ألوان من العنف ضد المرأة
ألوان من العنف ضد المرأة
مشاهدات: 147
16 ديسمبر 2018

إيمان شابة فى منتصف الثلاثينيات من عمرها، أعرفها منذ أن كانت فى سن الرابعة عشرة، وكانت آنذاك قد أجبرت على ترك المدرسة  قبل عدة سنوات حيث خرجت للعمل وذلك لمساعدة أهلها كعادة أهل الريف،  إيمان كانت متوقدة الذكاء تسكنها الأحلام فى غد أفضل،  لذا أصرت أثناء عملها على الالتحاق بفصول محو الأمية حتى تستطيع القراءة والكتابة وكانت تتمنى أن تكمل تعليمها يوما لكن للأسف لم يتحقق  لها هذا الحلم أبدا، حيث ظلت تعمل لسنوات  طويلة حتى تنتهى من توفير تكاليف بناء بيت لاثنين من أشقائها الرجال وهى عادة متأصلة فى كثير من القرى فى مصر  والتى  تعتمد الأسر فيها وبشكل أساسى على  دخل بناتهم من العمل للإنفاق على باقى أفراد الأسرة. وبعد أن انتهت من ذلك قامت بالاستمرار فى العمل  لحين الانتهاء من توفير نفقات زواجها. كانت شروط إيمان فى شريك حياتها بسيطة فقد كان شرطها الأول ألا يكون مقيما فى بلدتها وإنما فى إحدى المدن،  لم يكن هذا الشرط طمعا فى بعض من الرفاهية أو كراهية لقريتها وإنما لأنها كانت ترى أن فرص العمل فى القرية قليلة جدا وهى لا تريد أن يتعرض أولادها لنفس ما تعرضت له. وتمر سنوات طويلة قبل أن ألتقى إيمان  مرة أخرى، حيث وجدتها تحمل طفلا على يدها وآخر يتعلق بملابسها،  كان يبدو عليها  الرضا وهى تقول لى بفخر إنها قد انتهت من تعليم نفسها  الحروف الإنجليزية وكذلك العديد من الكلمات والجمل عن طريق الإنترنت وذلك من أجل مساعدة أبنائها فى الدراسة عندما يحين موعد التحاقهم بالمدرسة. اعتبرت كلامها هذا  كافيا للاطمئنان عليها ولم أسألها على زوجها  أو ظروفها. حتى فوجئت باتصال منها منذ عدة أيام تطلب لقائي. وعندما حضرت فوجئت بأنها حامل للمرة الثالثة  ووجدتها تسألنى إن كنت  أستطيع أن أدبر لها عملا لدى أي من الأصدقاء،  قلت لها تعملين وأنت هكذا وزوجك ماذا يفعل؟ قالت زوجى كان يعمل يوما ويجلس فى المنزل ثلاثة حيث يعتبر أن كل مسئولياته هى تدبير إيجار الغرفة التى نقيم بها وما يفيض منه يلبى به احتياجاته من سجائر وخلافه،  تضيف إيمان: فى بداية زواجى لم تكن المصاريف كثيرة لذا لم تكن هناك مشكلة وعندما زادت المصاريف  صرت أبيع ما أملك من ذهب ثم من منقولات ثم  اضطررت  لأن أعود للعمل حتى أدبر مصاريف الأولاد، حيث كنت أترك له الأولاد حتى أعود من العمل وكثيرا ما كنت أعود لأجده تركهم عند الجيران ونزل،  تقول إيمان: المشكلة أن عملى الذى كنت أقدم عليه عن طيب خاطر للمشاركة فى تكاليف الحياة، أصبح فرضا علي،  وما أصررت عليه من عدم الزواج فى بلدتى مخافة أن يحدث لأولادى ما حدث لى صار يطاردنى وأنا فى المدينة، فنظرا لعدم التزام زوجى بالمواعيد طرده صاحب العمل، وأصبحت ملزمة بتوفير الإيجار ومصاريف أولادى وفوق ذلك قيمة علبة سجائر له عند عودتى للمنزل،  استغثت بأبي فقال إنه يسمح لى بالعودة لبيتنا فى البلد بشرط أن أترك أولادى لزوجي. وهو المستحيل بعينه،  فرغم أن زوجى لا يتعاطى المخدرات ككثيرين حولنا فى المنطقة التى نقيم بها. ولا يقوم بضربى كما يحدث مع بعض جاراتى اللاتى يقمن بكل ما أقوم به ومع ذلك أزواجهن يتطاولن عليهن عند أى تقصير. أى أنه أفضل من غيره ورغم ذلك لا يمكن أن أحمله مسئولية أبنائي. إيمان كانت تطلب منى البحث عن عمل فى حراسة أى عقار مما يوفر لها إقامة وعملا فى نفس الوقت مما يسمح لها بتعليم أولادها الذين سيلتحق أكبرهم بالمدرسة هذا العام. قصة إيمان قصة متكررة نسمعها يوميا وربما تتشابه مع مئات القصص فمن واقع الأرقام  والإحصاءات فى مصر نجد أن من 35% إلى 40% من الأسر فى مصر تعولها المرأة، إذن هناك عشرات الألوف من القصص كإيمان. أذكر هذه القصة الآن وذلك بمناسبة حملة مكافحة العنف ضد المرأة والتى أتابع بعضا من الفاعليات التى تقوم بها بعض مؤسسات المجتمع المدني، حيث تركز نسبة كبيرة من الجمعيات على محاربة العنف ضد المرأة من  خلال مكافحة  التحرش، فى حين تبنت جمعية أخرى  محاربة العنف من زاوية الاغتصاب الزوجى على  اعتبار أن مباشرة الرجل  لزوجته دون رغبة منها هو نوع من العنف ينبغى محاربته،  وهى حملات تتشابه مع الحملات التى أطلقت فى الدول الأوروبية ودول كثيرة حول العالم والتى تركز على نفس هذه القضايا تقريبا والتى  اتخذت اللون البرتقالى هذا العام كلون مميز لمحاربة العنف ضد المرأة. ومع قناعاتى بأهمية تلك الحملات وضرورتها فى مجتمعنا لأنها  تمس مشاكل موجودة بالفعل،  ولكنى كنت أتمنى أن يكون بجانبها حملات أخرى يفرضها الواقع فى مجتمعنا، مثلا كحملة   تتبنى حالات كإيمان والتى يوجد مثلها مئات الألوف فى بلدنا، فتطلق حملة لمكافحة عمل المرأة بالإكراه من قبل أسرتها أو زوجها. فعندما تجبر المرأة على العمل لتنفق على زوجها السليم المعافى ناهيك  عن إنفاقها على أبنائها، لهو نمط  من أنماط العنف اليومى الذى يتكرر أمامنا فى كل مكان ولكننا لا نلتفت إليه لمجرد أنه  ليس مدرجا فى قوائم أنماط  العنف المتعارف عليها دوليا، وإذا كانت  حملات محاربة  العنف ضد المرأة فى دول العالم الغرض منها المحافظة على كرامة المرأة وعدم تعرضها  للإهانة  وعدم سكوتها عليه فى حال تعرضها  لذلك. فإن المجتمع المصرى بحاجة لحملات حتى تعرف أن هذا نمط من أنماط العنف الذى تتعرض له والذى ينبغى رفضه،  علينا أن نعلمها أن "ظل رجل ولا ظل حيطة" مثل عفى عليه الزمن،  علينا أن نعلمها أن الاختيار السليم للزوج يحميها من أشكال العنف سواء كان العنف اللفظى أو الجسدى أو الإكراه على العمل أو الحرمان من التعليم لبناتها  الصغار. علينا أن نضع أيدينا على أشكال العنف الذى تتعرض له المرأة المصرية بشكل خاص  فلو أضفنا تلك القضايا  إلى قائمة اهتمامنا بأنماط العنف الأخرى  فحتما  سنجد نسبة كبيرة من مصر ستصطبغ باللون البرتقالي.

نور الكلمات:

"المرأة هى مكونة المجتمع، فلها عليه تمام السلطة.. لا يعمل فيه شيء إلا بها، ولأجلها". أناتول فرانس

الأكثر قراءة