تراثنا المأكول
تراثنا المأكول
29 أبريل 2015

عائدة لتوى من رحلة بالصعيد. توقفت فيها فى كثير من مدنه: الأقصر، أسيوط، سوهاج، المنيا.. طفت وشفت ودُقت... شفت عيش خمرته حرارة شمس السطوح وحبات كشك كورتها أيادى شابة فى فسحاية الدار... فريك صعيدى متحصن من السوسة ومرقى ببخور رايش القمح.. وبلح افترش حصيراً ليجف. وبلاليص عسل مليانة بعصارة 100 عود قصب منياوى شارب حلاوته من الأرض.
بس الأهم شفت محاولات أو تحايلات جد لى قديم عاش على الأرض دى زمان شفت تحايلات المصرى ضد الطبيعة وسرعة فساد المزروعات وإزاى حولها بحيلته لخزين يقعد فى بيته لغاية ما يحول الحول ويطلع من جديد القمح والبلح والقصب.
ما هذه الحكمة العالية؟؟!!... ما هذا الزخم الحضارى؟؟!! أليس هذا تراثاً مصرياً وإنسانياً رائعاً بتعريف منظمة اليونسكو للتراث الإنسانى. تلك المنظمة التى التفتت منذ مطلع الألفية الحالية إلى مناحى «التراث غير المادي» أو كما أطلقوا عليه «Intangible Cultural Heritage» لتضيفه إلى اهتمامها الأصيل والقديم بالتراث الإنسانى والعالمى الملموس من آثار وقطع متحفية ومدن قديمة.
ومنذ مطلع الألفية تقريباً هرعت الدول لتضع موروثاتها الحضارية والفنية والتاريخية من موسيقى ورقصات واحتفالات وفنون وحتى ألعاب تحت مظلة وحماية هذه الهيئة توثيقاً وصوناً لها.
ونحن اليوم وبعد أكثر من عقد كامل على بداية هذا المشروع نجد قائمة اليونسكو تضم فيما تضم مثلاً موسيقى التانجو كتراث للأرجنتين وأوروجواى. والأوبيسون الفرنسى بجانب السجاد الفارسى الاصفهانى والكاشانى. كما تضم بعض موالد الأولياء من الدول الإسلامية والكثير من الاحتفالات الدينية الهندية إلى جانب الخط الصينى والصيد بالنسور العربية. مع رقصات بنات هاواى وجلسات الصهبجية وفن الأراجوز أو «القراجوز» التركى كما تضم الخبز الأرمنى جنباً إلى جنب مع القهوة التركى بأدبيات عملها وتناولها واحتفالات الربيع الألمانية وأعياد رأس السنة الفارسية مع الفلامنكو الإسبانى والوخز بالإبر الصينية وغيرها كثير من الإفرازات الحضارية للإنسان فى قائمة تطول وتربو اليوم على الـ 300 نشاط تراثى، لم يذكر فيها من التراث المصرى – وما أدراك ما التراث المصرى – سوى ملحمة السيرة الهلالية التى يشكر على مجهوده فيها الخال الأبنودى.
ولكن ألم تجد مصر فى كل تراثها الإنسانى ما تتقدم به لليونسكو سوى السيرة الهلالية. علماً بأن أحد الشروط أو المتطلبات تبعاً لميثاق اليونسكو لاعتبار النشاط الإنسانى تراثاً هو نظرة المجتمع نفسه لذلك النشاط على إنه تراث. لأنه على حد تعبير المنظمة «ليس بوسع أحد آخر أن يقرر لشعب أن أياً من أنشطته أو ممارساته هى من أصيل تراثه».
إذاً فهو دورنا. دورنا أن نحمل قصاقيص تراثنا بأكلاته، بأعياده وموالده، بغناه وإنشاده نحمله كله فوق رؤوسنا اعتزازاً وحباً. وأن نطالب مسئولينا بالسعى لإدراجه ضمن قائمة التراث غير المادى لمصر.

الأكثر قراءة