬جائزة‭ ‬نوبل‭ ‬للسلام،‭ ‬وهى‭ ‬مثال‭ ‬آخر‭ ‬على‭ ‬الثقة‭ ‬بالنفس،‭ ‬فبرغم‭ ‬التهديدات‭ ‬والهجوم‭ ‬التى‭ ‬تعرضت‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬طالبان‭ ‬بسبب‭ ‬دفاعها‭ ‬عن‭ ‬حق‭ ‬الفتيات‭ ‬فى‭ ‬التعليم،‭ ‬لم‭ ‬تتراجع‭ ‬مالالا‭ ‬عن‭ ‬موقفها‭ ‬بل‭ ‬بالعكس،‭ ‬استمرت‭ ‬فى‭ ‬نشر‭ ‬رسالتها‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم،‭ ‬ووقفت‭ ‬بثقة‭ ‬فى‭ ‬وجه‭ ‬الظلم‭ ‬والنضال‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حقوق‭ ‬الفتيات‭ ‬فى‭ ‬التعليم‭.‬

أما‭ ‬جيه‭ ‬كيه‭ ‬رولينج،‭ ‬مؤلفة‭ ‬سلسلة‭ ‬‮«‬هارى‭ ‬بوتر‮»‬،‭ ‬فقد‭ ‬واجهت‭ ‬كذلك‭ ‬رفضا‭ ‬من‭ ‬عدة‭ ‬دور‭ ‬نشر‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تحقق‭ ‬النجاح،‭ ‬بعد‭ ‬طلاقها‭ ‬وعيشها‭ ‬فى‭ ‬ظروف‭ ‬مالية‭ ‬صعبة،‭ ‬لم‭ ‬تفقد‭ ‬رولينج‭ ‬ثقتها‭ ‬بنفسها‭ ‬أو‭ ‬بقدرتها‭ ‬على‭ ‬الكتابة،‭ ‬واصلت‭ ‬الإيمان‭ ‬بقصة‭ ‬هارى‭ ‬بوتر،‭ ‬حتى‭ ‬نجحت‭ ‬فى‭ ‬النهاية‭ ‬وأصبحت‭ ‬من‭ ‬أشهر‭ ‬الكاتبات‭ ‬فى‭ ‬العالم،‭ ‬مع‭ ‬بيع‭ ‬ملايين‭ ‬النسخ‭ ‬من‭ ‬كتبها‭ ‬وتحويلها‭ ‬إلى‭ ‬أفلام‭ ‬شهيرة‭.‬

الأكثر قراءة