حبيبى.. طال الانتظار
حبيبى.. طال الانتظار
27 أغسطس 2016

 

أخذت رانيا القلم وبضع أوراق...كتابة خطاب لزوجها ليست بسهولة وتلقائية التحدث معه وجها لوجه. بعد عدة محاولات وتقطيع للورق والإعادة مرة أخرى...أخذت نفسا عميقا...أغمضت عينيها...تنفست ببطء...أمسكت القلم بثقة وبدأت الكتابة:

«حبيبي...أم زوجي العزيز؟ أم أبو عيالي؟ أم شريك العمر؟

لا أعلم بما أبدا وكيف أكتب ولا حتى سبب الكتابة ولكنى أريد ذلك بشدة! ..هل أكتب بالعامية أم بالفصحى؟ 

دعني أكتب بقلبي! 

وحشتني أوي...فعلا وحشتني...أول مرة أكتب لك جوابا...كان دايما التليفون بيقرب البعيد...صوتك بيصبرني على فراق صورتك! صوت ضحكتك يصبرني عن رؤيتها. لم أكتب لك من قبل...ربما كتبت لك رسائل على البريد الإلكتروني...ولكنى أبدا لم أكتب لك خطابا بالرغم من كثرة أسفارك وترحالك بعيدا عن بيتنا. كنت دائما تشبه البيت بالمرسى...تذهب بمركبك لأطراف الدنيا وترجع للمرسى مرة أخرى لتستقر بيننا...لتدفئ قلبي وتنير حياتي...عندما أنظر لحياتي أرى أنها كانت فترات طويلة رتيبة وهي فترات الانتظار...ثم فترة صغيرة منيرة وملونة وشديدة البهجة وهي فترة وجودك بيننا...كنت دائمة الاتنظار...وأبدا لم أتبرم أو أشكُ لأحد. كان اشتياقي إليك أكبر من أي ألم مررت به. تمنيت كثيرا ان تصطحبني معك ولكنى كنت بالنسبة لك “علامة الطريق” ولم تود تغيير مكانها..فالوطن والبيت لا يمكن فصلهما...هكذا كنت تفكر!...تذهب يمينا ويسارا ثم تستقر بعتبة بيتي...وتدور حول العالم وتسافر برا وبحرا وجوا ثم تستقر بجانبي. كنت أنا البيت...والبيت بالنسبة لك كان الحياة! 

لا أنكر أنك تألمت أيضا...الترحال...الغربة...الوحدة...افتقادك لأولادك...حزنك وحيدا لفراق أبيك وأمك للدنيا وعدم تمكنك من الوداع الأخير...تفويت كل المناسبات الخاصة مثل أعياد ميلاد الأولاد...تخرجهم من المدرسة...حفلة تخرج كل منهم من الجامعة...تجنيد الولد...مشاركة البنت في الأعمال الخيرية وانعكاسه على شخصيتها...كل نكات التوءم الصغار...عندما ترجع من السفر أول شيء تفعله هو قياس طولهم على مسطرة الحائط...وتحسب كم من السنتيمترات فاتتك...كنت تبتسم ولكنى أعلم أن بقلبك شرخا ودموعا...كنت تفاجأ بكل شيء...بتعلمهم اللغات الأجنبية...الأعمال اليدوية...القيادة...الغطس...أصدقائهم...كنت تتألم وكان مستواهم الاجتماعي والمادي الذي توفره لهم يصبرك على الفراق.

لقد راعيت الله وربيت أربعة أفراد نافعين في المجتمع... لم أفشل في تربيتهم رغم قسوة الوضع...أم وحيدة تربي ثلاثة أولاد وبنت...كم كانت الصعوبات وكم كانت التحديات...كنت أبا وأما في نفس الوقت...أحاسب وأعاقب وأكافئ... كنت أراقب وأبلغك بما اكتشفته وكنت أنت تهدئ من روعي وتخفف عني وطأة المسئولية... كنت بجانبي رغم الغربة الدائمة. أحمد الله على وجودك بحياتي...أبدا لم أكن أتمكن من إتمام رسالتي لأولاك... مهندس ومحاسبة وطيار وموظف بالخارجية...كلهم يتكلمون اللغات ويؤدون فروض دينهم... لم يخب أملي ولم يخزلني الله.

حبيبي... ما زالت صورتك كما هي في ذهني منذ آخر لقاء قبل سفرك الأخير... ما زال صوتك بأّذني توعدني بالاستقرار بعد طول سنوات المعاناة.... ما زال بقلبي رجفة من خوف فراقك!

حبيبي...طال السفر.... وطال الانتظار... واختفت فترات البهجة... لقد تزوجوا جميعا...ورزقوا بالأطفال...وبقيت أنا «علامة طريق» لا أكثر ولا أقل.... لقد انتهى دوري... لقد انتهت الرحلة!

حبيبي.... إنى قادمة... لنكون معا.... لا أصبر على البعاد... لم أعد أطيق الفراق...أنا أعلم أنه قد حان الميعاد.

حبيبي قل لي.... هل للقبر وحشة؟ أم أنه روضة من رياض الجنة؟

ليتك تزورني في أحلامى لتطمئن قلبي كما عهدت منك... أنار الله قبرك... وليهون الله عليّ الحساب.

آمين!

الأكثر قراءة