في قلب البحار والمحيطات: المدن العائمة .. حلم العلماء والمليونيرات
المدن العائمة أو الجزر الصناعية، فكرة تبدو وكأنها مأخوذة عن فيلم من أفلام الخيال العلمي، لكنها بالرغم من غرابتها وصعوبة تنفيذها، فإن بعض الدول تخطط لإنشائها وتخصص لتصميماتها وتنفيذها المليارات من
الدولارات ليتحول الحلم إلى حقيقة في المستقبل، المدن العائمة عبارة عن هيكل ضخم يأخذ أشكالا وتصميمات مختلفة ومبتكرة، لكنه في النهاية بمثابة مدينة متكاملة الخدمات لها القدرة على أن تطفو في عرض البحر أو المحيط، وتبنى فوق سطح هذه المدن منازل وفنادق ومدارس وملاهي وكازينوهات ومحال تجارية ومتنزهات وغيرها من المنشآت الخدمية التي توجد في أي مدينة عادية على سطح الأرض، ومن الممكن أن تزود المدينة بمهبط للطائرات الهليكوبتر ووسائل خاصة للمواصلات تتيح التنقل من مكان إلى آخر داخل المدينة، ومنها المصاعد الرأسية والدراجات والسيارات التي تعمل بالطاقة الكهربائية، ويحلم العلماء بأن تكون هذه المدن صديقة للبيئة، حيث تعتمد على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح كمصادر رئيسية للطاقة اللازمة للحياة اليومية على سطحها، وحرص العلماء في التصميمات التي وضعوها على أن تتماشى مع متطلبات المستقبل لتستوعب الزيادة السكانية في العالم، مع مراعاة احتمالية حدوث الكوارث الطبيعية مثل الزلازل والفيضانات.
والأعاصير، ومن الممكن أن تصل مساحة المدينة العائمة إلى 30 مليون قدم مربعة، وأن يسكنها ما يقرب من 40 ألف نسمة، وأشار العلماء إلى أنه قد يختلف تصميم كل مدينة وفقا للمكان الذي سوف تقام فيه في عرض البحر أو المحيط من حيث الظروف المناخية وطبيعة مياه البحر أو المحيط وارتفاع الأمواج والمد والجزر وغيرها من الظروف الطبيعية التي قد تؤثر في سلامة المدينة مع مرور الأعوام لضمان سلامة سكانها إلى أقصى درجة ممكنة، وتثبت المدينة في قاع البحر بواسطة أسلاك وكابلات ضخمة غير قابلة للصدأ أو التأكسد حتى لا تترك لحركة الأمواج، على غرار بناء محطات التنقيب عن النفط العائمة .فهناك كابلات تربط المحطة في قاع البحر، وستكون هناك أيضا مجاديف ومحركات تتحرك دائما عكس حركة أمواج البحر لزيادة ثبات المدينة.
مؤسسة "T.S.I." الأمريكية، التي أعلنت عام 2012 عن رغبتها في إنشاء أول مدينة عائمة، أشارت إلى أنها تسعى إلى مد التوسع البشري والحضاري إلى البحار والمحيطات بعد أن أصبح كوكب الأرض بأكمله
يخضع لسيطرة البشر ولم تعد هناك يابسة لم يصل إليها الإنسان فلم يتبق سوى مياه البحار والمحيطات ليغزوها الإنسان، بخاصة أن المياه تغطي نحو 70% من كوكب الأرض، وهذه المؤسسة تابعة للولايات المتحدة الأمريكية وأسسها باتري فريدمان حفيد رجل الاقتصاد الأمريكى الشهير ميلتون فريدمان و لا تهدف إلى الربح و مقرها الرئيسي في ولاية كاليفورنيا، ويقول شارلي ديست المتحدث الرسمي باسم المؤسسة أن رجال الأعمال والكثير من الأثرياء حول العالم يتبرعون لدعم أهداف المؤسسة وتنفيذ مشروعاتها، وكانت المؤسسة قد بدأت بالفعل أولى خطواتها عن طريق شركة "بلوسيد" التابعة للمؤسسة، حيث أعلنت عن تأسيس أول مدينة عائمة تحمل اسم الشركة ذاتها، لكن المشروع توقف منذ عام 2014 وبالرغم من ذلك لا يزال الحلم يراود العلماء وأثرياء العالم حتى الآن لتحقيقه في يوم ما، وكان من المقرر أن تطفو المدينة العائمة في مياه المحيط الهادي على بعد 19 كيلومترا من سواحل ولاية كاليفورنيا الأمريكية، وبالتالي وفقا للقوانين الأمريكية لا تخضع لسلطات ولاية كاليفورنيا، وكانت ستقدم خدمات خاصة لأصحاب الشركات ورجال الأعمال من جميع أنحاء العالم من غير الأمريكيين الذين تتطلب أعمالهم زيارة الولايات المتحدة الأمريكية لإنجاز بعض المهام أو عقد الصفقات من دون الاضطرار إلى التعرض للتعقيدات التي يواجهونها أثناء استخراج تصاريح أو تأشيرات دخول الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يكتفي بالاطلاع على جواز السفر لتستخرج إدارة المكان تصاريح سياحة للمقيمين في المدينة، وهي أوراق حكومية يسهل استخراجها في غضون ساعات.
وللعلم فإن فكرة إقامة مدينة عائمة ليست جديدة، فهي تعود إلى عام 1960 عندما طرحها قائد عسكري بريطاني يدعى بادي باتس، حيث ابتكر تصميما لسفينة ضخمة بها جميع المقومات لإقامة مدينة مستقلة في عرض البحر، وكان الغرض من محاولة إقامة جزر صناعية تطفو على سطح الماء منذ الستينيات الخوف من المستقبل سواء من تزايد أعداد سكان العالم أو من الكوارث الطبيعية المحتملة بسبب ارتفاع درجة حرارة الأرض و الزلازل والأعاصير والفيضانات، إضافة إلى محاولة الهروب من الضجيج والزحام والتلوث، وكذلك حب المغامرة والبحث عن كل جديد، من جهة أخرى قوبلت الفكرة بهجوم وعدم اقتناع من قبل الكثيرين معللين رفضهم للفكرة بخطورة وجود مدن لا تتبع دولا بعينها مؤكدين أن ذلك من الممكن أن يكون مرتعا خصبا لأعمال غير قانونية بخاصة أنها لن تخضع لأي جهة رقابية ولن يطبق بها أي قوانين دولية.