د. خالد الغمرى: العقل النقدى المتفتح يحميك من أكاذيب «نبوءة العصر»
د. خالد الغمرى: العقل النقدى المتفتح يحميك من أكاذيب «نبوءة العصر»
12 فبراير 2019

 

د.خالد الغمرى أستاذ مساعد اللغويات الحاسوبية بجامعة عين شمس والحاصل على الدكتوراه من جامعة أنديانا بالولايات المتحدة الأمريكية، أحد مؤسسى «مرصد المحتوى العربى على شبكة الإنترنت»،وشارك كذلك فى تأليف كتاب قضايا الشباب العربى فى الفضاء الرقمى وله العديد من الأبحاث والدراسات حول دور المعالجة الآلية للغة العربية والمحتوى الرقمى العربى والمتابعة الآلية لاتجاهات الرأى فى التواصل الاجتماعي، وله العديد من المقالات فى جريدة الأهرام والدراسات فى مجلة لغة العصر.

وصدر للدكتور خالد الغمرى كتاب «نبوءة آمون» عام 2014 حول تأثير جوجل على عالم الاقتصاد والسياسة، وتأثير فيسبوك وغيره من مواقع التواصل الاجتماعى على العلاقات بين البشر وآداب الحوار وكيف تحولت العلاقات الإنسانية إلى مجموعة من الأزرار والرموز.

 

فى البداية ماذا عن  فكرة الكتاب والتحضير له؟

فكرة الكتاب بدأت بعد مشاركتى فى أربع دراسات إحصائية تفصيلية عن دور الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعى فى الحراك السياسى فى مصر فى 2011. نشرت نتائج الدراسة فى جريدة الأهرام ومجلة لغة العصر. ولفتت نتائج هذه الدراسات نظرى إلى صراع من نوع جديد بين الأجيال: أجيال جديدة متسلحة بتكنولوجيا جديدة ومنصات إعلامية بديلة تميل لتمكين الجماهير على حساب النخبة، وأجيال أقدم تربت فى بيئة الإعلام التقليدى بطبيعته الهرمية حيث قلة تنتج المحتوى وكثرة تستقبله. وفى 2013 أصبحت الفكرة أكثر نضجا واتضحت تفاصيلها أكثر بعد مشاركتى فى مشروع مؤسسة الفكر العربى لرصد حالة المحتوى الرقمى العربى على الإنترنت. من خلال العمل فى المشروع توافرت لدى تفاصيل أكثر عن عالم الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، وبدأت بالفعل فى كتابة سلسلة مقالات فى جريدة الأهرام، هذه المقالات كانت بذرة نبوءة آمون. والكتاب محاولة لتناول عالم الإنترنت ومواقع التواصل بأسلوب سردى يحافظ على دقة المعلومة لكنه فى نفس الوقت مشوق يشد إلى القراءة،فقد اعتمدت على حكايات تاريخية وأساطير قديمة، وأبرزها هنا  الأسطورة الفرعونية التى جاء منها اسم الكتاب.

وماذا تقول الأسطورة وما علاقتها بالكتاب؟

عندما اخترع «تحوتي» الكتابة راح يقترح على آمون أن تكون متاحة لباقى المصريين لكى يستخدموها لأنها سوف تجعلهم أكثر حكمة وأقوى ذاكرة، لكن آمون حذره قائلا: إن تأثير اختراعك هذا سوف يكون عكس ما تقول، سيصيب نفوس المتعلمين بالنسيان لأنهم لن يستخدموا ذاكرتهم، وسوف يعتمدون على هذه العلامات الخارجية ولن يستطيعوا أن يتذكروا بأنفسهم عن طريق قدرات من داخلهم.

وهذا الاختراع لا يقدم للمتعلمين الحقيقة بل شيئا آخر يشبهها. سوف يسمعون الكثير ولن يتعلموا أى شيء. سوف يبدو عليهم وكأنهم أحاطوا بكل شيء علما، لكنهم فى الحقيقة لا يعرفون شيئا.. فمع ظهور كل اختراع يسهل إنتاج المعلومات والمعرفة ونشرها وتخزينها، وييسر التواصل بين البشر، يظهر فريقان: المتحمسون مثل تحوتي، والمتخوفون مثل آمون. وتظهر نبوءات عن الابتكارات الجديدة تشبه نبوءة آمون عن الكتابة، والتى يمكن تلخيصها فى أن إتاحة المعلومات ونشرها وإمكانية حفظها بطريقة يسيرة سوف تضر بالذاكرة وتعطى إحساسا كاذبا بالمعرفة، وأن التواصل وسط كل هذا سوف يولد حالة من الصخب، فالكل مقتنع بأنه «يعرف» وأنه يريد أن يتكلم ليقول ما يعرف، فينتهى الأمر بأن الجميع يتكلم ولا أحد يسمع.

-وهل الإنترنت مُعلم أم لا؟

الإنترنت ومواقع السوشيال ميديا فيها كل الإمكانات لأن تكون منصات معرفية غير مسبوقة فى تاريخ البشرية لنشر مصادر العلم والمعرفة وتداولها، ولأن تكون منصات إنسانية للوصول إلى محتاجين لا يهتم بهم الإعلام التقليدى ومساعدتهم. لكن للأسف كل هذه الفرص مدفونة تحت طبقة سوداء سميكة من سوء الاستخدام والخلاف السياسي.

- كيف يمكن تحقيق الاستفادة الكاملة من معلومات وسائل التواصل؟

أن يكون هناك هدف واضح لتعلم مهارة أو علم محدد جدا ووضع برنامج زمنى لذلك والالتزام به. ونركز هنا على الالتزام لأنه من السهل جدا فى عالم الإنترنت أن ينسى المستخدم بسرعة هدفه الأساسى ويبدأ فى التجول الحر بين المواقع. وهذا يقودنا إلى نقطة مهمة وهى أن من أخطر نتائج مواقع التواصل الاجتماعى والإنترنت عموما هو ال over-exposureأو التعرض الزائد والمستمر للمعلومات للأخبار ولتفاصيل حياة ملايين من البشر، فمستخدم هذه المواقع قد يرى ويسمع ويقرأ فى يوم واحد ما كان يمر عليه قبل ذلك فى سنوات زحام مكثف ومستمر وجرعة زائدة من كل شيء وتخمة عقلية ونفسية واجتماعية لا تتوقف. طبعا بالإضافة إلى أن نسبة غير صغيرة مما يتعرض له مستخدم الإنترنت قد تكون شائعات أو أنصاف حقائق أو أخبارا وصورا وفيديوهات مفبركة، وهذا يعود بنا مرة أخرى إلى ضرورة النظر إلى ما يقدم على الإنترنت بعقل نقدى وتحليلى فليس كل ما ينشر على الإنترنت صحيح.

- ورسالتك للشباب؟

أن يستخدم الإنترنت فى التعلم المستمر لمهارات جديدة وتطويرها باستمرار. وأنا هنا لا أتحدث عن المهارات التخصصية فقط وإنما أيضا عن المهارات التى تساعد الشاب فى إبراز مهاراته التخصصية فى أفضل صورة، مهما كان التخصص، مثل مهارات: التسويق، والتواصل،والتفاوض، وإدارة الأزمات وغيرها. هذه المهارات ركز عليها المنتدى الاقتصادى الأخير كمهارات ضرورية لسوق العمل حاليا وفى المستقبل القريب. الإنترنت تتيح تعلم كل ذلك لمن يريد. فعدد كبير من الجامعات العالمية أتاحت مناهجها العلمية كاملة على الإنترنت بشكل مجاني. هذه المناهج تغطى كل المجالات تقريبا ومتاحة بالصوت والصورة. الأمر الثانى الذى انتشر على نطاق واسع فى السنوات الأخيرة هو استخدام الإنترنت ومواقع التواصل كمصدر للرزق وخاصة القنوات على يوتيوب.

- لماذا أصبحت الإنترنت البيت الثانى لكثير من الشباب بل تكاد تكون البيت الأول؟

سؤال مهم جدا وملاحظة دقيقة. الإنترنت عموما ومواقع التواصل خصوصا أعطت براحا للبشر للتجول الافتراضى والفضفضة والتواصل، بشكل مستمر وسهل جدا عن طريق شاشة ومجموعة أزرار. فإنشاء العلاقات فى هذا العالم سهل وكذلك إنهاء العلاقة فالعلاقة تبدأ بذر وتستمر خلال الضغط على مجموعة أزرار (لايك شير إلخ) وأيضا تنتهى بضغطة ذر.. وبالتالى ليس هناك مواجهة فى الواقع بما يسهل إدارة العلاقات الاجتماعية وخلق انطباع بأن الإنسان يسيطر تماما على حياته الاجتماعية. طبعا غياب التواصل وجها لوجه فى العالم الافتراضى قد يغرى بأن يقول الإنسان أشياء أو يفعل أمورا لا يفعلها فى الواقع غالبا، وهذه جاذبية أخرى، وخاصة للشخص المنطوى أو الذى يجد صعوبة فى الدخول فى تفاصيل العلاقات الاجتماعية فى الواقع. ويمكن أيضا أن نضيف أن الإنترنت ومواقع التواصل سهلت إمكانية وصول الإنسان إلى أشخاص يشبهونه فى الأفكار والآراء والتواصل معهم بشكل منتظم ومستمر. الناس عندهم عشم فى التكنولوجيا أكثر من عشمهم فى الآخرين، ومنتظرون من التكنولوجيا أن تعوضهم عن الآخرين بشكل ما.

-وكيف تأثرت العلاقات الاجتماعية داخل الأسرة بسبب هذه المواقع؟

عموما كلما تظهر تكنولوجيا جديدة للتواصل يأتى تأثير من نوع جديد على العلاقات الاجتماعية والتواصل بين البشر عموما. عندك مثلا التليفزيون، ظهوره أثر بشكل ما على ضرورة الخروج من البيت بحثا عن الترفيه فى السينما أو الأندية أو حتى الموالد الشعبية، بعد أن أوصل التليفزيون الترفيه للبيوت. ونفس الشيء حصل للتواصل مع اختراع التليفون، ومع تطوره إلى التليفون المحمول.

أما السوشال ميديا فأعتقد أنها كشفت أو فضحت هشاشة العلاقات بين بعض البشر، وأنها لم تدمر لا علاقات ولا أخلاق ولا مؤسسات ولا كيانات تقليدية. هذه الأشياء كانت قد ماتت تقريبا أو انتهت صلاحيتها بالفعل فى بعض المجتمعات من فترة وما هذه المواقع إلا دابة الأرض التى كشفت ذلك، مع الفرق فى القياس. أمر آخر، وهو أن ما كان يقال ويُفْعَل زمان فى غرف مغلقة، أصبح الآن يقال ويفعل على مرأى ومسمع من ملايين البشر فى العالم (الرقمي) وأصبحنا نعرف عن الآخرين بقصد أو بدون قصد أكثر بكثير مما نريد والنتيجة «تخمة اجتماعية»ولامبالاة وعدم الاندهاش لشيء. والغريب أن مستخدم هذه المواقع يمكن أن يعرف أدق التفاصيل عن حياة غرباء أكثر مما يعرف عن حياة أفراد أسرته.

- ما رأيك فى النصب عن طريق الإنترنت؟

سوف ألخص لك الموضوع فى رقمين: حسب تقرير مكتب التحقيقات الفيدرالية الأمريكى كان حجم «النصب» على أمريكيين من خلال الإنترنت فى 2017 هو حوالى مليار ونصف المليار دولار. وهذا فى أمريكا وحدها. وحسب التقرير الذى أصدره «مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية» بالاشتراك مع شركة «مكافي»، كلفت الجرائم الرقمية الاقتصاد العالمى أكثر من 600 مليار دولار فى عام 2017.

- ما أخطر ظوهر مواقع التواصل الاجتماعى وعالمها الزائف فى رأيك؟

ظاهرة «انهيار السياق» وهى من أخطر الظواهر التى انتشرت مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يخرج ما نكتبه وننشره على هذه المواقع من دائرة الأصدقاء الذين لديهم بعض المعرفة بأفكارنا ومواقفنا ليصل إلى غرباء عنا لا يعرفون لماذا قلنا ما قلناه ولا فى أى سياق فيفسر كل متلق ما يقرأه حسب هواه. ولم يكن أحد يتوقع مثل هذه الأمور فى بداية ظهور هذه المواقع.

من النتائج غير المتوقعة لإتاحة المعلومات والأفكار التى جاءت مع الإنترنت ومواقع التواصل، أن اكتشف كثيرون أن هناك أفكارا ومعلومات كثيرة غير ما يعرفون وأن هناك ملايين البشر يختلفون معهم وعنهم، فما كان منهم إلا أن لجأوا إلى أكثر نسخ أفكارهم مغالاة للدفاع عن سلامهم النفسى والعقلي. أما من ناحية «الزيف السياسي» واستخدام هذه المواقع فى تضليل الرأى العام، فهناك ما يعرف بفكرة الإغراق وهو من التكتيكات المستخدمة فى تضليل الرأى العام على مواقع التواصل الاجتماعي، عن طريق لجان إلكترونية ويقوم على فكرة أن «الكثرة تغلب الحقيقة». وكان أكبر مثال على ذلك ما حدث أثناء انتخابات الرئاسة الأمريكية فى 2016 وتأثير اللجان الإلكترونية الروسية على الرأى العام الأمريكى عن طريق الإشاعات والأخبار الزائفة. كما ذكرت أن المعلومات كائنات هشة جدا، يمكن تبديلها وإعادة صياغتها بسهولة حسب الأهواء والمصالح.

هل خرجت وسائل التواصل الاجتماعى عن أهدافها؟

يجب هنا الإشارة إلى أمر مهم جدا وهو أن مواقع التواصل وخاصة فيسبوك\إنستجرام لم تعد منصة للتواصل الاجتماعى بل تحولت إلى حقل تجارب ضخم لـ «الهندسة الاجتماعية» واستخدام «تكنولوجيا الإقناع وتغيير السلوك» لكى يقضى المستخدم أطول وقت ممكن على الموقع، وكشف جوانب أكثر من شخصيته بما يساعد فى رفع مستوى الدقة فى توجيه الإعلانات وبالتالى زيادة أرباح هذه الشركات. ومنذ فترة نشرت صحيفة أسترالية وثيقة من ٢٣ صفحة تم تسريبها من مقر فيسبوك فى أستراليا. الوثيقة تستهدف مستخدمى الموقع من المراهقين وتشرح بالتفصيل خوارزميات أو طرق آلية تسمح لفيسبوك والمعلنين طبعا بمعرفة «اللحظات التى تهتز فيها ثقة المراهق بنفسه ويحتاج إلى شحنة من الثقة بالنفس». هذه اللحظات حسب الوثيقة تضم قائمة من المشاعر السلبية التى يمر بها المراهق والتى تقول الوثيقة إنه يمكن معرفتها آليا من خلال سلوك المراهق على فيسبوك. منها شعور المراهق بأنه:

«worthless,» «insecure,» «defeated,» «anxious,» «silly,» «useless,» «stupid,» «overwhelmed,» «stressedand«afailure.».. طبعا «شحنة الثقة بالنفس» هى منتج ما يزداد شعور المراهق بالحاجة إليه إذا كان يمر بحالة من هذه الحالات.

الأكثر قراءة