تصوير.. محمد السهيتي
د. فجر خميس عبد الجواد أول سيدة تتولى منصب القائم بأعمال رئيس المركز القومي للبحوث، وهي عميد معهد بحوث البيئة والتغيرات المناخية بالمركز، تسعى إلى العالمية بنتائج الأبحاث المصرية.. هي زوجة تقدس حياتها الأسرية، وأم لثلاثة أبناء، قدمت لنا وصفة سحرية لكل سيدة مصرية، وكشفت لنا عن كيفية صناعة النجاح والاستمتاع بالحياة، شعارها ابحث .. تعلم.. تكن قياديًا.
كيف تم اختيارك لقيادة أكبر قلعة علمية في الوطن العربي؟
لم أتوقع اختياري لقيادة مركز البحوث بشكل مؤكد، والمقابلات في لجنة الاختيار كانت قوية، وترأسها أساتذة رؤساء لجامعات كبرى، وثلاثة من رؤساء المركز السابقين، وتضمنت نقاشات علمية، وتفاصيل إدارية في وقت محدد للإجابة هو 15 دقيقة، وبفضل الله اجتزتها في أقل من الوقت المحدد، لكن البعض كان يستنكر فكرة تولي سيدة قيادة مركز البحوث، وهو ما جعلني أشك في اختياري للقيادة، لكن معيار الكفاءة كان أساس الاختيار، مع رؤية اللجنة للسمات الشخصية للمرشحين والخبرة الإدارية.
ما سر نجاحك طوال مشوارك العلمي؟
أولا الثقة بالله، وتحديد الهدف ثم الاجتهاد والعمل على تحقيقه، ودعم عائلتي، فهم السند الحقيقي في حياتي، وبرغم وفاة والدي في طفولتي فإن أمي رحمها الله كانت سر نجاحي، فكانت مديرة مدرسة وتربوية من طراز فريد، تعلمت منها الإصرار على النجاح والصبر وتحمل المسئولية، لأنني الابنة الكبرى، ولي أخ أصغر، فكنت من أوائل مدرسة الراهبات الفرنسية بالإسكندرية في المراحل الثلاث، وكان لمدرستي أيضا دور في تفوقي، وأمي كانت المشجع والداعم لي طوال حياتي، إلى أن التحقت بكلية الزراعة جامعة الإسكندرية بمجموع 90%، وكان وقتها مجموعا عاليا، وكنت الطالبة المثالية في الكلية، كذلك زوجي كان داعما لي، حتى زملائي علاقتي الطيبة بهم جعلتهم متعاونين في تقسيم العمل فيما بيننا، بما يوفر وقتي لأبنائي الثلاثة ولدين وبنت، وبفضل الله تخرجوا من الجامعة حاليا، أسرتي عندي لها الأولوية في حياتي، ولابد أن أوفر الوقت لأكون معهم يوميا، لذا أبذل مجهودا مضاعفا للتوفيق بين رعاية أسرتي وواجبات عملي.
ماذا فعلت للتوفيق بين أعباء الأسرة والتزامات العمل؟
نظمت وقتي، يبدأ يومي من الساعة الخامسة فجرا، لإعداد طعام الإفطار والغداء لأسرتي حتى يكون جاهزا عند عودتهم ظهرا، لأننا جميعا لا نأكل من خارج المنزل، ثم أتوجه إلى عملي في موعدي الصباحي المعتاد، وأعود لأذاكر لأبنائي في البيت ساعتين، وساعة نخصصها للتحدث واللعب معا قبل نومهم مبكرا، عدد ساعات نومي لا يتجاوز خمس ساعات، وأمي ساعدتني في رعاية أبنائي لأحصل على الماجستير والدكتوراة في فترات سفري، وبعد وفاتها كان أبنائي قد كبروا ووصلوا إلى مرحلة يعتمدون فيها على أنفسهم، لأنني علمتهم تحمل المسئولية منذ صغرهم كما علمتني أمي، وأحرص على تفرغي في عطلة نهاية الأسبوع للخروج مع أسرتي، حفاظا على ترابط الأسرة وصحة الأبناء النفسية، مما جعل علاقتي بأبنائي علاقة صداقة، ويشجعونني دائما، فهم وراء تقدمي للترشح لمنصب رئيس المركز القومي للبحوث، لأنهم يرون أنني أستحق المنصب لشغفي المستمر بالبحث العلمي، أما زملائي في معهد بحوث البيئة والتغيرات المناخية الذي أتولى عمادته حاليا، وهو أحد الأربعة عشر معهدا في مركز البحوث، فنتعامل جميعا بروح الأسرة، ونتعاون معا في كل شيء.
هل يرجع توفير هذه البيئة في العمل إلى القائد؟
فعلا رئيس المركز استطاع خلق هذه الروح بيننا، وكان حينذاك د. هاني الناظر - رحمه الله - هو من اختارني ضمن مجموعة القيادات في المركز، وكنت أول باحثة تحصل على مشروع بقيمة مليونين ونصف المليون جنيه من وزارة التعاون الدولي، رغم حصولي على الدكتوراة قبلها بشهرين فقط، وهو منحة مقدمة من الولايات المتحدة الأمريكية، وكل المتقدمين كانوا فوق سن الستين، وأنا ما زلت في أوائل الثلاثينيات، فهنأني وخصص لي معملا لأبدأ عملي فيه، كان حريصا على خلق صف ثان من الباحثين ويشجعهم، ثم أضاف لي د. أشرف شعلان فرصة اكتساب خبرة الإدارة، وسمح لي بالانضمام إلى برنامج تنمية المهارات القيادية بالولايات المتحدة الأمريكية، واجتزته بالفعل واستفدت منه جدا، وتكرر سفري كثيرا، وبعد دراستي الجودةَ عام 2014 عرضت على رئيس المركز د. أشرف شعلان إنشاء إدارة في المركز للجودة فوافق، لكن اشترط أن يتم التنفيذ خلال عام واحد ومن دون أجر، فكان تكوين مجموعة عمل من دون أجر تحديا كبيرا، لكن نجحت.
كيف نجحت في تكوين فريق عمل من دون أجر؟
بالحوار الإنساني مع الجميع من دون تفرقة، والشكر دائما لكل المتعاونين من العمال والإداريين والزملاء الباحثين الصغار والكبار، لأن التقدير المعنوي والتواصل الإنساني البسيط أساس نجاح القائد مع فريق عمله، وهذا ما جعلني قادرة على التعاون مع وزارات مختلفة مثل التخطيط والبيئة والتعاون الدولي منذ مدة طويلة، لأنني شغوف بالتعلم في كل مجال، وعملي في إدارة الجودة جعلني أكتسب خبرات كثيرة في إدارة معاهد المركز كلها.
ما طموحاتك العلمية في المركز مستقبلا؟
أطمح أن أكون ذراعا بحثية للدولة في تحقيق الأهداف الإستراتيجية بمجالَيْ الصحة وتوفير الغذاء وغيرهما، من خلال منتجات المركز البحثية، والتعريف بمنتجاتنا على نطاق محلي ودولي، لنصبح كالدول الكبرى في إقناع المستثمرين بمنتجنا البحثي، وقد يكون منتجا واحدا من كل معهد في المركز، كذلك معالجة مياه البحر التي تهتم بها الدولة حاليا، فلدينا أساتذة يعملون في هذا المجال، وتواصلنا مع الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، وساعدتنا علي التواصل مع أحد رجال الصناعة، كذلك مجال إنتاج الأعلاف، وصناعة الأدوية، وبفضل الله حصلنا على تصاريح اعتماد عدد من منتجاتنا الدوائية، ونبدأ في التعاقد مع الشركات لإنتاجها وتوافرها في الأسواق، كما أطمح إلى تحويل مركزنا في مدينة 6 أكتوبر إلى مركز تجاري للتكنولوجيا يتبع المركز القومي للبحوث، يتضمن الحاضنات التكنولوجية، ويقع بين المستثمرين فيكتسب ثقتهم، كما أسعى إلى أن نتعاون مع الخريجين بتطبيق مشروعات تخرجهم، فأحقق لهم دخلا بدلا من سفرهم بعد التخرج، وأحاول الاستفادة من خبرات الآخرين في التسويق لمنتجات المركز البحثية ليعرف بها رجال الصناعة، إضافة إلى التوسع في المشروعات التطبيقية المتكاملة في المحافظات لتوفير مصدر رزق لأهل القرى، ووصلنا حتى شلاتين، فأبحاث المركز كلها تتجه نحو سد احتياجات الدولة بالتركيز على التصنيع وغيره، وأصبح بين كل المراكز البحثية تواصل وتكامل تحت إشراف د. محمد أيمن عاشور وزير التعليم العالي لتحقيق أقصى استفادة للمواطنين.
وماذا عن المستقبل؟
نخطط لمشروع جديد في الإسكندرية يوفر منتجا بحثيا تستعين به شركات البترول، لزيادة دخل المركز مع ضغط الإنفاق، ونحمد الله على أننا لدينا باحثون يعدون ثروة بشرية في الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا، وعلينا الاستفادة منهم في تأمين نتائج أبحاثنا، لذا نضع حاليا نظاما وقواعد لإنشاء برامج حماية متطورة، من خلال تشكيل لجان من علماء المركز، وأتوقع ظهور أثر مادي لتلك المجهودات بعد عام من إنشاء مركز أكتوبر الذي ذكرته، كما نخطط لتنظيم ورشة عمل للإعلاميين على مدار يومين حول كيفية التسويق لمنتجات المركز ونشر التعريف بما لدينا من مشروعات، لأن الإعلام له دور رئيسي في التسويق لمشروعاتنا البحثية واستفادة المواطنين منها.
كيف تتعاملين مع زملائك الرجال داخل المركز بصفتك القائد؟
بروح الأسرة، وكلهم متعاونون معي، لأنني كسبت ثقتهم خلال عملي معهم في الجودة، كما فرحت بتهنئة الزميلات لي، ومنهن قامات علمية كبيرة في المركز منذ إنشائه مثل د. شادية راغب، ود. سهير أبوالعلا، ود. فاطمة الجوهري الحاصلة على جائزة النيل من الدولة، وكذلك د. نبيل صالح رئيس المركز الأسبق، وكلهم أساتذة كبار وجدت منهم كل التأييد والدعم، ولم أتوقع فرحة كل العاملين بالمركز، كما سعدت بأن بداية عهدي تشهد حصول علماء المركز على أكبر عدد من جوائز الدولة عن عام 2023، وأتمنى أن يوفقني الله في مهمتي لخدمة الوطن.