الفتاوى الصالحة والفتاوى خرابة البيوت
الفتاوى الصالحة والفتاوى خرابة البيوت
مشاهدات: 861
1 نوفمبر 2018

أثناء مطالعتي للصحف اليومية فوجئت بأن إحداها تنشر في الصفحة الأولى فتوى صادرة عن دار الإفتاء حول رأي الدين في إنفاق الزوج على الزوجة المريضة وكانت الإجابة بأن تكاليف علاج الزوجة من دواءٍ وأجرة طبيبٍ هي ضمن النفقة الواجبة شرعًا على الزوج تجاه زوجته تبعًا لقدرة الزوج المالية يُسْرًا أو عُسْرًا.

وبغض النظر عن أنني لست من مؤيدي نقل الفتاوى من هذه النوعية إلى الصحف وكثيرا ما أعطي تنبيهاتي للزملاء في الموقع الإلكتروني للمجلة بعدم التعرض للفتاوى المثيرة للجدل والتي ينقلها بعض منهم أحيانا من دار الإفتاء بدعوى أنها تحقق قراءات كثيرة . ولكني فى الحقيقة توقفت أمام هذه الفتوى ليس لمجرد نشرها في الصحيفة وإنما لغرابتها في أن هناك من يسأل مثل هذه الأسئلة. فهل من الممكن أن هناك شخصا يجد زوجته وأم أولاده مريضة ولا ينفق على علاجها وغلبني الفضول للتعرف على السؤال بالتفصيل فاطلعت على الموقع الخاص بدار الإفتاء ورغم أن السؤال في حد ذاته كان مختصرا فإن الإجابة وصل عدد كلماتها إلى حوالي الـ 2500كلمة !

ورغم أن المفتي في المقدمة والخاتمة كان يحث على ضرورة إنفاق الزوج على زوجته المريضة أما المتن فكان يحمل أشياء أخرى، منها على سبيل المثال اتفاق جمهور العلماء على عدم إنفاق الزوج على زوجته في مرضها. فنصا يقول «ورغم اتفاق الفقهاء على وجوب النفقة للزوجة على زوجها، فإنهم اختلفوا في تعيين صفاتها ومشمولاتها: فحَصَرَهَا جمهور الفقهاء في الطعام والشراب والكسوة والسكن والخادم ، ولم يجعلوا منها نفقة العلاج من دواءٍ وأجرة الطبيب ونحوها:

واستدل الجمهور لما ذهبوا إليه من عدم شمول نفقة الزوجة كُلفةَ علاجها بقول الله تعالى: «لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللهُ» حيث إن الله عز وجل أوجب على الزوج النفقةَ المستمرةَ لزوجته، ونفقةُ العلاج من الأمور العارضة؛ فلا تدخل بذلك في النفقة الواجبة، ولأن شراء الأدوية وأجرة الطبيب إنما تُرَادُ لإصلاح الجسم؛ فلا تلزم الزوج؛ 

ويقول العلامة العمراني الشافعي في «البيان» ولا يلزمه أجرةُ الحجامة والفصد، ولا ثَمَنُ الأدوية، ولا أجرةُ الطبيب إن احتاجت إليه؛ لأن ذلك يُرَادُ لحفظ بَدَنِهَا لِعَارِضٍ؛ فلا يلزمه؛ كما لا يلزم المستأجرَ إصلاحُ ما انهدم من الدار المستأجرة، وفيه احترازٌ من النفقة والكسوة؛ فإن ذلك يُحتاجُ إليه لحفظ البَدَنِ على الدوام).

وأراد المفتي أن يلطف هذا الكلام الصادم فقال أما ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من عدم شمول النفقةِ الواجبةِ الدواءَ وأجرةَ الطبيب» فقال فإنما ما قرره الفقهاء كان في واقعٍ مختلفٍ عن واقع الناس اليوم، ومِن المعلوم أن تغيُّر الزمان يترتب عليه في الغالب تغيُّرٌ في الأعراف والعادات ومِن ثَمَّ الاحتياجات». وللحق فإنني أستغرب هل كان من الضروري وأنت يا سيادة المفتي ترد على الفتوى أن تذكر تلك الروايات التي تساوي المرأة بالجماد وكأنها شيء الغرض منه تحقيق أغراض الرجل ومصلحته وخدمته وبالتالي تجب عليه النفقة في الأمور التي تحقق أغراضه منها أما ما يحقق لها هي نفعا فغير مفروض عليه . هذا الكلام البعيد عن الإنسانية وعن صحيح الدين وذلك حسب قناعاتي كمسلمة . هل كان ينبغي ذكره في الإجابة واعتباره من اجتهاد ورؤى كبار العلماء وماذا لو استند الزوج الذي أرسل لك سؤاله على هذا الجزء وأهمل نصحيتك له باعتبارهم هم الأصل، لا سيما وأن سيادتك تجلهم وتعظم قدرهم وأنت تذكر قبل أسمائهم العالم الجليل والعلامة الخ. أليس في ديننا مبدأ يقول «درء المفاسد مقدم على جلب المصالح» ألم يكن من الأفضل عدم ذكر هذه الروايات المنتهية الصلاحية بحكم الزمان والمكان والاستدلال بالروايات التي تزيد من روابط الحياة الأسرية . فمثلا الآية الكريمة «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون «.فعدم إنفاق الزوج على زوجته في حال مرضها يتعارض تماما مع تلك الآية الكريمة التي تؤكد أن الرابطة الأساسية للزواج هي المودة والرحمة . هل تتخيل يا فضيلة المفتي لو أن هذا السائل قرر عدم الإنفاق على زوجته كيف سينظر أبناؤه إليه وما هو مصير تلك السيدة وماذا لو فعلت الزوجات بالمثل وبمجرد أن يمرض أزواجهن يقررن هجرتهم وعدم خدمتهم . والحقيقة أنني راجعت عددا من الفتاوى الأخرى ففوجئت بأنها تحمل نفس الأفكار التي عفا عليها الزمن لذا فإنني أعيد طرح سؤالي هل كان من الضروري لدار الإفتاء وهي تجيب على البسطاء أن تذكر لهم مثل تلك الروايات التي يضر ذكرها أكثر مما ينفع وهل من الضرورة عند تعليم الطلبة في الأزهر لمثل تلك الروايات أن نجعل منها المرجع الأساسي للإفتاء، وهل هذا أمر مفيد للإسلام والمسلمين في زمننا هذا. أعلم أنه تم عمل مؤتمر موسع منذ عدة أيام عن الإفتاء في العالم الإسلامي. ولكني لا أعتقد أن هناك من لديه القدرة على اتخاذ القرار الجريء والضروري من ضرورة تنقية رؤى واجتهادات الفقهاء الأوائل وربطها بزمانها فهي في النهاية ليست قرآنا. أعتقد أن تجديد الخطاب الديني الذي ينادي به الرئيس السيسي ومن ورائه غالبية المصريين ينبغي أن يبدأ من دار الإفتاء ومن طريقة توصيل المعلومة للبسطاء بشكل يتفق مع صحيح الدين ودون الاعتماد على بعض الآراء التي تثير الجدل وربما الفتن في أحيان كثيرة .

نور الكلمات:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وخياركم خياركم لنسائهم». السلسلة الصحيحة للشيخ الألباني

الأكثر قراءة