وجبة إفطار مع آندي (الحلقة الأخيرة)
وجبة إفطار مع آندي (الحلقة الأخيرة)
مشاهدات: 189
23 يناير 2019

الجمعة.

مذكراتي الحبيبة. شقيقي «آندي» الآن في التواليت. وأنا محبوسة في غرفتي، لكن بوسعي سماع جلبته. آمل أن يخرج اليوم للعمل. حلمتُ حلمًا سيئًا الليلةَ الماضية عن أبي. حلمتُ أنني كنتُ عائدة إلى البيت من المدرسة ووجدته ميتًّا عند قاع السُّلَّم، عنقه مثنية ورأسه ملتوٍ تماما. «آندي» كان يجلس على الدرّج ينظر بفزع، وبعدها صحوتُ وتذكّرت أنه لم يكن حُلمًا. هذا ما حدث بالفعل.

بكيتُ طويلا. بكيتُ نهرًا كاملا من الدمع. أتذكّرُ كيف جعلني «آندي» أجلس معه على الدَرَج وأنظرُ إلى الأسفل حيث كان أبي ملقى على الأرض، وكيف كان يفتعّلُ ضجيجا هزليًّا، وكيف أنه لم يبكِ على أبي. ربما لم يبك لأن أبي كان يضربه أحيانًا. ربما كان ذلك هو السبب. لا أدري.

بعد برهة ذهب «آندي» إلى الهاتف وكلّم بعض الناس. أتذكّر كيف جاءت سيارةُ الإسعاف وأخذت أبي. وضع «آندي» ذراعيه حولي وأمسكني لمدة طويلة. ربما لساعة أو نحو ذلك.

-    «لوسي، لم يعد هناك غيرك وغيري الآن.» قال “آندي”.

 

وكان على حق، لأن أحدًا لم يأت لزيارتنا بعد ذلك. كنت أحب السُّكنى على بعد أميال من أي مكان قبل أن يموت أبي، قبل أن ينزع «آندي» الهاتف من البيت. أكره ذلك الآن. الأشياء حولنا أصبحت عبثية منذ ذلك الحين. ليست عبثية بمعنى ها- ها، بل أصبحت عبثية بشذوذ.

لا أظن أن «آندي» افتقد أبي، ولو قليلا، لكنني أفتقده. أفتقده بشدة. أبي الآن أصبح مجرد حفنة رماد في جرّة. وإذا أخفقتْ خُطّتي فأنا على ثقة بأن «آندي» سيستمر في التهامه كل يوم. ملء ملعقة من جسد أبي كل صباح. ويومًا ما سيفنى أبي تمامًا. سوف يغدو مجرد جرّة فارغة فوق رفِّ المطبخ.

ذهب آندي إلى العمل. شاهدته يمشي صوب الشاحنة. لم يكن على ما يرام.

 

***

 

السبت.

يومياتي الحبيبة. هذا الصباح نزلتُ للإفطار وكان «آندي» جالسًا هناك إلى طاولة المطبخ. بدا مريضًا جدًّا ومعتوهًا جدًّا. أشفقتُ عليه، تقريبًا.

-   « لوسي الصغيرة.» همسَ “آندي”. «لوسي لوكيت الصغيرة.»

كنت أحب أن يناديني هكذا. جلستُ إلى الطاولة.

كان قد انتهى من إعداد مكونات صحنه الخاص من «الكورن فليكس»، السكر، زجاجة الحليب – لكنه لم يملك القوة لفتح غطاء جرّة أبي. ذهبت إليه وفتحتها له. نظر إليّ وتدلّى فكّه مفتوحًا.

-   « هل تشاركينني فيها؟» سأل “آندي”.

-   « لا،» أجبتُه. «لكنني لا أمانع في أن أساعدك.»

 

بدا سعيدا إلى حدٍّ ما. كان لا بد من أن أوقف نفسي من الشعور بالتعاطف معه. أغمد «آندي» ملعقته في جرّة رفات أبي. وقتها بدأت كل ذرّة من طاقته تتلاشى، ولم يستطع إخراج الملعقة ثانيةً. ثم راح يبكي.

-    « أنا آسف أني حبستك في غرفتك،» قال “آندي”. «أنا آسف على الكثير من الأشياء يا لوسي. ساعديني أكثر من فضلك.»

مددتُ يدي، جذبت الملعقة ورششتُ خليطَ رماد جثمان أبي مع سمِّ الأعشاب فوق صحن «الكورن فليكس» الخاص بآندي. ثم أضفت السكرَ واللبن. ابتسم لي «آندي» بامتنان.

بعد برهةٍ، بدأت أُطعمه بنفسي.

(تمت)

***

الأكثر قراءة