د.آمنة نصير: لم أسمح "للشغالة" بأن تسرق منى أسرتى
د.آمنة نصير: لم أسمح للشغالة بأن تسرق منى أسرتى
25 مارس 2017

تعد أسرة الداعية الإسلامية والنائبة البرلمانية د. آمنة نصير الشهيرة بـ«فيلسوفة الداعيات» والعميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية بالإسكندرية جامعة الأزهر، نموذجاً للتنوع الفكرى والانفتاح على الثقافات والحضارات، فقد ربت أبناءها على حب العلم، ورغم نشأتها الصعيدية فإنها لم تخش أن تختلط ابنتها بالمجتمع الأوروبى لأنها ربتها بطريقة صحية وصحيحة. 

كما أن  حب أبنائها لها كان دافعا لهم للتعمق فى الفلسفة رغم أن تخصصاتهم بعيدة عن هذا المجال، فابنها قاض وابنتها الكبرى أستاذة صيدلة والوسطى أستاذة  لغة فارسية والصغرى خريجة قانون وفى رحاب تلك الأسرة الطيبة كان هذا الحوار:

- ماذا عن  دور الأم فى حياة البرلمانية والأستاذة الجامعية آمنة نصير؟

دور الأم يأتى قبل النائبة والأستاذة وأعتقد أن فترة الإنجاب كانت خلال فترة دراسة الماجستير والدكتوراه، وتشهد هذه المنضدة بأننى كنت أجلس عليها وهم الأربعة حولي، أذاكر لهم دروسهم وأقوم بالتحضير لأبحاثى والموضوعات التى سأقوم بشرحها لطلبتى كأننى فى مدرسة النظام والانتظام، وكانت هذه فترة الإنجاب والتربية والأبحاث والترقية، وللعلم عندما أخذت درجة أستاذ مساعد كان أولادى صغارا وبعد ذلك كل واحد ذهب إلى حياته الخاصة وتزوج.

- هل واجهت صعوبة فى التوفيق بين متطلبات الأم والنائبة والأستاذة؟

لا أستطيع أن أقول إن تلك الفترة كانت سهلة، فأنا سيدة منظمة فى وقتي، وعندى الوقت لا يعلو عليه أى شيء، وأى سيدة تعمل وخاصة خلال فترة الإنجاب إذا لم ترتب وقتها بالشكل الدقيق لا تصلح لشيء، وعمرى ما تركت شغالة فى المنزل لكى تقوم بأى مهام أقوم بها، فكل المهام أقوم بها من أكل وشرب ونظافة واستحمام، فأنا المسئولة عن هذه الخصوصيات، ولابد من أن نقول لأمهات اليوم العاملات إن متابعة الأطفال وجلوسهن معهم يعتبر جزءا أساسيا فى التوجيه التربوى للأولاد فى هذه المرحلة، فهناك بعض الأمهات يفعلن أشياء سيئة،منها مثلا عندما يطلبن أطفالهن بالتليفون لكى يعرفن منهم ماذا يأكلون، ويعتبرن هذا «تربية مودرن» فأمهات هذا الزمان لا يستطعن أن يفهمن أن نفس ويد وعين الأم على الطفل يعتبر تشكيلا تربويا مهما جدا. 

- هل هناك من أمهات المؤمنين من تقتدين بتجربتها كأم وترين أنك تشبهينها؟

أمهات المومنين لم يكن أمهات، بمعنى أنه لم يكن لديهن أولاد تقريبا ما عدا السيدة خديجة(رضى الله عنها)، فأنا أحب السيدة خديجة بنت خويلد (رضى الله عنها) كأم وزوجة للرسول(صلى الله عليه وسلم) ولأبنائه هذه لها خصوصية لم تصل إليها أمهات المؤمنين لأن كلهن كن زوجات سابقات أو أرامل.

- كيف تتعاملين مع أولادك خصوصا أنهم أصبحوا رجال دولة الآن؟

إلى الآن لا أجعل بينى وبينهم مسافات إطلاقا، فمن الممكن أن أعرف كل أخبار ابنتى د.ابتهال ووضعها فى القسم وتعاملها مع الطلبة والطالبات، حتى فى بعض الأمور مع زملائها، فمن الممكن أن يكون لديها قلة خبرة وتأتى لى وأقوم بتوجيهها فأنا إلى الآن عينى عليهم باستمرار وأقوم بتوجيههم، وأيضا فى حياتهم الزوجية فأنا لا أقحم نفسى معهم إلا إذا طلب منى استشارة أو رأى،وعندى بنتى مثل زوجها فلا أتحيز لها على حساب زوجها، فمثلا عندما يتشاجر أى زوج من بناتى مع إحداهن فإنه يلجأ إلى مباشرة، وبمنتهى الإنصاف والأمومة أحاول أن أزيل أى سحابة تحدث بينهما وأقوم بالتنبيه على بشكل لطيف ودون أن أشير إلى أن زوجها قد اشتكى منها.

وللعلم لم أقبل أى مؤتمرات خارجية كانت تأتى لى أثناء طفولة أبنائى كنت أعتذر عنها ولم أقبل أى شىء إلا بعد نضجهم واعتمادهم على أنفسهم.   

- والداك كانا صعيديين وأفكارهما كذلك فهل كان لذلك أثر فى حياتك؟

والدتى رحمة الله عليها كانت تتمتع بطباع المرأة الصعيدية بشكل كامل، وكانت تحاسبنى إذا صدرت منى ضحكة بصوت عال محاسبة شديدة، وكانت النظرة منها تجعلنى أرتجف من الخوف، فكانت حازمة وصارمة ولذلك تربيت على الثقافة الصعيدية والتى بها الحزم والحنية والكرامة وكانت ممتلئة بها حياتنا فى منزل العائلة، وللعلم فأنا كنت طفلة غير طبيعية بمعنى أننى منذ صغرى أهتم بقراءة أى شىء يقع تحت يدى، وكان والدى(رحمه الله) يقوم بشراء الجرائد والمجلات فكنت أقرأها مما أكسبنى ثقافة أبعد من حياة القرية، وهو الذى أدى لدى إلى رغبة فى الاطلاع وأن أكمل تعليمى وأكون مثل سهير القلماوى وأمينة السعيد، وكان لابد من الدخول مع الوالد الصعيدى فى معركة حتى يتقبل دخول ابنته للجامعة والسفر إلى القاهرة.

وكشفت د.آمنة نصير عن مفاجأة أنها رغم وصولها إلى منصب عميدة كلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر فإنها لم تكن أزهرية أصلاً،وإنما التحقت بالمدرسة الأمريكية القسم الداخلى رغم أنها ولدت فى قرية «موشة» التابعة لمركز أسيوط، وكان والدها من الأعيان وكان يحرص على جمع رجال الفكر والثقافة والسياسة والعلم والدين ويجعلها تجلس معهم منذ طفولتها وتسمعهم وهم يتبادلون الأحاديث فى السياسة والشئون العامة ثم التحقت بكلية البنات جامعة عين شمس وتتلمذت على يد كبار الفلاسفة فى الوطن العربى ثم بعد تخرجها التحقت بجامعة الأزهر للتدريس بها وليس للدراسة.

- ما نصيحتك لكل أم  فى تربية أبنائها خصوصا فى عصرنا الحالى؟

أقول لأى أم لابد لك من الاقتراب من أطفالك من سن مبكرة ولا تضعى بينك وبينهم أى موانع، ولا تتركى عينك تغيب عنهم ولو لحظة واحدة، فكنت أقرأ مشاعر أولادى عند مجيئهم من الامتحانات من رنة جرس الباب، فهذا هو ارتباط الأم بأولادها فهذا شىء مهم، فلا تتركى أولادك للإنترنت وأجهزة الكمبيوتر والمحمول طوال الوقت، فهى أجهزة تخرب الشخصية وتغرقهم وتفصلهم عن عالمك الحقيقى وهذا شىء مهم لابد من الانتباه إليه.

- برأيك ما هى مشكلة الجيل الحالى من الأبناء مع أمهاتهم؟ 

كما أن الأم انفصلت عن الأولاد فالأبناء كذلك بدأوا يكونون غرباء فى بيوتهم، خصوصا بعد الـ 10 سنوات الأولى  حيث يجدون أنفسهم مع أصدقائهم أكثر مما يجدون أنفسهم داخل البيت، وأعتبر هذا أمرا فى منتهى الخطورة لأنه يقطع  الرحم بين الأبناء والأسرة، وعندما يكبر الآباء بعد ذلك يختفى  التراحم مع الأب والأم وخصوصا عندما يصلون إلى مرحلة الشيوخة، فأولادهم ينفصلون عنهم.

- هل ترين أن الأم اليوم تأخذ حقها من أبنائها بعد طول كفاح معهم؟

الأمومة فى هذه المرحلة أصبحت موسمية، فلم يعد يتحقق فيها التصاق الأبناء بالآباء والأمهات، ولذلك أعتبر أننا أكثر الشعوب التى تم إيذاؤها بالإلكترونيات أو هذا العالم الفضائى والذى شد أولادنا بعيدا عن دفء البيت والأسرة.

- وكيف يمكن تكريم المرأة المصرية من وجهة نظرك؟

طول ما لدينا الفكر المنغلق الجامد الذى يلقب نفسه بالسلفى، فالمرأة لن ترقى بما يليق بها بكل أسف، فمثلا عندما تم تعيين أول سيدة محافظة تلقيت أكثر من 40 اتصالا تليفونيا يشيرون إلى أن السلفيين استنكروا أن تصبح المرأة محافظة، أو تأخذ أى منصب غير بيتها كزوجة أو أم وأشاروا إلى أن الرسول(صلى الله عليه وسلم) قال(لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) وللعلم كان لنزول هذا الحديث قصة طويلة وليست هى المعنى المقصود به،  ولذلك فالسلفيون يصيبهم الجنون من أى تكريم للمرأة أو دور قيادى فيغضبهم كثيرا.

- ونحن فى عام المرأة ما الحقوق التى تتطلع إليها المرأة فى مؤسسة الأزهر بصفة خاصة؟

حتى الآن لم تأخذ المرأة حقها فمثلا فى جامعة الأزهر فرع البنات لماذا لا تتولى امرأة نائب رئيس الجامعة لفرع البنات وهناك سيدات أفاضل يصلحن لتولى هذا المنصب حتى من باب المواءمة أيضا هناك هيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية لا يتم تعيين امرأة ...فلماذا؟

المرأة المصرية لها خصوصية لا مثيل لها بين  سيدات العالم العربى ولا حتى المرأة الأوروبية، فالمرأة المصرية لها خصوصية فلا هى وصلت للمرأة الغنية ولا إلى المرأة الأوروبية التى أخذت حقوقها المستحقة لها ولذلك فالمرأة المصرية امرأة صبور صابرة محتسبة.

- هل حرصت على أن يسلك بناتك نفس طريقك؟ 

أنا لم أمنعهن وفى نفس الوقت لم أجبرهن على الالتحاق بالأزهر وإنما تركت لهن حرية الاختيار فكان قرارهن دراسة العلوم العصرية المدنية والتفوق فيها حتى حصلن على الدكتوراه فى تخصصاتهن، وكل واحدة منهن أخذت صفة من صفاتي، فمثلاً الدكتورة «ابتهال» الأستاذة بكلية الصيدلة جامعة عين شمس تعشق التدريس بالجامعة أما ابنتى د.”الشيماء” الحاصلة على الدكتوراة فى الآداب من جامعة عين شمس وحصلت على الماجستير من جامعة أدنبرة فهى عاشقة للفلسفة والتنظير مثلى حيث إننى أستاذ للفلسفة الإسلامية بجامعة الأزهر، وحاليا تعمل بمكتبة الإسكندرية وابنتى الثالثة “دعاء” عاشقة القانون للدفاع عن الحق، وتأثرت كذلك بتخصص والدها المستشار الدمرداش العقالي، فقد حصلت على الماجستير من إنجلترا وكذلك أخوها المستشار د.محمد الدمرداش أصبح يمتلك لغة فيها عمق القانون وجمال اللغة، فجمع بين والده وبينى فى الصبر والجلد على أن يكتب، فحتى الآن أصدر ثمانية كتب ما بين الدينية والقانونية والسياسية. 

وبسؤال الأبناء ماذا استفدتم من الأم العالمة والنائبة د.آمنة نصير؟

أجابت د.شيماء بأنها استفادت منها كل شىء كأم وأستاذة، فهى أم شاطرة فى المنزل وأفتقد هذا بجانب عملها وهذا راجع إلى التوليفة التى تقوم بها وأحاول أن أصل لها.

ومن شدة حبى لأمى وارتباطى بها أستخدم نفس الطريقة والمفردات فى تربية أبنائى والتى كانت تقوم بها فى تربيتنا.

وتتدخل د.ابتهال وتقول إنها استفادت من والدتها كثيرا وكانت المحور أو الدليل الذى أمشى مثله، ففكرة اختيارى التدريس بالجامعة كانت مسيطرة على وأنا تلميذة، لأن د.آمنة كانت المثل الذى أريده،  وهناك اختلاف بسيط وهو نوعية التخصص فأنا منذ صغرى لا أحب إلا المواد العلمية، وللعلم عند التخصص فى الكلية لنيل الماجستير والدكتوراة تخصصت فى علم يعتبر فى علومنا هو فلسفة علوم، الصيدلة.

وأخذت من والدتى كيفية أن أكون أستاذة فى الجامعة وأعطى لطلابى العطاء المطلوب، وفى نفس الوقت أكون فى قمة الحنان كأم ومتى الحزم معهم، وأنا كرئيس قسم حاليا هناك أشياء كثيرة أستحضر فيها الذى أراه فيها كعميدة لكلية الدراسات الإسلامية، ولا أنسى ما كانت تقوم به أمى لأى طالبة تقوم بعمل دراسات عليا بالكلية بأن تقوم بعمل عزومة كبرى لأهل الطالبة واللجنة المشرفة بالإضافة إلى العمداء السابقين، فكل هذه المعانى حفرت داخلى وزادتنى فخرا بأمى واكتسبت خبرتى العلمية والمهنية منها.

ويحدثنا الدكتور المستشار محمد الدمرادش فيقول إن أهم شىء تتميز به والدته الإصرار، فهى تأخذ قرارها وتكمل فيه طريقها ولا يوقفها شىء ولا تخاف إلا الله ولا تهاب الهجوم، وأنا كرجل قضاء يهمنى جدا أن أرضى ضميرى وأبحث فى الملف الموجود أمامى أو المسألة المعروضة على ثم آخذ القرار بعد أن أجهد نفسى فى وسائل البحث ولا أخاف بعد ذلك، حيث أن القاضى لو خاف فلن يستطيع أن يقضى قضاء متزنا متبصرا من الأوراق التى أمامه، فهذا ما تعلمته من أمى بالإضافة إلى الحب والحرص على العلم وعدم التوقف عند عمر معين فى العلم، فكانت الداعم لنا جمعيا بعد أن انتهينا من شهاداتنا، وكلنا من أوائل كلياتنا بجهدنا ولم يحدث فى يوم من الأيام أن تدخلت الوالدة لصالح أحدنا، لدرجة أننى فى مناقشة رسالة الدكتوراه فوجئ المناقشون بأن د.آمنة موجودة فى المناقشة وعندما علموا بأننى ابنها   قالوا   لماذا   لا  تخبرنا؟

أيضا تعلمت منها حكمة الفليسوف عندما يتم عرض أمور عليه أو إشكالية فلا يكوّن رأيا مسبقا،  وقد أحببت الفلسفة حبا فى والدتى وفى عقلها وتطور الأمر بعد النضوج حتى أصبحت رجل قانون بعقل فليسوف.

الأكثر قراءة