أسرار صناعة الأوسمة في مصر
أسرار صناعة الأوسمة في مصر
20 أكتوبر 2017
 
للأوسمة والقلادات والنياشين والأنواط في مصرالحديثة حكاية طويلة، بدأت من العصر الملكي وامتدت حتى الآن. صناعتها عجيبة  وخاماتها مختلفة ..ذهب وفضة ونحاس، وتتحكم فيها جهات عليا بمواصفات من الصعب اختراقها وتزييفها . 
وعلى الرغم من الجدل الذي أثارته ابنة الكاتب الكبير صاحب نوبل نجيب محفوظ بالحديث عن تزييف قلادة النيل الذهبية  التي تم منحها لأبيها لتكون فضة مطلية بالذهب، فإن الأمر يدفعنا لمعرفة كيف تصنع الأوسمة في مصر؟ وما الجهات التي تشرف عليها، وتقوم بتصنيعها وغيرها من الأسرار المهمة. 
فى البداية  يقول  اللواء سامح  عبد الرحمن اللقانى  صاحب  موسوعة  القلائد  والنياشين والأوسمة والأنواط المصرية  إنه علينا منذ البداية أن نعرف أن كلمة النيشان تركية وبعد ثورة 1952 فى مصر استبدلت بكلمة أوسمة، والتدرج المتعارف عليه فى عالم القلادات  والأوسمة  يبدأ  من النياشين والأوسمة والأنواط والميداليات، والتصنيع الخاص بتلك المجموعات كان يقوم به شخص واحد فى مصر أيام الملك فؤاد  وهو لاتس، ثم  فى أيام  الملك فاروق كان يقوم بالتصنيع  فاروق بشاى وهو صاحب محل شهير فى منطقة سليمان باشا وكان أشهر صانع  فى مصر و كان يعمل خصيصا  للقصر الملكى، ومن مميزات صناعته أن الوسام أو النيشان كانا من الفضة، ولكنه كان يقوم  بتصنيع  السرة  من الذهب  الخالص، ومنذ ذلك الوقت أدخلت الدولة الذهب فى صناعة القلائد والأنواط، ثم أصبح ابنه فهمى يقوم بصنع مثل هذه الأنواع  المطلوبة من الفضة .
وجاءت مصلحة  سك العملة بعد ذلك والتي كثيرا ما تتلقى أوامرعليا بتصنيع القلائد والنياشين. 
و كل نموذج من القلادات والنياشين له طريقة  مختلفة فى الصناعة، فالقلادة تصنع يدويا ، والنياشين تتكون من طبقات  مركبة مع بعضها وتحتاج إلى درجة كبيرة  من الحرفية و صناع مهرة، وبالتالى فالأوزان تختلف من قلادة إلى أخرى ومن نيشان إلى آخر، وكذلك الحال للقلادة فمثلا قلادة النيل 
وزنها من 450 إلى 540 جراما أو ما يعادل كيلو ذهب أو حسب ما يتطلبه الشغل اليدوى لأنها ليست «اسطنبة» أو قالبا معينا، 
فالقلادات والنياشين تصنع  من الذهب والفضة، أما الأنواط  والميداليات فهى مطلية بالذهب والفضة مع طبقة ما من  النحاس الأحمر وما يطلق عليه البرونزية .
 ويضيف اللواء اللقانى : كل ما يتعلق بصناعة القلائد والأنواط  والأوسمة والنياشين لا يتم إلا بقرار من رئاسة الجهمورية   وبمواصفات وكميات ومواد محددة، أما الدورع والميداليات فيحق لأى فرد أو جهة أن تطلب صناعة ما تريد من كميات وتختلف اذواقها من فرد إلى آخر، وليس لها نمط أو شكل معين وهذا ما تعارف عليه منذ عصر الديوان الملكى أيام حكم الملك، ثم رئاسة الجهورية بعد الثورة ومن ثم فهذه الأنواع تطلب بالقطعة أو الكميات المحددة وفى مناسبات معينة وعندما يتم  تكليف جهة أو شركة معينة بإعداد وتصنيع أي منها،  تجرى مسابقة أو مناقصة بين عدة شركات متخصصة ومعروفة فى صناعة مثل هذه الأشياء وبالتالى تختار الجهات العليا من ينطبق عليه الشروط ويخضع للمعايير، وبالتالى كل ميدالية وقلادة تختار لها أشكال معبرة عن مناسبة وترمز لأشياء معينة فى مصر كقلادة النيل أو مفتاح الحياة .
ويشير إلى أن كل النياشين والأنواط والقلادات وصورها وأنواعها الحقيقية منذ أيام الملك وحتى العهد الحالى لها مثيلاتها وصورها الحقيقة فى متحف قصر عابدين، مؤكدا أن أحجام القلادات والنياشين تختلف  من حيث الشخص المهداة له  فى المناسبة  وبأحجام  متدرجة،  فهناك  نياشين وقلادات تعلق لدى المهداة له فى الرقبة وغيرها.
 وبالنسبة  لأنواعها يقول  اللواء سامح  عبد الرحمن اللقانى  بأن هناك أنواعا مختلفة منها، فهناك قلادة النيل والجمهورية ووشاح النيل ثم حاليا وسام المجهورية الذى تم تغير اسمه إلى وسام النيل، ويتكون من خمس طبقات مختلفة، و قال إن القلادات والأوسمة كانت تصنع من الألماس والأحجار الكريمة ثم بعد ذلك تطورت وأصبحت تصنع من الذهب والفضة والنحاس الأحمر.
 وبشأن ما أثير حول العبث بقلادة نجيب محفوظ واستخدام  الفضة بدلا من الذهب قال اللواء اللقانى :هناك جدل كبير فى هذا الأمر وبالتالى فأنا أستغرب لماذا تم اختيار هذا التوقيت بالذات فأين كان هؤلاء الذين يرددون أن هذه القلادة ليست حقيقية من قبل، وبالتالى لا يحق لأى شخص أن يقيم هذه القلادة إلا إذا تم رؤيتها ومعرفة المواد المستخدمة، وهذا الأمر يحتاج إلى فريق من المتخصصين لمعرفة  الحقيقة.
دقة واحترافية
  أما من جانبه  فيقول طارق عبد المنعم مدير مبيعات بمصنع ايتالكس ميتال للقلائد و النياشين فى مصر إن صناعة القلادات والنياشين فى مصر دقيقة واحترافية ولا يجيدها إلا أناس قليلون للغاية حاليا، حيث تمر بعدة مراحل، تبدأ بطلب تحضير وتجهيز مجموعة من القلادات الرفيعة والنياشين والأنواط  التى تطلبها أعلى الجهات فى مصر كرئاسة الجهورية لتقديمها في مناسبات مختلفة فى مصر لمسئولين كبار فى العالم ممن  يزورون مصر أو لرؤساء وشخصيات يجرى الإعداد للاحتفال بهم فى مناسبات معينة، وبالتالى يتم الاتفاق على شكل وتصور هذه القلادات أو الأنواط، و بمجرد تلقى الطلبات بعد أن يتم  الاتفاق على المواصفات الخاصة للنوع المطلوب وتحديد المواد المستخدمة سواء الذهب والفضة طبقا لطبيعة الطلب، نبدأ على الفور فى التجهيز، وبعد الانتهاء من وضع التصور يتم عرض الأمر على الجهة صاحبة الطلب، وفى حالة الموافقة  على هذا الشكل واعتماد التصميم  الخاص نبدأ على الفور مرحلة التجهيز من خلال الاستنباط والكبس والتغليف والذي يستغرق 14 مرحلة، وعموما فإن  أرفع الأوسمة هى قلادة النيل، وهناك نوعان منها، القلادة التى تلبس حول الرقبة، والنيشان الذى يعلق على الصدر، ويرى طارق أن المادة التى تصنع منها القلادة تحدد حسب طلب الجهة التى تطلب إعداد هذه القلادات، سواء أكانت ذهبا خالصا أم فضة خالصة  أو نحاسا مطليا بماء الذهب، أما عن صناعة قلادة النيل أو وسام  الجهورية من طبقة الأولى أو غيرها من الأنواط رفعية المستوى فتصنع لجهات العليا فى الدولة، وهناك معايير وإجراءات خاصة ومحاذير تراعى فى هذا الشأن حيث لا 
يسمح لأى شخص أو جهة  بصناعة  مثل تلك القلائد والأنواط، فهى تخضع للرقابة الشديدة ومحددة بمواد فى القانون ومن يخالف يتعرض لإجراءات رادعة، وبالتالى فما يحق تصنيعه أو تحضيره خلاف ذلك فهو أوسمة عادية تصنع لمناسبات وأفراد
للشركات الخاصة، وكذلك الدروع التى تقدم فى المسابقات الرياضية،  وهذه تصنع بهذا الغرض فقط، وأكرر أن القلادات والأوسمة والنياشين  الخاصة برئاسة الجمهورية والجهات العليا  لا تتغير ولا يمكن العبث
بها، وتحضع لمعايير واستنباطات خاصة بشعار الجمهورية مع العلم أنه عند طلب رئاسة الجهورية إعداد الأوسمة و القلادات، سواء في عيد العلم  أو عيد الفن أو عيد العلماء،عادة ما يكون الشكل والمواد المستخدمة ثابتين ومتفقا عليهما ولا يحق لأى من كان تغيير المواد المستخدمة سواء أكانت من  الذهب أو الفضة، لأنها قلادات وأوسمة حقيقية ولا يجرؤ أحد على العبث أو التلاعب فى أوزانها،  وهذا الأمر لا يتغير ومتعارف عليه عبر حقب طويلة من التاريخ المصرى، أما  الأوسمة الخاصة  بالأفراد  والشركات  فهى بسيطة  للغاية ويمكن وضع تصاميم وأشكال طبقا لكل طلب وكثيرا ما  نستشير الأفراد والشركات الخاصة فى وضع الأستنباطات الخاصة بالشكل ولون الوسام حيث لدينا قسم فنى كبير متخصص فى عرض هذه النماذج على الذين يطلبون إعداد مثل هذه الأوسمة. 
وكشف طارق  عبد المنعم أن الطلبات الخاصة بإعداد القلادات والنياشين عادة ما تكون محددة بطلب الجهة العليا وهي التي تحدد الوقت المناسب للإعداد والتسليم ، فكل كمية  يختلف زمن صنعها عن الأخرى، فإعداد قلادة أو نيشان واحد بشكل عاجل لمناسبة طارئة يستغرق أسبوعا، أما إذا طلب منا إعداد أو تجهيز 50 أو 100 قلادة أو نيشان فإن الأمر يحتاج إلى أشهر طويلة حتى يخرج بالصورة والشكل اللذين تريدهما الجهة العليا.
 وكشف مديرالمبيعات  بمصنع ايتالكس ميتال لتصنيع القلائد والنياشين  طارق  عبد المنعم أن معظم القلادات والنياشين لا تكون من الذهب الخالص ولكن تصنع  حسب طلب الجهة العليا والأشخاص والمناسبات المحددة ، أما  القلادات فتكون من النحاس المطلى بالذهب الخالص ومعظهما بالفضة وكذلك الميداليات الرياضية  والفنية وذلك ترشيدا للاستهلاك لأن التكلفة تكون باهظة الثمن فى حالة تصنيع القلائد والنياشين والأنواط، وهذا أمر متعارف عليه فى كل الدول وبالتالى لا أستطيع أن  أحكم على كلام ابنة الأديب نجيب محفوظ بشأن القلادة التى منحت لوالدها إلا بعد الاطلاع عليها وتحديد هل هى من الذهب أو الفضة من قبل المتخصصين، وأوضح أنه لا يمكن لأى أحد أن يحدد الحجم أو الشكل أو المادة المستخدمة إلا رئاسة الجهورية فحسب وبمواصفات خاصة، وبالتالى لا يمكن لأى أحد أن يتلاعب في تصنيع هذه القلادة أو غيرها   لأن الأمر يخضع لمعايير ثابتة ومحددة ومحكمة، وبشكل عام لا يمكن لأى جهة أن تشترى أو تبيع هذه القلادة أو النيشان أو الأنواط و هذا الأمر لم يحدث إلا فى حالات نادرة للغاية.
واستطرد إنه ربما يلجأ بعض الناس إلى بيع القلادات و النياشين للمحلات الخاصة بشراء المقتنيات الثمينة وهى قليلة جدا فى مصر، وبالتالى إذا أراد شخص أن يبيع القلادة أو الأوسمة يكتب إقرارا شخصيا منه حتى لا يتعرض المشترى أو صاحب المحل للمساءلة القانونية  وحتى هذه أمور نادرة جدا ولم أسمع عنها فى مصر كثيرا .
 
مواصفات وقواعد
إلا أن العميد  محمد حنفى رئيس مصلحة  الدمغة  والموازين  يرى أن كل ما يثار حاليا عن صناعة القلادات والنياشين والأوسمة  بعد الأزمة  الأخيرة  بشأن  قلادة نجيب محفوظ  وما  تحدثت به ابنته  يشبوه الكثير الأخطاء،  فهناك ،حسب كلامه، 
مواصفات وقواعد يتم  الالتزام  بها  عند التكليف من قبل رئاسة الجهورية  باعتبارها الجهة الوحيدة المختصة بإصدار وتكليف أوامر صناعة القلادات ومنحها  لكبار شخصيات والعلماء فى الداخل والقادة والزعماء من الخارج، فالرئاسة تحدد لنا شكل وحجم ووزن قلادة النيل أو النياشين أو الأوسمة  ولا دور لنا أو أى أحد فى تحديد المواصفات والوزن والمادة المستخدمة  سواء من الذهب أو الفضة، كما لا دور لنا أو لغيرنا فى تحديد الجهة أو الأشخاص الذين يحصلون على تلك القلادات والأوسمة ويعترف العميد حنفى بأن هناك بالفعل قلادة نيل مصنوعة من الفضة ومطلية بالذهب الخالص أو أخرى من الذهب، وهذا ما تحدده رئاسة الجهورية وليس نحن أو مصلحة سك العملة، كما أنه من الصعب علينا أو على مصلحة سك العملة تحديد الوزن الحقيقى للقلائد والأوسمة والأنواط لأنه خلال عملية السك وتجهيز القلادة ربما يزيد أو يقل قليلا الوزن وبالتالى يتم تحديد الكميات والأعداد من الرئاسة، وبعد انتهاء مصلحة سك العملة من صناعتها يأتى دورنا كجهاز وحدة الموازين والتدقيق فى الكشف عن هذا المنتج وهل تم  تصنيعه وفقا لمواصفات المحددة من الرئاسة ومواد التصنيع من الفضة أو الذهب، وبعد التأكد والفحص عبر فريق عمل متخصص فى المصلحة يتم الكشف ومطابقة كامل المواصفات والمواد والحجم والوزن يتم اعتماد القلادة أو الأوسمة والأنواط ودمغها رسميا حتى تسلم للرئاسة ويتم منحها للضيف والعالم.  
وردا على سؤال بشأن ما أثارته ابنة الكاتب الكبير نجيب محفوظ بشأن قلادته حيث قالت إنها من الفضة المطلية بالذهب،  قال رئيس مصلحة الدمغة والموازين إنه قد يكون واردا أن رئاسة الجمهورية فى ذلك الوقت أصدرت هذا القرار بمواصفات وخصائص معينة  وبالتالى إصدار أمر تشغيل باستخدام الفضة المخلوطة بالذهب، مؤكدا أنه كان هناك فترة من الفترات تصنع  القلادات من الفضة وهذا لا يعنى أنها مغشوشة أو بها عيب.
 وأكد العميد محمد حنفى أن المصلحة كانت وما زالت تلتزم بالمراقبة والتدقيق فى صناعة القلادات والأوسمة طبقا لأوامر التشغيل الصادرة من الرئاسة وبالتالى لا يمكن لأى مصلحة أو جهة التلاعب فى مواصفات القلادة حيث إن هذا الأمر يخضع للرقابة الشديدة من أعلى سلطة وهى الرئاسة وهذا ما ينطبق على كل الطلبات الخاصة بالتكريم سواء الأوسمة والنياشين والأنواط، وعندما يصدر لى قرار بصناعة أى من هذه الأنواع من الفضة  عيار 925 فأنا أعد التحليلات والتصميمات الخاصة بها طبقا لهذا العيار من الفضة، وبعد الصناعة تكون المراقبة والكشف والتدقيق  ونفس الأمر بالمناسبة للذهب، ونفى العميد محمد حنفى صحة ما يتردد عن صدور أوامر بتشغيل وصناعة قلادات وأوسمة من الفضة للمصريين ومن الذهب للأجانب،  وقال إن هذا  لم يحدث حيث إنه ومصلحته وكذلك مصلحة سك العملة لا يعلمون من ستمنح له هذه القلادات والأوسمة  ومن يصدر هذا القرار ونوعية المكرمين والمانحين هى رئاسة الجهورية، و بالتالى تكون مواصفات الصناعة موحدة للجميع مصريين أو أجانب ولا توجد أى عملية غش أو تحريف أو تغيير فى صناعة أو منح تلك القلادات، فالأمر الصادر من الديوان العام من رئاسة الجمهورية ينفذ بشكل كامل ودون أى نقصان. واختتم العميد محمد حنفى حديثه بقوله إنه لا يوجد عدد محدد بشأن أوامر تشغيل وصناعة القلادات، فالعدد يختلف من عام إلى آخر لطلبات الرئاسة وأعداد المكرمين أو المناسبات التى سيتم فيها التكريم، فعلى سبيل المثال من عام 2012 إلى عام 2013 تم صناعة ثلاث قلادات من الفضة فقط  ومنذ عام 2015 ومرورا بعام 2016 وحتى الآن فقد تمت صناعة سبع قلادات من الذهب طبقا لأوامر التشغيل والتصنيع الصادرة من الرئاسة. 
الأكثر قراءة