طفلان
طفلان
مشاهدات: 126
30 يناير 2019

 

كان يظنُّ البيتَ الصغيرَ

قصرًا،

وإصّيصَ الوردِ

حدائقَ فردايسَ،

والبيسكليتَ النحيلةَ

أُسطولاً ومواكبَ؛

….

فلمّا دخلَ الكوخَ الخشبيّ،

وأنصَتَ إلى فيروزْ

تحكي عن أطفالٍ يعدّونَ قروشَهم

من أجلِ شجرةِ الميلادْ،

سقَى معها الزَّهرَ،

وأحبَّها أكثرْ.

***

كان يظنُّ الفُرُشَ وثيرةً

والوسائدَ

حريرًا وريشَ نعامْ

وعلى الأرائكِ

تدنو القطوفُ اليانعاتُ؛

….

فلما جرحتْه خشونةُ الأخشابْ

في كوخِها

ووَخَزَهُ شَوكُ الصُّوفِ

في خِدْرِها؛

حضنَها في قلبِه،

وأحبَّها 

أكثرْ.

كان يظنُّها ملكةً

تحوطُها الحاشيةُ والخدمُ،

تسعى الجواري الفاتناتُ لراحتِها؛

….

فلما شاهدَ الصَّبيةَ 

وحيدةً

ترتبكُ في عدِّ قروشِها الشحيحةِ؛

لكي تُطعِمَ قططَها الجائعاتْ

وتسقي زهورَ الشرفةِ

بماءِ وحدتِها؛

ضفّرَ جديلتَها بشريطِ الحريرْ،

وأحبَّها

أكثرْ.

***

كان يظنُّ المباهجَ 

تسكنُها

والأغاريدَ

تُدثِّرُ وسائدَها،

….

فلما لمحَ الوحشةَ تجولُ في بيتِها

مثل وحْشٍ صموتْ،

سكبَ في كأسها شيئًا من الفرحْ

وقبّلَ شفتيها الظامئتين،

وأحبَّها

أكثرْ.

***

كان يظنُّها مزدحمةً،

تغزو العيونُ عالمَها

والعاشقون؛

….

فلما أبصرَ المكتبةَ حزينةً

والكتبَ

صامتةً على الأرففِ

تحملُ جثامينَ عشّاقِها الموتى:

جبرانَ وغاندي ولوثر؛

عرفَ كيف تُجيدُ الصَّبيةُ

غزْلَ وحدتِها؛

وأحبَّها 

أكثرْ.

***

كان يراها نجمةً 

تسكنُ العُلا

تملكُ شعاعًا وجواهرَ وأقواسَ قزحٍ؛

….

فلما أطعمته من يدِها

حِفنةَ مِلحٍ

وكِسرةً

من خُبزٍ ناشفْ؛

قطّرَ في صحنِها زيتَ زيتونْ،

وأحبَّها 

أكثرْ.

***

كان يظنُّ أن اليقينَ يسكنُها

تعرفُ أسرارَ البدايةِ

والنهاياتْ،

سمعتْ همسَ حواءَ لآدمَ

وراء الشجرةِ الأولى

وانتظرتْ معهما

دون جدوى -

دمَ الخلاصِ

أو نورَ جزيرةِ الصحراء؛

….

فلما قرأ حَيرتَها

وسمعَ طرْقَها الغاضبَ

على بابِ بوذا ولاما وابنِ العذراءِ وزارادشتْ،

فتّش في جيبِها

فوجدَ عظامًا

لحفريّاتِ الأسلافِ القِرَدَة،

وكثيرًا من السؤالِ

يسكنُها،

احتواها بعينيه عميقتين،

فغامَ الدمعُ على صفحةِ العسلْ،

دسَّ في يدها حِفنةً من الرحمةِ،

وأحبَّها 

أكثرْ.

***

كان

مثلها -

يظنُّ بُرجَ الكهرباءْ

نخلةً خضراءَ مورقةً؛

….

فلما صدَّه الحديدُ والرَّصاصْ؛

ولسعتْ أصابعَه شُحنةُ الكهرمانْ،

عرف أنهما

معًا -

طفلانِ

يتعلّمان الحياة.

الأكثر قراءة