المراهقة من أصعب الفترات في حياة الإنسان، التي عادة ما تعج بالخلافات والمواجهات بين الأهل والأبناء، مما يجعل الأهل يبحثون دائما عن طرق للتعامل مع الأبناء بشكل سليم، حتى تمر تلك المرحلة بسلام من دون أن تترك ندوبا نفسية في حياة المراهق قد يصعب تلافى آثارها فيما بعد، ومن أكثر الخلافات التي تحدث، عندما يريد الأهل أن ينفذ الأبناء طلباتهم من دون اعتراض منهم ومن هنا تحدث المواجهة.
علماء النفس يبحثون دائما عن حلول وإجراء دراسات تحاول نصح الآباء بطريقة التعامل وكيفية توجيه الأوامر للأبناء، وفى دراسة حديثة نشرتها جامعة كاليفورنيا توصلت خلالها إلى ما أطلقت عليه "حيل تضمن للأم أن يلبي الابن المراهق أوامرها، حتى وإن لم يكن يرغب في تنفيذها".
تأتي أهمية هذه الدراسة في كونها الأولى من نوعها، إذ بحثت مراهقين وأهالي متعددي الأعراق ومن طبقات اجتماعية مختلفة، ومن فئات عمرية من سن المراهقة حتى سن 25 سنة، وتوصل الباحثون إلى أكثر وسائل الأهل فعالية لتمرير النصائح، وكيفية دفعهم للامتثال لما يطلبونه منهم حتى وإن لم يكن مقتنعا به، ونظرا لأهمية الدراسة تواصلنا مع عدد من المتخصصين للتعليق عليها.
فى البداية تقول الدكتورة ريهام أحمد عبدالرحمن - باحثة في الإرشاد النفسي والتربوي ومدربة معتمدة في علوم تطوير الذات: مرحلة المراهقة تتطلب من الأسرة المزيد من الصبر والاحتواء والتفهم لطبيعة التغيرات الفسيولوجية التي يمر بها المراهق كالسرحان وسرعة الانفعال، وتقلب الحالة المزاجية، والتمرد على نصائح الوالدين والدعم المقدم منهما والذي لا يتقبله المراهق في الكثير من الأحيان.
وبالتالي فالدعم العاطفي يعد إحدى الحيل التي يجب أن يستخدمها الآباء لتمرير النصائح وتقديم الدعم الكافي للمراهق خلال هذه المرحلة المهمة، حيث يتعلم المراهق فهم مشاعره وقدرته على إدارة الأزمات العاطفية والنفسية التي قد يتعرض لها مستقبلا، وبالتالي امتلاكه مناعة نفسية قوية يستطيع من خلالها التكيف مع تحديات الحياة المختلفة.
أيضا الإنصات والاهتمام بما يقوله المراهق وعدم إصدار الأحكام عليه، فعندما يتحدث حول مشكلة ما فهو لا يريد توجيه النصائح أو إلقاء اللوم عليه، بل يريد الشعور بالدعم والمساندة وإظهار التعاطف من قبل الأسرة كأن نقول له: "نتفهم كل ما تقول"، أو "نشعر بما تشعر به من حزن"، فهذه الكلمات تجعل المراهق يستجيب للنصيحة بسهولة ويقدر الاهتمام والدعم.
وليس من المستحب الإسراع باقتراح الحلول ولكن فقط الإنصات والاهتمام بما يقول، ثم إعطاؤه الفرصة ليقترح هو الحل ويصلح الخطأ، وبالتالي يتعلم كيفية إدارة الأزمات وحل المشكلات وعدم الاعتماد على الآخرين.
والدعم العاطفي من قبل الآباء يتطلب ممارسة الذكاء العاطفي مع المراهق من خلال احترام رأيه حتى وإن كان على غير صواب، وعدم السخرية منه والتحكم في تعبيرات الوجه ونبرة الصوت ثم مناقشته حول قناعاته وكيفية تغييرها للأفضل.
ولبناء شخصية سوية للمراهق فلابد من وجود الأسرة القدوة التي تحترم نفسية المراهق وتسعى إلى خلق بيئة آمنة تعزز التواصل الفعال والحوار المشترك، ليستطيع الأبناء التعبير عن أفكارهم ومشاعرهم من دون خوف من النقد والرفض لهم.
كما يتطلب الدعم العاطفي يتطلب من الأسرة الشعور بما يواجهه المراهق من ضغوط حياتية كالضغط الأكاديمي، والقلق والارتباك، والبحث عن الهوية، وصراعات الأقران، والمشاعر المضطربة وبالتالي تدريبهم على آليات التكيف مع الضغوط من خلال ممارسة اليقظة الذهنية، والامتنان، والتطوع، وتنمية المواهب التي تحثهم على العطاء والمشاركة والشعور بالآخرين.
بينما يقول د. أحمد متولي سعد- الأستاذ بكلية التربية جامعة الأزهر: المراهقة الاختبار الأول في حياة الفرد في مجال رؤيته الذاتية للأمور، وهي من أخطر مراحل الحياة حيث يمر المراهق بأطوار من النمو والتغيرات العقلية والفكرية والنفسية والانفعالية والجسمية والسلوكية، وما يتبعها من صراعات داخلية وخارجية وما يعقبها من صعوبات ومشكلات.
وتحتاج هذه المرحلة إلى المزيد من الاهتمام، فإذا لم يجد المراهق في هذه السن مَنْ يأخذ بيده ويعينه على تخطي هذه العقبات ويوجهه للتعامل معها فمن الممكن أن ينجرف إلى سلوكيات غير مرغوب فيها.
وهناك العديد من الأساليب والاستراتيجيات التي تضمن للوالدين أن يلبي الابن المراهق أوامرهما حتى وإن لم يرغب في تنفيذها، وتقاس هذه الأساليب من خلال عدة أبعاد منها: الحب والاهتمام والرعاية والدفء والتقبل والتقارب والمشاركة واستخدام أساليب الضبط الدافئة والفهم والاستيعاب والحوار والتواصل الفعال،ومن أهم هذه الوسائل والأساليب :
- بناء الثقة المتبادلة التي تعد بمثابة سفينة النجاة لعلاقة الوالدين بالأبناء، حيث تساعد على بناء جسر من الثقة وكسر أي حواجز نفسية لدى المراهق ليستطيع مصارحة والديه بأي مشكلة يتعرض لها، كما تساعد على تعزيز الثقة بالنفس لدى المراهق وجعله قادرًا على استغلال طاقاته الذاتية بصورة أفضل.
- التواصل باستخدام العاطفة التي يتم فيها استخدام الأساليب والوسائل التي تؤثر في عاطفته لإقناعه بالرأي الأفضل من بين جميع الآراء المقترحة، كاستخدام الكلمات العاطفية المؤثرة مثل كلمات الاستعطاف، وكذلك لغة الجسد مثل تعبيرات الوجه والابتسامة ونظرة العيون واستخدام نبرة الصوت الحانية.
- إكسابه المهارات التي يحتاج إليها للدخول إلى عالم الرشد بثقة واقتدار، كمهارة وعي وفهم الذات وإدارتها، ومهارة السيطرة على الانفعالات والمشاعر، ومهارة مواجهة الضغوط والإحباط، ومهارة حل المشكلات والتفكير الإيجابي والفعال، ومهارة اتخاذ القرار، ومهارة تحمل المسؤولية والاستقلالية، ومهارة التواصل والتكيف مع الآخرين في المجتمع، ومهارة المبادرة وحب المساعدة للغير واحترام حقوق الآخرين والتعاون والإيثار.
- الحوار الدافئ ويساعد هذا الأسلوب على سد الفجوة التي قد تنشأ بين الوالدين والأبناء بما يعرف بـ(صراع الأجيال)،فيساعد على بناء تربية حوارية مع الأبناء المراهقين تتسم بالرفق واللين والاستماع الدافئ لهم، والتفهم الكامل لما يعاني منه المراهق من عصبية وتمرد وامتصاص غضبه، ومن ثم إقناعهم بأمور قد لا تُقبل عند اتباع الوالدين أسلوب القسوة والعنف.
- التحفيز والتشجيع ويتمثل في تشجيع الأبناء المراهقين ومدحهم على آرائهم الصائبة، وإشعال روح التفوق والإنجاز فيهم، وعدم التقليل من إنجازاتهم حتى وإن كانت ناقصة أو قليلة، والبعد عن أساليب اللوم والتأنيب والنبذ والإهمال والتناقض في المعاملة، مع ضرورة السماح لهم بالتعبير عما يجول في صدورهم من اعترافات وانتقادات، وتشجيعهم على الصراحة الدائمة في طرح أي موضوعات خاصة بهم والإصغاء إليهم باهتمام.
- عرض البدائل والآراء والخيارات المتاحة أمام المراهق بكل وضوح مع مساعدته على فهم إيجابيات وسلبيات كل بديل من البدائل، والعمل على تأهيله للإقناع بالرأي الذي نريد أن نقنعه به.
- صياغة خطط مشتركة وتتمثل في قدرة الوالدين على ابتكار موضوعات ومواقف وخطط مشتركة مع الابن المراهق لتفعيل قدرتهم على الإقناع لديه.
-إشاعة روح الشورى داخل الأسرة لأن تطبيقها بين جميع أفراد الأسرة يجعل المراهق يدرك أن هناك رأيًا ورأيًا آخر متبادلًا يجب أن يُحترم، كما يتعلم كيفية عرض رأيه بصورة عقلانية منطقية، ويجعله يدرك أن هناك أمورًا وقيمًا لا يمكن المساس بها من كل أفراد الأسرة.
وتقول د. منار عبدالفتاح عزب - استشاري الصحة النفسية والإرشاد الأسري والتربوي: النقطة التي أريد التركيز عليها هي احترام شخصية المراهق، وهى من أصح الأساليب لتقوية شخصيته ودعمه، لأن المراهقة هي مرحلة التغيير، وهناك بعض النقاط على الأم والأب أن يتعلماها لكى يعرفا كيف يتعاملان مع أولادهما حتى ينشأوا شبابا أقوياء الشخصية، وأولاها أن أحترم المراهق لأنه لم يعد طفلا صغيرا ولا يصح أن أضربه حتى لو بهدف أن أصلح له خطأ ارتكبه فيمكن أن يعمل نتيجة عكسية.
تانيا: يجب أن أقترب منهم وأتعرف إلى أصحابهم عن قرب، ولو شعرت بأن أحدهم شخص سيئ في هذه الحالة أجلس وأتكلم مع ابني بهدوء من دون أن أقول له ابتعد عنه، لكى لا يشعر بأني أتحكم فيه لأن هذه المرحلة كما قلنا أخطر سن.
وعلي أن أترك لابني المراهق مساحة مع نفسه ليس ضروريا أن يكون كل الوقت معه، أو أريد أن أعرف عنه كل شيء من دون رغبته أيضا لا أقارنه بأصدقائه أبدا، فالمقارنة من أسوأ الأمور ولا يأتي من ورائها إلا الكره والحقد على من يقارن به، واحترام شخصية المراهق ودعمه من أول الاحتياجات النفسية للمراهق، وهو من أهم القيم التي يجب أن أعلمها لابني؛ أن يحترم نفسه ويقدرها ويحترم الآخرين.
أيضا من المهم أن أدعم المراهق عاطفيا وأن أظهر تعاطفي معه لو حصلت مشكلة أو موقف، ولا ألقي باللوم عليه، فأقول له مثلاً "يؤسفني أنك مررت بهذا الموقف ومن حقك فعلاً أن تغضب وأن رد فعلك طبيعي للموقف" وأكون في صفه دائما، فيشعر بالاطمئنان من ناحيتي، فيحكي لي عن كل ما يحدث معه، ويكون بيننا ترابط عاطفي وهو أشد من كل التأثيرات التي حول المراهق، والدعم والترابط العاطفي يجعلانه أكتر قدرة على أن يقاوم القسوة المجتمعية مثل التنمر، ولو قل دعم الأسرة للمراهق فإنه يكون عرضة للاكتئاب، ويصير هشامن الناحية النفسية.