الخلاط
الخلاط
مشاهدات: 231
18 ديسمبر 2018

سوف يبدو العنوان مختلفا للبعض ولكنى كتبته دون أى تفكير..  حيث شعرت مؤخرا بأن الخلاط هو الرمز البسيط لحياة الكثيرين وما يعايشونه الآن.. وقد قررت منذ سنوات قليلة اعتزال أكبر قدر من الخروجات المزدحمة والمتكدسة، وبالفعل نجحت فى ذلك فيما عدا الحالات الطارئة والتى تخص المحببين إلى قلبى فقط، وقد تحايلت عليها بأن أذهب متأخرة فيفوتنى أكبر قدر من الضجيج والمجاملات الشكلية المحفوظة من الحضور بالإضافة إلى فقرة الصور، أو أذهب مبكرة لأقوم بالواجب وبالتالى أترك المكان قبل الازدحام.. وبدأت أشعر بالراحة والارتياح فى الجلسات الضيقة والمغلقة على المحببين والمقربين إلى قلبي، والتى لا تكلف فيها ولا اصطناع.. تلك التى أشعر فيها بأننى وسط أهلي.. لا أحمل لها هما ولا أشغل بها بالا.. أرتدى ما أراه أمامى وأقول ما يأتى على بالي.. مجرد إحساسى بأن أكون على طبيعتى أصبح يمدنى بالسلام النفسى وهدوء الأعصاب اللازمين لإتمام كل ما على من واجبات وأشغال.. 

بمنتهى  البساطة، أصبحت أشعر بأن فى الوقت بركة!

وكنت قد بدأت أشعر بالاختناق وسط الزحام والنظرات والضحكات والموبايلات والتصوير وعندى أسبابي.. أصبحت أراقب النظرات المستترة وأكشف الضحكات الصفراء ولا أميل إلى الصور التى لن تصبح ذكرى أحافظ عليها وأنظر اليها وأفتقد من فيها أو أضحك على بسمات من القلب تظهر فيها.

ورجوعا للعنوان، فقد أصبحت أرى الكثيرين وأنا منهم نجرى ونلهث وراء العديد من الأحداث التى تجرى فى حياتنا اليومية.. ترى منا من تستيقظ على خبر فقدان عزيز فتجرى لصلاة الجنازة وعلى الفور تعود لتستعد لسهرة أو عشاء أو العكس.. بل إننى قد أرى أن بعض السيدات الآن من الممكن أن يحضرن عزاء ما فى المسجد وهن مرتديات السواد ثم بقليل من أدوات التجميل وبعض الإكسسوارات وتغيير لون الحذاء أو الشنطة أو كليهما تٌصبح مستعدة للذهاب إلى عشاء أو حتى حفل..

الخلاط الذى نحيا فيه.. نختلط ونتخلط.. ثم نشكو من الاختلاط وتوابعه ومشاكله.. من ضيق الوقت ونحن من جعلنا الوقت قصيرا بما نضعه فيه وما نتوقع إنجازه فيه.. نجرى ونشكو أن المشاوير أصبحت بعيدة ونتحرك من اليمين إلى اليسار دون انقطاع، وننسى أن لكل شخص طاقة وأن تنظيم اليوم والوقت يتم تدريسه فى بعض الجامعات لأقسام مثل إدارة الأعمال حتى يتم التخطيط والنجاح فى المشاريع المستقبلية..

كل هذا ونحن ندور ونلف وننسى أهم شيء وهو أنفسنا.. ننسى أو نتناسى أن لأبداننا علينا حقوقا.. ولا نعطيها هذه الحقوق وبالتالى نشكو ونظل نشكو.. ننسى ونتناسى أن إثقال البدن بالهموم يٌثقل النفس بهموم أكثر.. وأن الوجع الجسمانى يتسبب فى الأوجاع النفسية.. لا نٌدرك أن هذا ما هو سوى إهمال لأنفسنا.. وكثيرا ما يعتقد البعض أن الاهتمام بالنفس أنانية وأنه تفضيل للنفس على الغير وبغض النظر عن أنه شيء مطلوب إلا أنه خطأ كبير.. فمن يهتم بنفسه دائما يعطى مساحة للآخرين بالاهتمام به ويكون قدوة للجميع للاهتمام بأنفسهم وبمن حولهم.. 

هذا الإنسان يخلق لنفسه طاقة إيجابية وهالة نور.. يتحفز للعمل والعطاء والإنتاج والحب.. ويكون مستعدا لهم.. وأذكر هنا مثلا إنجليزيا مٌحببا جدا لنفسى معناه «الإنسان لا يستطيع أن يسكب من الكوب الفارغ.. اهتم بنفسك أولا».. فالاهتمام بالنفس يٌصفى الحالة الذهنية وبالتالى يجعل تفكير الإنسان أنضج وما يراه أوضح..

لنٌعيد ترتيب أولوياتنا.. وليكن كل منا فى الأولوية بالنسبة لنفسه ولحياته ومستقبله.. لنترك الزحام وأهله ونتوقف عن الاختلاط الزائد عن حده ونبتعد عن فعل كل ما ليس نابعا من قلوبنا.. وألا نحاول إرضاء من حولنا إن لم نكن فى حالة توافق تام مع كل أحوالنا.. حتى المجاملات، إن لم تنبٌع من قلبنا ولم نعنها فهى ضارة لنا قبل غيرنا.. 

لم أقصد بتلك الكلمات أن يعيش الإنسان وحيدا منعزلا وألا يختلط بالناس، وإنما أدعو إلى العلاقات الصحية المفيدة.. التى تنتهى كما بدأت.. بابتسامة بشوشة نصوحة وكلام صادق من القلب ونصيحة الغرض منها هو المنفعة والسعادة.. 

كثرة المعارف لا ضرر منها طالما تم تقنينها ولكن الأصدقاء الحق هم من نحتاجهم فى حياتنا.. يثرونها ويضيفون إليها المذاق والحب.. ولنجدهم لا بد أن نكون منهم.. أن يكون الصدق والإخلاص والحب من القلب منهج حياتنا.. فلن نحصٌد سوى الخير طالما زرعنا خيرا ولن نحصد سوى الحب طالما زرعنا حبا.. وأخيرا.. لن يتم هذا إلا بأن نبدأ بأنفسنا وعلاقتنا بها.. نعم.. أن نصحح علاقاتنا مع أنفسنا فى الدليل على صحة علاقاتنا مع من حولنا.

الأكثر قراءة