الفن فى حد ذاته جمال، بمجرد أن تراه تشعر بكل لمسة وضعها الفنان للفت انتباهك وإثارة مشاعرك، وهو نفس ما يفعله مصمم الأزياء جورج حبيقة عندما يقدم مجموعة جديدة من الأزياء مصدرا فنه وخبراته وبراعته فى نسخ جمالها.
«النظام الجديد» اسم مجموعة الهوت كوتور لخريف وشتاء 2025-2026، والتي تشكل تأملا في الجمال وسط عالم مضطرب، وتم تقديمها خلال أسبوع الهوت كوتور في باريس، حيث تكرم المجموعة رواد هذا المجال وتمضي قدما بتواضع، مرتكزة على التيار الخالد الذي يجمع بين رؤى الماضي والحاضر في السعي المشترك نحوالحقيقة، إنها قصيدة للجمال في مواجهة الفوضى، تستكشف معاني القوة والكرامة، وقد ضمت باقة من فساتين السهرة الفاخرة، التي امتازت بأقمشة راقية وقصات آسرة تعكس أسلوب المصمم المتفرّد، وتظهر هذه المجموعة المتسقة رغم تنوعها بصلابة لتؤكد أن الهوت كوتور فن خالد أكثر من كونه موضة متقلبة، حيث تألقت الأقمشة بالمجموعة في طبقات شفافة من الأورجانزا والتول والساتان، لتمنح إحساسًا بالحلم والنعومة والحرية، ومفعمة بنغمات بصرية هادفة، أما الحُلي فتحولت إلى عناصر تصميمية متعددة الأبعاد، انصهرت فيها اللآلئ لتنساب بترف ورقة، وهي الأدوات ذاتها التي امتاز بها حبيقة، بقدرته على المزج بين الحرفية التقليدية والرؤية الحديثة، ومع دخول العقد الثالث من إبداع الدار، يعود إلى جذور الأناقة ليمنح الحياة جمالًا غير حسي مستحضرًا الطاقة الكامنة في الموضة وتفاصيل كل تصميم في زمن يشهد تحولًا ونهضة.
تقنية الزخارف
راعى في تصميماته إظهار القلب الغنى للمجموعة، لأنه يجمع بين النقاء الهندسي لكورسيه بسيط ومشدود، والفخامة الزحرفية لتنورة منحوتة بزخارف ثلاثية الأبعاد، مما يرمز إلى التلاقى بين الطبيعة والعمارة، فالتطريزات تشبه الأزهار الملتفة أو زخارف الرخام المنحوتة، كما اعتمد على تطريز يدوى عالى الكثافة بخيوط معدنية فضية، وخرز لؤلؤى استغرق عشرات الساعات لكل قطعة، فالتطريز المكثف متداخل الطبقات يعطى إحساسا بالنحت، والعمق أشبه بحديقة منحوتة من الضوء.
بنى حبيقة المجموعة على فلسفة أن «الأزياء الراقية هي الفن المعمارى على جسد»، وهو غالبا ما يستلهم من الحدائق الكلاسيكية والفنون النحتية التي تزين القصور، وهو ما يظهر في بنية التنورة التي تشبه نقشا معماريا حيا أكثر منها مجرد قماش مطرز، كما استخدم تقنية الطبقات المتعددة، حيث تبدو الزخارف وكأنها تنبض بالحياة لتعكس الضوء في كل حركة.
المجموعة تم استلهامها من الهندسة المعمارية الكلاسيكية الأوروبية وزخارف القصور وحدائق عصر النهضة، لكنها ظهرت بأسلوب معاصر يعتمد على التطريز ثلاثى الأبعاد والكثير من اللمسات النحتية، وركز على إبراز الأنوثة الملكية، والخصر المشدود، والأكتاف المكشوفة، والتنورات الغنية بالحركة مع إحساس بالتوازن بين الرقة والقوة.
أسرة من المبدعين
في احتفاء بمرور ثلاثين عامًا على انطلاق الدار برؤية ثنائية جمعت بين الأب والابن، جاء هذا التعاون ليجسّد رمزًا لتواصل الأجيال، قدم جورج وجاد حبيقة عرضهما المميز في قلب قصر برونيار ذي الطابع النيوكلاسيكي، مانحا المشهد إحساسا بالفخامة والتقاليد والوقار، ليعيد السحر القديم إلى عالم متغيّر، فظهرت الفساتين نابضة بالرفاهية، ولم تكن تفاصيل التطريز واللؤلؤ مجرد زينة، بل رسائل بصرية تنطق بمفاهيم الحب والجمال، وفي ختام هذه الحكاية الفريدة، بدا الأمر وكأنهما يوجهان رسالة صريحة: في خضم الأرقام والعولمة، تبقى اليد التي تبدع وتطرز وتفكر هي القلب الحقيقي للهوت كوتور، وهو ما كان سببا في تقديمهما لوحة ألوان ناعمة، هادئة وأنيقة تضم ظلال من اللون العاجى والبيج والوردى الفاتح والأزرق الباستيلي إلى جانب لمسات داكنة كالبنى والأزرق الداكن والأسود.
تنوّعت الأقمشة هذا الموسم بين المنسوجات المطرزة بكثافة، والدانتيل الدقيق، والساتان، والتول، لتتألق بزخارف لونية غنية وتفاصيل سطحية متلألئة، أضافت الهوامش الكريستالية والزينة المعدنية البارزة بعدا ملمسيا مميزا، بينما عززت التطريزات المعقدة من خرز وترتر وتفاصيل معدنية وبلورية لامعة حضورا بصريا فائق الثراء.
جاءت التصميمات راقية تنطق كل تفاصيلها بالفخامة، حيث برزت الفساتين الطويلة ذات الاتساع الخفيف من الأسفل، والتنانير الضخمة، إلى جانب قطع متوسطة الطول ذات ملامح نحتية دقيقة، كما ضمت المجموعة بعض التصميمات المكونة من جزأين، مثل البلوزات القصيرة مع التنانير عالية الخصر، وتألقت أيضا فساتين مستوحاة من شكل عروس البحر، ومزينة بلآلئ سوداء، إلى جانب كورسيهات بنية تتدلى منها اللآلئ بانسياب درامي يضفي لمسة مسرحية آسرة.
جورج حبيقة مصمم أزياء لبنانى بدأ عشقه للأزياء عندما كان صغيرا، ولد في بسكنتا وهي قرية في جبال لبنان في 8 فبراير 1962، وكان واحدا من ثمانية أشقاء، درس الهندسة المدنية في الجامعة، وتخصص في التصميم المعمارى، وأجبرته الحرب الأهلية اللبنانية على مغادرة البلاد لتأمين مستقبل أفضل له ولعائلته، أسس الدار التي تحمل اسمه للأزياء الراقية والملابس الجاهزة، بدأ بعرض مجموعات الهوت كوتير ضمن أسبوع الموضة العالمي بباريس عام 1994، وبعد ذلك أدخل تصميمات الملابس الجاهزة، ثم اعترفت به غرفة النقابة للأزياء الراقية بفرنسا رسميا كعضو ضيف، وامتازت تصميماته بالنعومة والأنوثة، وجذبت نجوم هوليوود مثل سيلينا جوميز وجينيفر لوبيز وكيم كارديشيان وإيفا لانجوريا وجين فوندا وغيرهم من مشاهير العالم، وصمم الفستان الذى ارتدته ملكة جمال لبنان 2001 كريستسنا صوايا خلال حفل مسابقة ملكة جمال العالم 2002 والذى توجت فيه باللقب.-
فى عام 2022 ظهر نجله جاد حبيقة باعتباره مديرا إبداعيا مشاركا لدار الأزياء إلى جانب والده، ومع ذلك فإن مشاركة جاد في تطوير دار الأزياء تمتد إلى ست سنوات مضت قبل اعتلائه المنصب، ابتداء من عام 2016 أسهم بنشاط في الدار، حيث قدم أفكاره وساعد على تصميم مجموعات تجذب العملاء الأصغر سنا، ومن خلال جهوده خطت الدار خطوات كبيرة نحو اكتساب الاعتراف الدولى وتطوير صورتها.
يمتلك حبيقة اليوم ويدير دار الأزياء الخاصة به التي تضم أربعة خطوط إنتاج الأزياء الراقية والجاهزة وملابس العرائس من المعرض الخاص به في شارع رويال بباريس، أو من مقر المشغل في بيروت.