مثل الزهور سرعان ما يذبل
مثل الزهور سرعان ما يذبل
مشاهدات: 233
30 نوفمبر 2015

“كلَّ ليلةٍ/ قبل صلاةِ النومْ/ أهمسُ:/ أيها الملكُ سليمانْ/ ها أنا وجدتُها

وجدتُها/ تلك المرأةَ التي/ ثمنُها/ يفوقُ اللآلئ.”

***

[من قصيدة: «يفوق اللآلئ» |  ديوان: “الأوغاد لا يسمعون الموسيقى»  | فاطمة ناعوت ] دار «العين» ٢٠١٦

كما يأتي الحبُّ دون دعوة، بوسعه كذلك أن يتبخّر دون إنذار. ولهذا غنّت ڤايوليتا، في أوبرا ڤيردي التراچيدية «لا تراڤياتا»: «دعنا نعيش للبهجة وحدنا، طالما الحبُّ، مثل الزهور، سرعان ما يذبل.»

عرّف أفلاطون هذه السِّمة في ربِّ الحب الذي تخيّله الإغريق، فقال: «بحكم الطبيعة، فإن إله الحبّ ليس خالدًا ولا غير خالد. أحيانًا في يوم واحد يضرب بسهمه في قلب الحياة... ثم يموت، ثم... يعود للحياة من جديد.» الحبُّ مُتقلّبٌ ذو نزوات، متطاير، متذبذب، غير ثابت؛ بوسعه أن يتبخّر، يُضرم نيرانه، ثم يخبو من جديد.

  ولأيّ أمدٍ يستمر سحرُ الحب؟ لا أحد يعرف. فريق من علماء الطب العصبي استنتجوا مؤخرًا أن الحب الرومانتيكي يدوم على نحو طبيعي بين اثني عشر، وثمانية عشر شهرًا.  والحقُّ أن دراسة العلماء للمخ البشري تقترح أن الحب بوسعه أن يدوم سبعة عشر شهرًا. على أنني كبروفيسور في الأنثروبولوجي أراهن أن أمد الحب يختلف على نحو كبير، تبعًا لطبيعة الشخوص المتورطين في الحب. معظم الناس قد شعروا بحال عابرة من الافتتان تستغرق أيامًا فقط أو بضعة أسابيع. وكما تعلمون، وكما أثبتنا من قبل، حينما تكون هنا عوائق للعلاقة، فإن ذلك الأجيج قد يظل مشتعلا لسنوات عدة. لأن المحن تؤجج العشق الرومانتيكي. على أن هذه النيران في القلب تميل إلى أن تخبو إذا ما انخرط العشاق في حال الاستقرار اليومي من المتع، حيث يتم إحلاله في منطقة أخرى من المخ: التواصل- الشعور بالسكون والتوحد مع المحبوب.

هل بوسع الحبّ أن يتخذ صورًا عديدة؟ بالطبع، بوسع الحب الرومانتيكي أن يتخذ أشكالا عدّة. بوسعك أن تستيقظ وحيدًا في منتصف الليل تغمرك مشاعر اليأس والإحباط. ثم تأتيك مهاتفة أو إيميل من حبيبتك في الصباح فتبدأ آمالك في الانتعاش. ثم تقابل حبيبتك على العشاء فتتكلم وتضحك فتتحول فورة مشاعرك إلى حال من الأمن والسلام. بعد العشاء تقفزان على فراشك لتقرآ معًا في كتاب، وسرعان ما تغمرك الرغبة الجنسية. ثم في الصباح تختفي حبيبتك وقد نسيت أن تقول لك: إلى اللقاء، ثم تُخلف معك موعدها القادم أو تُخطئ وتناديك باسم آخر- فتدخل في حال اليأس والقنوط والكآبة من جديد.

«يا لها من مطاردة للفرح وسعي محموم نحو ما لا يأتي! يا له من صراع من أجل ما يهرب! يا لها من لعبة الرقّ والمزمار! يا لها من فورة البهجة المتوحشة؟» هكذا كان يعرف چون كيتس بوضوح أن الحب الرومانسي ما هو إلا ثورة اضطراب جُماعها دوافعُ متباينةٌ على نحو وحشيّ ومشاعر مختلطة من حالات ذهنية لا حصر لها. العطف والحنان، الفرح، الرغبة، الخوف، القلق، الشك، الغيرة، الترقب، الارتباك، عدم الارتياح، الخجل: في أية لحظة يمكن لهذا التليسكوب من المشاعر أن ينزاح، ثم يعاود الانزياح من جديد لزاوية جديدة.

«الحب أفضل ما يُشبّه به هو الفيضانات والأعاصير»، هكذا كتب السير ولتر رالييه. نسبح في هذا المد والجزر. ولكن علماء النفس بوجه عام يميّزون بين نوعين أساسيين من الحب الرومانتيكي: الحب المتبادَل- وهو المصحوب بالتحقق والفرح؛ والحب غير المتبادَل- أي المصاحب للخواء، والقلق والهم والأسف. جميعنا تقريبًا جرّب بهجة الحب وأوجاعه.

لسنا وحدنا في ذلك الأمر. في كتابه: «التعبير عن العواطف عند الإنسان والحيوان»، يفترض تشارلز دارون أن الإنسان يتشارك مع الحيوانات «الدنيا» في كثير من المشاعر. بالفعل، الكثير من الحيوانات ذات الفراء وذات الريش تلك التي تشاركنا هذا الكوكب يبدو أنها تشعر بنسخة ما من العشق الرومانتيكي. وهو ما سنتكلم عنه في مقال قادم. للحديث بقية.