تصوير: بسام الزغبي
اكتسبت الشابة فرح الديباني شهرة كبيرة كميزو سوبرانو غنت على مسارح أشهر دور الأوبرا العالمية، واختيرت ضمن قائمة "بي بي سي" لمئة امرأة ملهمة ومؤثرة، نشأت في عائلة عاشقة للموسيقى، درست في المدرسة الألمانية بالإسكندرية، وأول من اكتشف صوتها الأوبرالي مُدرس الموسيقى الألماني، تدربت على يد الدكتورة نيفين علوبة، نجمة الأوبرا التي أهلتها للسفر إلى ألمانيا، كما التحقت بأوبرا باريس عام .2016
فرح أول عربية تفوز بجائزة أفضل مغنية أوبرا شابة، من أوبرا باريس، نالت جائزة أفضل مغنية أوبرا شابة متفوقة على 800 متسابقة تنافسن على تلك الجائزة، كما حصلت على جائزة مؤسسة "فاجنر"، واختيرت من قِبل مجلة "عالم الأوبرا" في ألمانيا كأفضل موهبة أوبرالية شابة.
استضافتها الكاتبة الصحفية سوسن مراد رئيس تحرير مجلة "البيت ونصف الدنيا" في هذا الحوار.
بعد مسيرتك الطويلة في عالم الفن، ماذا تمثل البداية بالنسبة لك؟
لم تكن البدايات تشير بأي حال من الأحوال أو تنبئ بما وصلت إليه الآن من احتراف للغناء الأوبرالي، ولكن أستطيع أن أقول: إن البداية كانت من عند مدرس الموسيقى الألماني بالمدرسة الألمانية بالإسكندرية، عندما استمع إليَّ وأنا أغني كطفلة، فأخبرني وقتها أنني أمتلك صوتًا أوبراليًّا، على الرغم من أنني كنت أحترف ارياضة التنس وأدرس باليه وبيانو كونسرفتوار، وكنت أهتم بالموسيقى الكلاسيكية عامة، ولكن لم تكن لدي فكرة أن يكون الفن مجال عملي، ولم يكن في ذهني إطلاقًا موضوع الأوبرا، ومنذ هذه اللحظة وُلد داخلي حلم الأوبرا، وأخذت أعطيه كل اهتمامي من دون أن أدري إلى أين سيوصلني هذا الطريق، وبدأت في أخذ دروس في الغناء الأوبرالي وورش عمل داخل مصر وخارجها، وبدأت الاشتراك في مسابقات الغناء والموسيقى الكلاسيكية في ألمانيا، ومسابقات تتبع المدارس الألمانية في البحر المتوسط، وأنا بطبيعتي أحب إذا عملت شيئًا أن أتقنه، فتحول الأمر من مجرد هواية إلى الاحتراف، وذهبت إلى ألمانيا لأدرس الأوبرا في واحدة من أفضل الجامعات لدراستها هناك، ثم حصلت على البكالوريوس، ثم الماجستير، وفي الوقت نفسه انتهيت من دراسة الهندسة المعمارية، التي كنت قد بدأتها في مصر، وتخرجت في جامعة برلين للهندسة المعمارية، التي أثرت في تفكيري وشخصيتي، وفي طريقة تعاملي مع المواقف.
أعطاك الفن التميز والشهرة.. فماذا أخذ منك؟
الفن أعطاني الكثير، ولكنه في الوقت نفسه أخذ مني راحة الأعصاب، وسرق سنوات طويلة من عمري، خصوصًا حياتي الشخصية، كما أخذ الفن مني وقتًا ومجهودًا كبيرين، فالمغني الأوبرالي مثله مثل الرياضي المحترف؛ لابد أن يعمل كل شيء بحساب؛ ينام جيدًا، ولا يتكلم كثيرًا، ولابد أن يحافظ على صحته من أي مرض، ويهتم بالغذاء الجيد، بالإضافة إلى الاهتمام بالصحة النفسية، لأن هذا المجال به منافسة شديدة.
هل تعتقدين أنك أضفتِ إلى الفن الأوبرالي في مصر؟
أتمنى أن أكون قد أضفت إلى الفن الأوبرالي في مصر، خصوصا الأجيال الصاعدة من الأطفال؛ ليعرفوا ما الأوبرا والغناء الأوبرالي، وأتمنى أن أكون قد أضفت إلى الأجيال الصاعدة شيئًا صحيحًا عن الفن الأوبرالي، وكلي أمل أن أكون قد نجحت في تعريف الشعب العربي، والمصري خصوصا بالفن الأوبرالي، فأنا حريصة على التبادل الثقافي من خلال الفن والتقريب بين الشرق والغرب من خلال الغناء والفن.
النجاح غالبًا ما يولد الأعداء، وهناك مقولة شهيرة تقول: "إذا جاءتك ضربة من خلفك، فاعلم تمامًا أنك في المقدمة" فما نصيبك من تلك الضربات؟
للأسف حوربتُ من أشخاص قريبين مني، ولو كانوا غرباء لكان ذلك هينًا، أنا لا أؤمن بالمنافسة في الفن، فكل إنسان في الفن فريد من نوعه وله بصمة تميزه عن الآخرين، فليس هناك مجال للحرب والمنافسة، فلا صوت ولا موهبة يقارنان بغيرهما، والفن يسع الجميع، بخلاف الرياضة التي تقوم أصلا على المنافسة، فالرياضة تقوم على المكسب والخسارة، وهناك فائز وخاسر، وصراع مستمر على المراكز الأولى، وأعلم جيدًا أن هدف تلك الضربات هو أن أتوقف عن النجاح، وأقول لكل ناجح وموهوب: عليك أن تستمر في طريقك.
هل غيَّر الاحتراف في شخصيتك؟ وما القيمة التي تمسكت بها وحرصت على ألا تتغير؟
تتغيَّر الشخصية مع مرور الوقت والتجارب والمواقف، أما القيمة أو الصفة التي لم تتغير، وما زلت أتمسك بها، وأحرص على ألا تتغير فهي أن أكون على طبيعتي كما أنا دائمًا، أن أكون فرح الديباني من دون تصنُّع، وهناك من يقدر هذه الطبيعة ويحترمها، ولكن أحيانًا يحتاج الإنسان إلى أن يهندم تصرفه ويُؤقلم مع المكان والزمان والناس.
هل التمرد وكسر القواعد موجودان في شخصيتك؟
أحيانا أكسر القواعد، وأحب أن أضع قواعد جديدة، لأنه ليست كل القواعد الموجودة صحيحة، كما أنني أكره النمطية والأشياء المعتادة.
تكريم الرئيس عبدالفتاح السيسي، واختيار فرنسا لك لغناء نشيدها الوطني بعد الانتخابات الرئاسية حدثان حولا اسم فرح الديباني إلى أيقونة يحلم بها كثير من الشباب ماذا تقولين عن ذلك؟
لقد حصلت على جوائز كثيرة في الغناء من داخل مصر وخارجها، ولكن هاتين المحطتين اللتين أشرت إليهما أهم حدثين حصلا لي في تاريخي الفني، فتكريم الرئيس السيسي لي أمر غير عادي، فلم يحدث من قبل أن كرم الرئيس "مغني أوبرالي" في مصر، وبعد تكريمي في فرنسا من أوبرا باريس، بدأت الأنظار تتجه إليّ من مصر والوطن العربي، فتوقعت أن تُعرِّف بى وسائل الإعلام في مصر والوطن العربي، ولكن لم أكن أتخيل أو أحلم بأن يكرمني الرئيس شخصيًّا في مؤتمر الشباب، التكريم من بلدي يختلف تمامًا عن أي تكريم آخر، فأنا أفخر بأنني مصرية إسكندرانية، وهذا الفخر يلقى إعجاب الكثير من داخل مصر وخارجها.
أما تكريم الرئيس الفرنسي ماكرون لي، فهو أمر متفرد، كنت مغنية أوبرا مصرية عادية في باريس، واختياري لغناء النشيد الوطني الفرنسي ألقى عليَّ مسئولية كبيرة في غنائه من دون أن أخطئ فيه ولو خطأ صغيرا، فليس هناك مجال للخطأ إطلاقًا، والحمد لله حالفني التوفيق.
تعرضنا جميعًا لاختبار قيمي كبير منذ الاعتداء الوحشي على غزة وأهلها، والذي ما زال مستمرًا، ما القضايا التي تبنيتها قبل مأساة غزة وبعدها؟
منذ تكريم الرئيس السيسي لي، بدأت أدخل في مشروعات مختلفة مع منظمات عالمية مثل منظمة اللاجئين الدولية واليونسكو واليونسيف، فأنا أؤمن بأن الإنسان إذا وضعه الله في مكانة متميزة، فواجب عليه أن يساعد ويدعم القضايا التي تحتاج إلى المساعدة والدعم، ولقد وفقني الله في دعم الكثير من القضايا، وشاركت في مشروعين، أحدهما مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو"، حيث اشتركت مع ملحن هندي في أغنية تتحدث عن الحفاظ على البيئة ونشر الوعي عن المشكلات البيئة ومفهوم الاستدامة، وكانت موجهة للأطفال، وعرضنا هذه الأغنية في مقر اليونسكو الرئيس في باريس.
أما المشروع الثاني، فكان مع منظمة الصحة العالمية حيث غنيت في مقر الأمم المتحدة في جنيف، في الاحتفال السنوي لجمع تبرعات لمن يحتاجون إلى المساعدة.
أرى أن الجيل الجديد من الشباب على رأس أولوياتك، فما وسيلتك في التواصل معهم لنقل خبراتك إليهم؟
من المهم أن يشعر الشباب بأن هذا الفن قريب منهم، وهو فن موجه إلى الشباب قبل كبار السن، وأنني مثال لهم، فهذا كفيل بأن يقرب الشباب، الذي يهتم كثيرًا بالموضة والفساتين والفاشون، والآن أنا أعد لحفل في مكتبة الإسكندرية احتفالا بمرور 140 سنة على إنشاء مدرستي الألمانية بالإسكندرية، طلبت من المدرسة كورال الأطفال والكبار من سن 10 إلى 18 سنة للمشاركة معي في حفل مكتبة الإسكندرية، فكانت سعادتهم لا توصف وهم يشاركون في احتفال كبير ومهم بمكتبة الإسكندرية، ويريدون أن يعرفوا كل كبيرة وصغيرة عن الفن الأوبرالي ودراسة الأوبرا والموسيقى الكلاسيكية بشكل عام، فأسعدني كثيرًا فضولهم وأسئلتهم عن هذا الفن، وهذا ما شجعني على عمل أول ورشة في مصر، وعلى الرغم من أنني نظمت أكثر من ورشة خارج مصر، ولكن سعادتي بهذه الورشة كانت لا تقارن مع أي ورشة أخرى خارج مصر، كما يتم تنظيم ورشة عمل على مسرح القاعة الشرقية التاريخي بالجامعة الأمريكية.
ما الكلمة التي تحب فرح الديباني أن توجهها لبنات جيلها؟
أنصح كل فتاة بأن تبحث عن موهبتها التي تجيدها وتحبها، وأن تشتغل على نفسها بتركيز، والتدرب نفسيًّا على التعامل مع الضغوط الموجودة في الحياة، ومع الاستمرارية ستحققين ذاتك.
ختامًا لهذا الحوار نؤكد أننا سنتابع مسيرتك الثرية، وفخورون بك، وسعداء بهذا الحوار لأول مرة مع الكاميرا، وأبشرك بأن نسبة كبيرة من جيلنا يمتلكون كثيرًا من الوعي بأن قضيتنا واحدة ونجاحنا واحد، وننتظر "هي للفنون" في نسخته الرابعة.