«لنرى الإنسان فينا»
«لنرى الإنسان فينا»
مشاهدات: 283
25 يونيو 2016

من اللافت للنظر أن «رفض كل ما هو مختلف عنا» هو القيمة الوحيدة في طور النمو والانتشار الدائم في مجتمعاتنا؛ ما شاء الله! قيمة أخطبوطية سريعة الانتشار في كل الأقطار العربية! تتغذى تاره على اختلاف الأديان والمذاهب وتارة على اختلاف اللون أو الجنس أو القبيلة وتارة أخرى على التوجه الفكري أو السياسي ولكن الغذاء الأساسى لها هو عدم القدرة على الإصغاء للآخر.

وإذا لم نجد سببا للاختلاف، أبدعنا بإيجاد أسباب جديده للتعصب ومنها الفني والرياضي وحتى القروي والمدني والشمالي والجنوبي والأسمر والأشقر...  ما أنزل الله به من سلطان، ومنها الأسباب «شكله لا يطابق مزاجي!» حتى نزيد من هوة الخلافات اللامنطقية والحروب ما بيننا. كل ذلك مبني على قناعة فوقية غامضة بأننا متفوقون على الآخر وبذلك فقدنا قدرتنا على الاستماع للآخرين وأصبحنا المتكلمين الغوغائيين دائما، والفائز منا هو من يرفع صوته أعلى من الصوت الآخر ليعبر عن عدم تقبله له لأنه ليس صوره طبق الأصل منه، ويتردد في أذني صدي كلمات الشاعر التونسي أنيس شوشان «فقبول الاختلاف عندنا ليس إلا غلاف اختلاف اللون يؤذينا اختلاف الشكل يؤذينا اختلاف الفكر يؤذينا اختلاف الدين يؤذينا حتى اختلاف الجنس يؤذينا لذا نحاول اغتيال كل اختلاف فينا يحولنا لبعضنا سمًا زعافا....» نحن محاطون بمفاهيم وصور يومية تجسد كل أنواع التعصب وعدم تقبل الآخر؛ - «يا ابيض، يا اسود»: وما بينهما مجرد أطياف لا مرئية - «يا معي، يا ضدي»: الولاء يلزمك بأن لا ترى وأن لا تسمع أو تتكلم - «يا يشبهني، يا يحل عني»: رجاء أن لا تقنعني بجمال العرق الصيني أو الياباني، وَيَا سلام على الفلبيني! - «طبعا أنا ابن الأصل والفصل وكل من دوني، هو دون»؛ أتريدين أن تجلس الخادمات معنا في رمضان على مائدة الإفطار ؟؟ العين ما تعلى على الحاجب؟؟ - «يا من ديني ومذهبي يا كافر»: إذا هي غير محجبة فهي كافرة - «يا صح، يا خطأ»؛ طبعا لا أوافق منطق أن رأيي صواب ولكن قد يحتمل الخطأ! يا صح 100 % يا خطأ 100 % - «أهلاوي وبس والباقي كله خس:)؟» تتهمني بانعدام الروح الرياضية ظلما وأنا أفدي فريقي بروحي! - يا ليبرالي، يا رجعي متخلف؟ لا تحاول أن تحرجني وتطلب مني تعريف كلمة ليبرالي أو رجعي، المهم المعنى العام!! تعالوا سويا لنتعلم أدب الاختلاف، ولنتذكر أننا لم نختر الدين أو الطائفة أو الجنس أو أللون أو البلد الذي ننتمي إليه، كلها بمشيئة الله وليس لنا فيها أي فضل أو قرار. إذن لننبذ التكبر ولننصت ولنستمع للجانب الآخر، لنتقبل جميعا أن كل رأيي صائب قد يحتمل الخطأ وكل رأيي خاطئ قد يحتمل الصواب، كله يعتمد عَلى انفتاحنا لسماع ودراسة الجانب والرأي الآخر والبحث عن الحقيقة بنقد الذات قبل الآخر والإيمان بالرابط الإنساني الذي يربطنا جميعا بالرغم من اختلافاتنا التي تزيدنا جمالا وحيوية.

وأعود لشاعرنا الحكيم أنيس شوشان وأجمل ما قال عن التعصب: (هاااا أنا أمامكم بلونى بشعرى بشعرى بأطوارى بأفكارى فأنا لا أخافكم أنا لا أخاف اختلافكم عنى لأننى منكم ولأنكم منى دعونا نخلق فنا، دعونا نغوص في الحلم لنرسي ثقافة بلا سخافة وأن يكون الرقي فينا أسمى خلافة دعونا نذوب الأعراف والأجناس والأطياف والأفكار والألوان والأديان ولا نرى سوى الإنسان).