كان تعبير «قصة ولاّ مناظر» أدق تعبير للعامة عن مهرجانات السينما، لأهميتها لهم لما بها من أفلام حديثة، ومتنوعة وتعبر عن مختلف ثقافات العالم، وفى الوطن العربي أكثر من مئة مهرجان سينمائي يتربع المغـرب على قائمة أكـثر الدول، إذ بها أكثر مـن 50 مهرجانا للفيلم الروائي والقصير وغيرهما.
تواجه مهرجانات السينما العربية أزمات تُهدد دائمًا استمرارها، فمنذ أن عرف العالم العربي المهرجانات مع أيام قرطاج السينمائية الذى بدأ كفكرة فى تونس عام 1966 ليقام كل سنتين خلال شهر أكتوبر، ثم يقام سنويا، وتلاه مباشرة مهرجان القاهرة السينمائي ثاني مهرجان دولى للسينما والمصنف حاليا ضمن أهم 15 مهرجانا فى العالم فئة «أ»، وتوالت المهرجانات فى العالم العربي، لكنها لا تشهد استقرارا فمنها ما ألغي بأسباب، ومن دون أسباب، وما توقف بسبب الحروب والثورات، وما أنهك بسبب الأزمات المالية ومازال يترنح، وما يتم دعمه من قبل هيئات رسمية أو مؤسسات لرجال أعمال.
خمسة مهرجانات عربية تفرض نفسها حاليًا على الساحة، منها ما أصبح ماركة مسجلة عالمية لينافس القاهرة وقرطاج ومراكش، ومنها ما يتعثر وتقام دوراته كل عام على استحياء كأنها حفلات خاصة.
كانت تونس منارة المهرجانات بأيام قرطاج السينمائية، فمنذ أن تأسست عام 1966 ببادرة من الطاهر شريعة، وتشرف عليها لجنة يرأسها وزير الثقافة وتتكون من مختصين في القطاع السينمائي، ولا تقتصر على السينما فقط بل المسرح والشعر والموسيقى كلها تحمل اسم أيام أيضا، وقد واجه أزمات عدة تارة بسبب كورونا، وأخرى بسبب حرب غزة، كما حدث العام الماضى، حيث قرار إلغاء الدورة الرابعة والثلاثين من أيام قرطاج السينمائية قبل أيام من انطلاقها، وهو ما واجهته مهرجانات عدة بالمنطقة منها القاهرة السينمائي حيث ألغيت الدورة الخامسة والأربعون فى العام الماضي.
أزمات مالية تهدد القاهرة السينمائي
بعد أيام من قرار إلغاء الدورة الخامسة والأربعين والذى قيل حينها إنه بسبب الحرب على غزة، كشفت مصادر مقربة من وزيرة الثقافة آنذاك الدكتورة نيفين الكيلاني عن أن السبب لم يكن فقط التضامن مع غزة، بل لأن رئيس المهرجان حسين فهمي لم يوافق على الميزانية المخصصة للدورة الخامسة والأربعين والتى لم تكن تكفى لشراء أفلام وحجوزات طيران وفنادق، ناهيك عن خلافات مع مدير المهرجان آنذاك المخرج أمير رمسيس الذى ترك المهمة. المهرجان منذ أن تقلد رئاسته الكاتب الكبير سعد الدين وهبة بأهمية عربية وعالمية أيضا، وله جمهوره الذى يبحث عنه وينتظره لأهمية أفلامه ونجومه، وكان ملتقى لشباب مصر المحبين للسينما حتى عرف بأنه فرصة لهم لمتابعة الأفلام من دون الرقابة، وليس أدل على ذلك من تعبير عادل إمام عنه فى فيلمه «المنسي» من خلال المشهد الشهير الذى جمعه بأحمد آدم ومحمد هنيدى، وعلاء ولي الدين.
يعود هذا العام القاهرة السينمائي بقوة فى الفترة من 13 إلى 22 من نوفمبر، محاولا رئيسه حسين فهمى مع مديره الجديد عصام زكريا تجاوز أزمات العام الماضي ولكن بالأسماء نفسها المعلنة فى التكريمات السابقة، المخرج يسرى نصرالله والنجم أحمد عز.
الجونة واجه المصير نفسه
لم يكن مهرجان الجونة بعيدا عن مصير القاهرة، وهو الفكرة البراقة التى استلهمت منها مهرجانات أخرى بالمنطقة، حيث أنشئ فى عام 2017 ليقام فى منتجع سياحي هو مدينة الجونة، ويعد إحدى أهم التظاهرات السينمائية فى العالم العربي، برغم أنه ممول من مؤسسة ساويرس، ويرجع الفضل فى نجاحه خلال دوراته الماضية ليس فقط للدعم المالى ولكن لاستعانة أصحاب الشأن بأحد أهم المبرمجين فى السينما وهو انتشال التميمى الذى يتولى حاليا منصبا لوجيستيا، وأسندت مهمة الإدارة الفنية للمخرجة ماريان خوري، وقد واجه كغيره عثرات كانت سببا فى إلغاء الدورة السادسة وأقيمت العام الماضي فى ظروف لم تكن الأفضل، ويعود هذا العام ليقام فى الفترة من 24 من أكتوبر وحتى 1 من نوفمبر.
الإسكندرية لدول البحر المتوسط مواجها التحديات
قد يكون مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط الظاهرة اللافتة للنظر بين كل تلك المهرجانات، إذ يحظى بحالة استقرار حيث يصر القائمون عليه برئاسة الناقد الأمير أباظة على أن يقام برغم كل الظروف، حتى فى ظل أزمة الإخوان أقيم وبحضور كبار النجوم، وبرغم كورونا، والأزمات المالية يحاول البقاء والاستمرار، لحرص جمعية كتاب ونقاد السينما على ألا يسقط من تاريخه على الأقل الحديث دورة واحدة، فقط بدأ المهرجان من خلال مؤسس المهرجانات المصرية كمال الملاخ فى عام 1979، وتقام دورته الأربعون فى الأول من شهر أكتوبر المقبل، تحت عنوان الرومانسية، ويحتفى بالنجمة منة شلبي، وأعلن عن بوستره ويحمل صورة النجمة هند رستم.
مهرجان البحر الأحمر.. الأقوى خليجيًا
عرفت الساحة الخليجية المهرجانات السينمائية متأخرة، لظروف ترتبط بالعادات والتقاليد فلم تكن بها دور سينما، ومع انطلاقة شرارة مهرجان دبي السينمائي فى 2004 تحت شعار ملتقى الثقافات والإبداع، حدث ما يشبه العدوى الحميدة فبدأت دول عربية تفكر فى المهرجانات وبخاصة بعد أن أصبح مهرجان دبي السينمائي قبل أن يموت بالسكتة القلبية واحدا من أهم ملتقيات السينمائيين فى العالم وليس دبي فقط، وانتهت التجربة بالموت المفاجئ فى عام 2018 بعد 14 دورة ناجحة، وخرجت الإمارات من المنافسات فى مجال المهرجانات بعد إلغاء مهرجانين مهمين هما أبوظبي الذى أسس فى عام 2007، ولم يستمر طويلا، وتبع إلغاؤه توقف أهم تظاهرة عربية آنذاك وهي مهرجان دبي السينمائي..
جاءت إقامة مهرجان البحر الأحمر السينمائي فى عام 2020، وكان لدورته الأولى التى أقيمت فى مدينة جدة القديمة صدى كبير، انتقل بعدها مقره إلى أحد الفنادق الكبرى، لكنه يعود هذا العام مرة أخرى لموقعه الأول جدة القديمة بعد تحديثات، وتغيير فى هيكله الإدارى حيث كُلِّفَ محمد عسيري بمهام الرئيس التنفيذي وتعيين محمد التركي مستشارا لمؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي.
ويعد مهرجان البحر الأحمر حاليا الأهم خليجيا، حيث يحظى باهتمام عالمي وحضور سينمائي كبير لنجوم وصناع السينما العرب والعالميين.
وتقام الدورة الرابعة من مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي في الفترة من 5 إلى 14 من ديسمبر 2024.
أجيال وترايبكا وقمرة أحلام سينمائية متأرجحة
تعد الدوحة من أهم المدن الداعمة للسينما من خلال صناديق الدعم، شهدت المهرجانات السينمائية مبكرا بمهرجان ترايبكا، ولم يستمر طويلا، واستبدلت الفكرة بأجيال السينمائي وهو مخصص لفئات عمرية أصغر سنا لكنه يحتفى بأعمال الكبار، وفى الوقت نفسه يقام ما يشبه المهرجان الأكاديمى وهو «قمرة» فيه يلتقى شباب محب للسينما بالخبراء فى كل المجالات.. لكن يظل أجيال الذى تعثر أيضا لأسباب تعثر بعض المهرجانات العربية نفسها «حرب غزة» ويعود هذا العام، إذ يحتفل بدورته الثانية عشرة هذا العام، خلال الفترة من 16 إلى 23 نوفمبر، على مدار 8 أيام حافلة بالفعاليات والعروض.
دمشق حلم مات كمدا
ظل مهرجان دمشق السينمائي منافسا قويا لجميع المهرجانات العربية، وله خصوصية، ويصنف كأول مهرجان عربي، قبل أيام قرطاج، حيث أسس فى عام 1956 وكان علامة بارزة للسينما فى سوريا، حتى مات كمدا وهو التعبير الأدق لما حدث له، حيث توقف فى عام 2012 مع الحرب هناك، وحاول بعض وزراء الثقافة ومنهم الوزير السابق محمد الأحمد إعادته مرة أخرى لكن الوضع فى سوريا لم يسمح، وجرت محاولات لإقامة مهرجان لسينما الشباب ومازال يقام ولكن ليس بالروح نفسها التى كان بها دمشق العريق.
مهرجانات مصرية تجتهد فى السباق
توجد فى مصر عدة مهرجانات سينمائية منها الأقصر للسينما الأفريقية، وله خصوصيته ويقام فى مدينة الأقصر، وتقام الدورة الرابعة عشرة يوم 9 من يناير وتستمر حتى يوم 14 من يناير 2025 والرئيس الشرفي للدورة المقبلة النجم الكبير محمود حميدة. ومهرجان أسوان لأفلام المرأة وتقام الدورة التاسعة منه فى أبريل من عام 2025، ومهرجان الغردقة لسينما الشباب فى الفترة من 19 حتى 25 من سبتمبر المقبل، ومهرجان الإسكندرية للفيلم القصير، وعدد آخر من المهرجانات التى تقام بين القاهرة والأقاليم.
تعد المهرجانات السينمائية فى العالم العربي برغم ما تواجهه من أزمات من أهم نوافذ ودعم صناعة السينما فى العالم العربي لكنها قد تتوقف وهي فى أوجها كما حدث فى مهرجان وهران السينمائي بالجزائر، أو تواجه الإلغاء، أو تعاني الدعم لأن ميزانيات وزارات الثقافة لا تكفي فى بعض الدول لرعايتها، أو تواجه الحروب والثورات كما هو الحال فى لبنان، أو ليبيا، أو سوريا.
وتوجد مهرجانات محدودة كما هو الحال فى العراق، وعمان، والأردن، مهرجانات تقام على استحياء وبأفلام لا ترقى للمنافسة العالمية. والمغرب التى تحظى بعدد كبير من المهرجانات السينمائية منها الرباط لسينما المؤلف، وسلا لأفلام المرأة، والدار البيضاء، لكن يظل مهرجان مراكش عمدة مهرجانات دول شمال أفريقيا، وستُقام دورته المقبلة في الفترة ما بين 29 من نوفمبر و7 من ديسمبر.