الاضطراب النفسي نمط سيكولوجي أو سلوكي ينتج عن الشعور بالضيق أو العجز الذي يصيب الفرد، ويؤثر على أدائه، ومشاعره، وأفكاره، وسلوكياته، كما أنه يعوق قدرة الشخص على القيام بالمهام اليومية، وعلاقاته الاجتماعية والوظيفية، الدراسات أكدت أن أكثر من ثلث سكان دول العالم تعرضوا للإصابة بإحدى الفئات الرئيسية من الأمراض النفسية في مرحلة ما من حياتهم بسبب كثير من الضغط النفسي والاجتماعي والاقتصادي، حيث إن الأمراض النفسية تنتج عن نقص مواد معينة في المخ تكون سببا للمرض، وقد ارتبط المرض النفسي في أذهان الناس بوصمة العار، حتى بدأ العلماء محاولة معرفته وتشخيصه في القرن الخامس عشر في أوروبا، وبعد ذلك أدركوا أنه مرض مثل بقية الأمراض العضوية.
وعن أهم الأمراض النفسية التي تصيب المواطن المصري وبخاصة النساء، ومتى يجب أن يذهب المريض إلى الطبيب، وثقافة المجتمع تجاه تلك القضية تتحدث مجلة نصف الدنيا مع استشاري الطب النفسي جمال فرويز في الحوار الآتي:
ـ هل الطب النفسي أصبح ضرورة أم هو رفاهية للإنسان؟
الطب النفسي يسهم في وصول الإنسان إلى السلام مع نفسه ومع المجتمع من حوله، كما يجعله فردا إيجابيا في المجتمع، وبخاصة إذا وصل المريض النفسي إلى مرحلة أنه غير قادر على أن يواصل حياته العملية أو الاجتماعية، حيث يصل بعض الناس إلى عدم القدرة على العمل والخوف من النزول من المنزل، فيعيده الطب النفسي إلى حياته السوية، ومن ثم أصبح اللجوء إلى الطب النفسي ضرورة وليس رفاهية.
ـ هل هناك فرق بين المريض النفسي والمريض العقلي؟
المريض النفسي هو الشخص الذي يأتي من تلقاء نفسه ليشتكي من ألمه ويبحث عن حل لمشكلته، على سبيل المثال، أنا عندي اكتئاب، أنا متضايق، لا أستطيع التركيز ، حياتي غير مستقرة، أو حركتي أصبحت ثقيلة، أو أصبحت فاقدا للشغف، أو لديّ اضطرابات في النوم أو الأكل، وغيرها من الأعراض التي يعاني منها، فنعطيه نحن الأطباء التشخيص والعلاج.
ومن هذه الأعراض والمشكلات التي يعاني منها الكثير من المرضي ويأتون إلينا بسببها زيادة الأفكار المكررة في عقولهم وقد تسيء إلى الثوابت بالنسبة إليهم، أو أن أحدهم موسوس في الوضوء، أو بدأ يخاف من النزول وأصبح لديه مخاوف من أن يقود سيارة أو يركب أسانسير وهكذا، وأصبح يعاني من أعراض جسمانية بصورة مبالغ فيها لا يعرف لها سببا، أو أنه مخنوق باستمرار أو يبكي باستمرار.
أما المريض العقلي فهو ليس مدركا، ولا يشعر بمرضه أصلا (كمرض فاقد الاستبصار)، وهذا مريض عقلي يشعر دائما بأن هناك ناسا يراقبونه أو يصورونه، أو يسمع أصواتا أو يشم روائح غريبة، ويشعر بأن هناك ناسا يتآمرون ضده، وطعم الأكل لديه يتغير، ويبدأ يعمل مشكلات مع الناس من حوله إحساسا منه بأنه يدافع عن نفسه، أو حالات أخرى كنوبات الهوس، وهو مرض عقلي يصيب صاحبه كأن يتوهم أنه رسول أو مهدي منتظر أو مليونير أو عالم كبير، فيجعل هذا المرض صاحبه لا ينام ويتحدث كثيرا كلاما غير مفهوم، فهذا مثلا لن يعترف بمرضه أو يلجأ بنفسه إلى الطبيب، ولكن الأهل هم من يشعرون بتلك الأعراض ويذهبون به إلى الطبيب خوفا من أن يؤذي نفسه أو أهله من حوله.
ـ ما أهم التحديات التي تواجهك في العلاج النفسي؟
هناك عقبتان، الأولى أن المريض يأتي للعلاج متأخرا جدا بعد أن يكون استنفد كل السبل للعلاج بأي وسيلة أخرى، وبعد أن يكون لجأ إلى الصيادلة والشيوخ والقساوسة لمحاولات العلاج، وما ليس مفهوما لدى المجتمع أنه لا علاقة بين الدين والمرض النفسي، لأن المرض النفسي مرض عضوي في الجسم مثله كأي مرض آخر يحتاج إلى علاج نتيجة تغير في النواقل العصبية في المخ، واليوم هناك أنواع من أشعة الرنين المغناطيسي تشخص المرض النفسي، بالإضافة إلى أنواع من التحاليل، وكثيرا ما يقع المريض وأهله عرضة للنصب من الدجالين الذين يقنعونهم بأن ما يصيب أبناءهم هو مس أو عشق وهكذا، وأنهم محتاجون إلى الرقى الشرعية وأشياء أخرى فيها شعوذة، وهذا أمر مرفوض، وتأخر حالة المريض عند عرضه على الطبيب النفسي في النهاية يؤدي إلى جعل فرص الشفاء أصعب وأطول في الوقت عما إذا جاء مبكرا.
والتحدي الثاني ثقافة الأهالي أنفسهم والمجتمع الرافض لفكرة ومسمى وتشخيص المرض النفسي، لذلك يلجأون إلى الشيوخ والقساوسة والدجالين والمشعوذين وغيرهم، بالإضافة إلى الإعلام والفن اللذين رسخا هذه الثقافة عند الناس، ورسما صورة للمريض النفسي بأنه مجنون ليس له علاج، وبخاصة أن الطب النفسي لا يوجد به كلمة "مجنون" وهي الكلمة التي لصقت بالمريض النفسي ، فكلنا نعاني من اضطرابات نفسية من وقت لآخر.
ـ ما أكثر الأمراض النفسية التي تواجهها يوميا.. وما الأخطر بينها؟
أكثر الأمراض النفسية التي نقابلها يوميا (الاكتئاب، والوسواس القهري، والفصام) والأخير الأكثر خطورة، لأن مريض الاكتئاب علي سبيل المثال يمكن أن يؤذي نفسه أو عائلته إذا لم يبدأ في مرحلة العلاج، وفي أقصى الأحوال ينتحر، والوسواس القهري تتوقف حياة صاحبه بسبب المرض أيا كانت وظيفته، أما مرض الفصام فينتشر بسبب تناول المخدرات، ويسبب عدم الإدراك وتكثر الجرائم من أصحابه تجاه المجتمع من حولهم، وهناك أيضا انتشار لمرضَيْ (الهوس، والرهاب).
ـ أيهما الأكثر عرضة للمرض النفسي المرأة أم الرجل؟
السيدات أكثر عرضة للمرض النفسي بسبب الاضطرابات الهرمونية التي تصحب الدورية الشهرية، وهناك أمراض نفسية لا تأتي إلا للنساء وهي (اكتئاب ما قبل الدورة الشهرية، واكتئاب الحمل، واكتئاب ما بعد الحمل)، والاكتئاب الوجداني يأتي أكثر للنساء بسبب الاضطرابات الهرمونية لديهن.
وتلك الاضطرابات تؤثر على نسبة مادتي السيروتونين والدوبامين المسئولتين عن هرمون السعادة في الجسم، كما يزداد لدى النساء نسبة الاكتئاب واضطرابات ما بعد الطمث، والاكتئاب الوجداني واكتئاب بعد التقاعد، حيث إن كل أنواع الاكتئاب تكون النساء أكثر عرضة لها.
وأيضا هناك أدوية تأخذها النساء تسبب لهن الاكتئاب ومنها حبوب منع الحمل نتيجة أنها تلعب في هرمونات الجسم، وتغير من النواقل العصيبة بالعقل، وبالمناسبة الرجال يتعرضون أحيانا لاكتئاب ما بعد ولادة زوجاتهم بسبب إحساسهم بالمسئولية، واضطرابات النوم مع وجود رضيع يبكي باستمرار وهكذا.
ـ كيف تقيم المجتمع الآن وتشخص أهم مشكلاته التي تتسبب في المرض النفسي هل هي المشكلات المادية أم الاجتماعية؟
المجتمع حاليا أصبح في مرحلة تخبط ثقافي واجتماعي، لأنه مشتت بين الثقافات المختلفة، برغم أن المصريين لديهم ثقافة أصيلة ثابتة يجب التمسك بها، وهي ثقافة الأنهار و الخير والنمو والعطاء، ولكن مع امتزاجها بالثقافات الصحراوية ووجود تعارض كبير بينهما، ومع زيادة الازدواجية الدينية وانهيار القيم، فضلا عن الانهيار السلوكي وزيادة نسبة الخلل في المجتمع، وانهيار قيمة العلم، وتراجع دور البيت والمدرسة والمسجد والكنيسة في حياة الشباب والأطفال، وانتشار دور وسائل التواصل الاجتماعي السلبي في نشر قيم غريبة وشاذة عن مجتمعنا، كان كل هذا سببا في انتشار الأمراض والخلل النفسي لدى الشباب ليس في مصر فقط بل في العالم كله.
آخر إحصائية لمنظمة الصحة العالمية تؤكد أن المرض النفسي زاد بنسبة تتعدى ال25 % على مستوى العالم على معدله الطبيعي في السنوات الأخيرة.
وأرى أن المشكلات الاجتماعية والأخلاقية هي السبب في زيادة نسبة المرض النفسي، وليست المشكلات الاقتصادية كما يعتقد البعض، لأنها ليست السبب الأهم لهذ الخلل الإنساني، لأننا على سبيل المثال في مصر لو قارنا مشكلاتنا الاقتصادية اليوم بالمشكلات الاقتصادية في السبعينيات سنجد الأخيرة كانت أكثر وأصعب، ولكن وقتها، كان الناس متفهمين للوضع والظروف.
وما نحتاجه اليوم هو عودة الأخلاق والقيم الأصيلة للمصريين، وزيادة ثقافة المجتمع ووعيه بأهمية وضرورة وجود الطب النفسي مثله مثل الطب العضوي تماما.