لم يكن لإبداع الموسيقار محمد فوزي حدود في المجال الفني، وكما كان دقيقًا في كل لحن وغنوة يقدمهما، حيث كانت المزيكا كل حياته، فقد كان دقيقاً كذلك في التعامل مع الأكل، فوضع لنفسه نظامًا خاصًا لا يحرمه كذلك من أكلاته المفضلة، لأنه لم يكن يحب الظهور أمام جمهوره زائد الوزن، كان يعتبر رشاقته جزءا من وسامته وجاذبيته وسلامة صوته أيضا.
فحسب ما جاء في حواراته النادرة التي تعد على أصابع اليد واحدة، قال: إن معظم أكلاته كانت إما مسلوقة أو مشوية أيام التصوير بالتحديد، أما في الأيام العادية فقد كان من عشاق الفول المدمس بكل أنواعه، ويعد الأكلة التي لم يعشق مثلها رغم بساطتها، كان يأكل منه أي وقت كأنه أغلى أكلة، وكأن بينه وبين الفول غراما من نوع خاص.
مشروب تنعيم الصوت ولبن الفلاحين اللذيذ
أما طقوسه قبل الغناء فكانت تتلخص في تناول المشروبات الدافئة، والسر الذي صرح به بنفسه في حوار نادر بمجلة الكواكب، أن كوب ماء دافئ كان يكفيه قبل أي حفلة، قال عنه (الميه الدافية بتنعم الصوت الدافئ اللي زي صوتي)، ومع بساطته تلك كان فوزي شديد الالتصاق ببلده وناسه وأهله، فدائما يتزاور معهم، ويأكل القشدة ويشرب الحليب البلدي مع الفلاحين قبل أن يذهب إلى بلدته طنطا.
أكلة سحور "كرسي في الكلوب"
لم يكن الغناء هواية محمد فوزي الوحيدة فقد كان يلعب كرة القدم أيضا، وكان الجمهور يعرف أنه مطرب فكان التشجيع مضاعفًا، فعندما يحرز فوزي هدفا كان المشجعون يقولون له "أعد".
وطوال فترة الدراسة كان محمد فوزي يتنقل بفرقته بين قرى طنطا، وفي الإجازة الصيفية يبدأ بالسفر للمدن المجاورة، فسافر في إحدى ليالي رمضان إلى شبين الكوم بمحافظة المنوفية، وهناك سمع عن وجود أحد الموالد فقرر الغناء هناك حيث الرزق والشهرة، وعند وصوله مع فرقته التقى "الفتوةَ" المسؤولَ عن الحماية في المنطقة وطلب منه حمايته مقابل مبلغ مالي.
وما إن بدأ فوزي في الغناء قامت معركة بين الأهالي على نظام "كرسي في الكلوب"، وأكل هو وفرقته علقة ساخنة قبل السحور، فكانت أكلة السحور التي لم ينسها أبدا في حياته، والتي بسببها لم يستطع صيام اليوم التالي للخناقة.
أول مسحراتي في الإذاعة
وبمناسبة رمضان، محمد فوزي كان أول من جسد شخصية "المسحراتي" من خلال الإذاعة في 1955 في شهر رمضان، وقدم واحدة من أجمل أغانيه كتب كلماتها بيرم التونسي التي غنى فيها "فوزي" بصوته "يا عباد الله وحدوا الله... أنا أمدح المولى الغفور الودود.. اللي تجلت رحمته في الوجود.. الأرض والسماوات عليا شهود"، أخذت الأغنية شكل الابتهال الديني أو الموشح.
قصة الأرز والملوخية في فرانكفورت
سافر فوزي كثيرًا، وقام برحلات فنية لتطوير الموسيقى والاطلاع على آخر الأخبار، وحدثت له مواقف كثيرة خلال هذه الرحلات.
في حوار نادر تحدث محمد فوزي عن بعض المواقف المضحكة التي حدثت له عندما سافر إلى أوروبا وتحديدا إلى فرانكفورت بألمانيا، حيث تأثر بجودة الطعام الذي يقدمه الفندق ومعظم المطاعم هناك، وكان يتوق إلى الطعام المصري، لكنه اضطر إلى تناول ما تقدمه المطاعم والفنادق، وفيما كانت الأيام الأخيرة له هناك، وبعدما كان قد يأس من أكل المطاعم، جلس في مطعم فندقه، فوجد بعد بضع دقائق أن النادل وضع طبقين أمامه، أول ما نظر إليهما قفز فرحا من شدة المفاجأة، حين وجد ملوخية خضراء في أحدهما، ورائحتها طيبة، وفي الطبق الثاني أرز أبيض بالفلفل، فوزي صرخ بدهشة ونهض ليقبل النادل قائلا: "أين كنت تأكل هذا منذ فترة طويلة"، اقترب صاحب المطعم من فوزي وانحنى وهو يقول بلغة عربية: "أضأت المحل يا سيد فوزي"، عرفه الرجل شخصيا، فهو مصري هاجر إلى ألمانيا، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية واستقر في فرانكفورت، وافتتح مطعم يقدم الأطباق الشرقية وكذلك المأكولات الغربية.
فكان هذا المطعم وصاحبه سبب بقاء فوزي في فرانكفورت لمدة أسبوعين آخرين، بعد أن كان ينوي قصر زيارته هناك على يومين فقط.
قال الفنان الكبير: "خلال الأسبوعين لم أتوقف عن زيارة هذا المطعم كل يوم لأكل الفول والفلافل في الصباح، والكوسة والملوخية والبامية والأرز على الغداء".