الحرمان الرقمي للفتيات خطأ فادح يرتكبه الآباء والأمهات
الحرمان الرقمي للفتيات خطأ فادح يرتكبه الآباء والأمهات
29 أكتوبر 2025


تعد قضية حرمان الفتيات من الهاتف المحمول قضية شائكة تحوم حولها الصراعات المتعددة، فبين الرفض والقبول تباينت آراء الأمهات في هذا الشأن، فمنهن من ترى أن منع الهاتف من الفتيات جريمة في حقهن على اعتبار أننا نعيش عالم التكنولوجيا الرقمية التي لا غنى عنها في حياتنا، ومنهن من ترى أنه لابد من منعهن لحمايتهن من المواد الإباحية والخادشة للحياء بخلاف السوشيال ميديا التي أصبحت مضيعة للوقت، وهنا نتعرف مع د. رحاب شومان اختصاصي نفسى وتعديل سلوك، واستشاري أسرى وتربوي إلى ما هو التصرف الصحيح في هذه القضية.


في البداية سألنا أسماء ممدوح ٤٣ عاما ربة منزل، عما إذا كانت تعطي الهاتف المحمول لفتياتها اللاتي يبلغن من العمر ١٢ و١٤ عاما؟ فأجابت قائلة: بالطبع أعطيه لهن؛ لأنه عصر التكنولوجيا، وهن يرغبن في متابعة كل ما هو جديد على الساحة، وكل ما يتعلق بالموضة الخاصة بالفتيات، ولكني أحدد لهن عدد ساعات معينة لا يتجاوزنها، وذلك عن طريق برنامج فاميلي لينك لأتحكم في المواد التي يشاهدنها وأيضا عدد الساعات التي يقضينها على الهاتف.

بينما تري رحاب محسن ٤٦ عاما مهندسة برمجيات أن الهاتف المحمول هو سبب مشكلات العصر، وضياع أخلاق الفتيات لأنهن ينجذبن إلى مشاهد غير أخلاقية، كما يتحدثن مع شباب مجهولين بحجة التعارف من وراء الشاشات، فلا تدري من أين تأتي المصيبة فمنهم من يبتز الفتيات، ومنهم من يهددهن وغيرها من الجرائم الإلكترونية التي يواجهنها ويتعرضن لها باستمرار، ولذلك أمنع ابنتي من الهاتف منعا تاما، وأحاول جاهدة تعويض هذا الفراغ عن طريق الخروج للتنزه وممارسة الألعاب الرياضية.

وهنا أوضحت د. رحاب شومان اختصاصي نفسى وتعديل سلوك، واستشاري أسرى وتربوي قائلة: بالطبع أنا لا أوافق على ما يطلق عليه الحرمان الرقمي؛ لأن المنع ليس علاجا، فإن كان هدفي كمربٍّ استخدام أسلوب الحرمان فهذا تفكير خاطئ تماما، لأننا نعاصر ثوره تكنولوجية هائلة، فبالتالي الفتاة الممنوعة من الهاتف المحمول ستكون عرضة لأمرين؛ إما ستشاهد ما تمنعه عنها في بيئة أو مكان لا تُساءل فيه، سواء عن طريق المدرسة أو أصدقائها، أو مكان خال من الرقابة،  وسيتسلل إليها شعور بأنها ليست كصديقاتها، أما الأمر الثاني فسيكون لديها نهم أن تمسك بالهاتف المحمول في غير دائرة رؤية الأهل، وهذا تحديدا يضاعف خطورة المنع،  هل معنى ذلك أن نعطي الفتيات الهاتف المحمول؟ بالطبع نعم لأنه أصبح سمة العصر، بخاصة بعد فيروس كورونا، فكل الإحصائيات تؤكد أننا أصبحنا نعتمد على الهاتف المحمول بشكل أساسي سواء في المذاكرة، أو التسوق، أو الدورات التدريبية، فمعظم حياتنا أصبحت أون لاين، وبالتبعية أصبحنا أمام تحد  كبير، ولا يكمن الحل في تجاهله ودفن الرأس في الرمال، وإنما يكمن الحل في تدريب المراهق على مواجهة المشكلات وحلها، فالعقل ينقسم إلى جزأين: جزء يسمى الأميجدالا Amygdala (اللوزة الدماغية)؛ وهي الجزء المسئول عن العواطف والمشاعر، أما الجزء الأخر وهي القشرة الجبهية الأمامية PFC فهو الجزء المسئول عن المنطق والتخطيط، واتخاذ القرارات وحل المشكلات، وفهم السلوكيات، كما أنه مسئول عن تنظيم المشاعر التي تأتي لنا من الأميجدالا، وأنا كمربٍّ ماذا يجب أن أفعل في ظل كل هذه التحديات؟ أدرب أبنائي وبناتي على كيفية توجيه المشاعر التي تأتي لنا من الأميجدالا وكيفية عمل فرامل لها عن طريق القشرة الجبهية الأمامية، أيضا يجب أن أعلمهم قول "لا" نابعة من داخلهم، فمفهوم التربية السليمة لدى الوالدين هو أن تجدا أبناءكما يتبنون السلوك الجيد في وجودكما وفي غيابكما، بينما إن تبنوه في وجودكما فقط دون غيابكما فهذا يُعد أسوأ تربية، فمن المعروف أن الانفعال عند المراهقين يوازي ضعف المشاعر لدى الشخص العادي، لذلك نطلق عليها مشاعر بندولية، بمعنى أنها تصعد إلى أعلى مثل بندول الساعة، وعلى النقيض تنخفض إلى أسفل في اللحظة ذاتها.

واسترسلت د. شومان حديثها قائلة: تبدأ القشرة الجبهية الأمامية في النمو من عمر السابعة وتكتمل في سن 18 عاما، وهناك دراسات تقول: إنها تكتمل حتى سن 25، لذلك ما قبل سبع سنوات لا يُستحب تماما أن يمتلك هاتفا محمولا، أما بعد عمر السابعة فنبدأ بإعطاء الهاتف على فترات بسيطة جدا ومتقطعة، ويشاهدون برامج تعليمية هادفة كالألوان والحروف والأرقام، وغيرها من المواد التعليمية، ويفضل أن تكون هذه البرامج عن طريق الشاشات الكبيرة كالتلفاز، وليس شاشة الموبايل الصغيرة.

فهناك دراسة تقول: إنه كلما صغر حجم الشاشة زاد الارتباط بها وتحول إلى إدمان، وزاد أيضا تأثير الشحنات الكهربائية الصادرة من الهاتف إلى المخ بشكل خطير، فالشاشات الكبيرة يكون التعرض فيها للمشاهد الخادشة للحياء أو المواد الإباحية أقل، وذات رقابة أوسع، وفي السن الصغيرة من الممكن وضع بعض الأفلام الكرتونية على فلاشة أكون قد شاهدتها مسبقا وخالية من أي مشاهد فأدع أطفالي يشاهدونها ويستمتعون بها، لكي يسلوا أوقاتهم وحتى لا يشعروا بالملل، مع عمل تنبيهات للوقت الذي يقضونه على الشاشة لكي لا يتعدى الوقت المسموح، كما أن هناك العديد من الدراسات التي أكدت أن الهواتف المحمولة تقيس عمر الطفل ووجهه، وبناء عليه ترسل إليه موادا وصورا إباحية، أما من بداية السن العنادية فلابد أن تحدث توعية جنسية لهذه الفئة العمرية.

ونحن نستخدم أربع مهارات للتعبير عن المشاعر، وهذا هو الفرق بين الحرمان الرقمي والقهر والإجبار ومهارات التفاوض، وينبغي أن يكون هو الذي يقول لا بإرادته الحرة، ولكن يكمن السؤال هنا، ما هي طرق رفع الوعي لدى المراهق؟ أولا لابد من الاشتراك في الكورسات والدورات التدريبية المختلفة، والعمل على ملاحظة الأولاد جيدا والقرب منهم ومصاحبتهم، بخاصة من عمر سبع سنوات حتى سن 11 عاما أو 12 عاما يظلون تحت الرقابة، ويُغرس فيهم الوازع الديني، مع حثهم على الحلال والحرام، وما يجب وما لا يجب فعله.

واختتمت شومان حديثها قائلة: لقد اختلفت الدراسات على تحديد العمر المناسب لامتلاك المراهقين للهواتف المحمولة، فهناك دراسات تقول ما بين ١٢ و ١٤عاما، وأخري تؤكد في المرحلة الثانوية، لذلك نحن كمربين لدينا مهمة شاقة جدا وهي تعليم أبنائنا التفكير الناقد، وتبني فكرة الرفض المقنعة، فأعرض عليه الكثير من المعلومات التي توعيه بخطورة الهاتف والشحنات الكهرومغناطيسية التي يتعرض لها، فيجب أن يعرف ما هو سبب رفضي للهاتف ومشتملاته، وأوضح له لماذا وضعت برنامج "فاميلي لينك" وهو أحد البرامج التي تسمح لأولياء الأمور بالتحكم في المحتوي وعدد الساعات التي يقضيها المراهق على الهاتف المحمول، فبهذه الطريقة  أدرب مخه على حل المشكلات، لكي لا يعتقد أننا نتحكم فيه، فالطفل ملاحظ جيد ومفسر سيئ، فينبغي على الوالدين تهدئة التساؤلات التي تدور بخلده، وتنظيم مشاعره وانفعالاته العالية، ويجب أن يكونا حازمين وحاسمين ولكن بغير عنف، فهناك فرق بين الحزم والعنف، والحزم هنا أن أعني ما أقول وأقول ما أعني، مع العلم أن نسبة مدمني الهواتف من الأمريكان تبلع ٥٧% وهم من فئة الكبار، بينما  ٦٩% من الجيل الجديد يشعرون بالارتباك وعدم الارتياح في البعد عن الهاتف، لذلك لا بد من الصبر لأنه ابتلاء العصر.

الأكثر قراءة