ابني يكره المدرسة
ابني يكره المدرسة
مشاهدات: 253
29 أكتوبر 2018

تقول الحكمة «افعل ما تحب، فإن لم تستطع فأحب ما تفعل» ويقولون إن سر النجاح أن يحب المرء ما يفعله ويتحمس له، فالحب والولع بأي شيء والحماسة يمنح المرء القدرة علي التحمل ومواجهة الصعاب، ولكن هل بالحب وحده يتحقق النجاح؟! وهل حب الطالب وانتظامه في الحياة الدراسية وحصوله على أعلى الدرجات في الاختبارات ضمانة لنجاحه في حياته المستقبلية أو مقياس لدرجة ذكائه؟.

 أسئلة فرضت نفسها عندما صاحت صديقتي مولولة «ابني يكره المدرسة ورافض يروحها.. مش فاهمة جرى له إيه مع إنه ذكي ومن الأوائل»!

قالت الأستاذة الجامعية «باينها شوطة.. الغريب أن الطلبة الذين تبهرني تعليقاتهم وإجاباتهم في الامتحان غير منتظمين في حضور المحاضرات»!.

قالت صديقتنا التي اعتدنا منها تعليقات أشبه بطلقات الرصاص العشوائية في توقيتات غير ملائمة مما أكسبتها عن جدارة لقب «أم لسان فالت»: «أكيد محاضراتك مملة!» ثم استدارت لصاحبة الشكاية قائلة «القرد في عين أمه غزال!» تنمرت أم الطالب والأستاذة الجامعية، وقبل أن تقلب الجلسة بغم تدخلت «أم العريف» التي حصلت على لقبها لولعها بالقراءة وتأمل أحوال الدنيا والناس قائلة «من قال إن الطلاب الأذكياء لا بد أن يحبوا المدارس؟! ومن قال إن الحصول على أعلى الدرجات في المدرسة شرط للنجاح في الحياة العملية؟! 

قبل أن تقذفها صاحبة «اللسان المفلوت» بواحد من تعليقاتها الكفيلة بأن تجعلها تطبق شفتيها وتتوقف عن الكلام مثل شهرزاد في ألف ليلة وليلة، طلبت منها الإيضاح فقالت «معظمنا  يتصور أن من حققوا نجاحات في حياتهم كانوا شغوفين بمدارسهم ويحصلون على أعلى الدرجات، مع ذلك ففي حياتنا نماذج للنجاح لم يظهر أبطالها ولعا أو شغفا بالدراسة الأكاديمية أو المواد الدراسية، وأغلب الظن أنه لو أتيحت لهم حرية القرار لاختاروا مسارات أخرى، ولو لم توفر لهم ما حققوه من نجاح في المجالات التي اضطروا لقبولها على مضض!

كلام جميل وفيه بعض من الحقيقة، بل لقد رأيت بعيني نماذج اعتبر أصحابها المدرسة مضيعة للوقت!، لكنه مع الأسف لم يحل مشكلة صديقتنا التي يرفض ابنها الذهاب للمدرسة ولم يخفف إحباط الأستاذة الجامعية. تحولنا جميعا لمجلس حكماء، كل يدلي بدلوه مفسرا أسباب المشكلة. ربما تكمن المشكلة في المناهج أو أسلوب التدريس والتعامل مع الطلبة أو.. أو.. لكن المحصلة واحدة، نفور من المدرسة أو الجامعة وأي نظام تعليم منتظم. وحيث إن أيا منا لا يملك مصباح علاء الدين، وليس بيد أحدنا أمور الحل والربط، فقد انتهت جلستنا بكلمات مواساة وأمنيات أن يهدي الله الطلبة، من نعرفهم منهم ومن لا نعرفهم.

الغريب أن حالة النفور من المدرسة التي وصفتها الصديقتان لا تمثل ظاهرة فردية بل باتت مشكلة عالمية، فقد وقعت بين يدي دراسة عن الطلاب في نحو 72 دولة أثبتت أن نسبة كبيرة من الطلبة ينفرون من المدرسة وأن العلاقة بين حب أو كراهية المدرسة وبين ذكاء الطالب وتفوقه تقترب من الصفر! فقد ظهرت مؤخرا في دوريات علم النفس التربوي بأستراليا دراسة تناولت العلاقة بين أداء الطلبة وتقبلهم للنظام التعليمي وبين تحقيقهم للنجاح أكدت نتائجها، طبقا للباحثة الصينية التي قامت بالبحث، أن نجاح الطالب أكاديميا غير مرهون بحبه للمدرسة! ولقد اعتمدت الباحثة الصينية الأصل «جيهان لي» في دراستها على تتبع وتحليل قاعدة بيانات دولية واسعة النطاق تسمى برنامج تقييم الطلاب الدوليين (PISA)، توفرها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) كل ثلاث سنوات. وأوضحت «لي» أن البيانات التي توافرت لديها من خلال هذا البرنامج وفرت معلومات مهمة كاشفة عما يفكر فيه الطلاب في جميع أنحاء العالم حول تعليمهم، ففي استبيان عام 2015 الذي شاركت فيه 72 دولة تم استطلاع المواقف والمعتقدات وعادات التعلم وما شابه لعينات تمثيلية لقياس سلوك وآراء الطلاب تجاه المدرسة من خلال الإجابة عن الأسئلة الآتية بالرفض أو القبول:

(أ) المدرسة لم تؤهلني أو تمنحني سوى النذر القليل لحياتي في المستقبل. 

(ب) كانت المدرسة مضيعة للوقت.

(ج) ساعدت المدرسة في منحي الثقة لاتخاذ القرارات.

(د) علمتني المدرسة أشياء يمكن أن تكون مفيدة في العمل.

وكشف الاستطلاع ضعف الارتباط بين التحصيل الدراسي للطلاب ومواقفهم تجاه المدرسة، فكان أقرب للصفر. وتوضح الباحثة أن تكرار البحث وظهور النتيجة شبه الصفرية في 2003 و2009 و2012، الذي لم يظهر اختلاف الاتجاهات السلبية للطلبة تجاه المدرسة، سواء في الدول النامية والمتقدمة رغم اختلاف الخلفيات الاجتماعية والاقتصادية، يطرح سؤالا علي الباحثين التربويين: فما الذي يحفز الطلاب للنجاح في حياتهم الدراسية؟ تقول «لي» إن ما يميز الطلاب المتفوقين أكاديميا ثقتهم بأنفسهم وبقدراتهم وأن القلق والاستمتاع بالتعليم لا يمثل إلا نسبة تتراوح بين 15٪ و25٪ من التباين في التحصيل الدراسي للطلاب.

مع ذلك فإن «لي» تؤكد ضرورة تعديل اتجاهات الطلبة نحو المدرسة ليدركوا أهميتها وفوائدها في التنشئة الاجتماعية لتفادي فقدان الثقة بكل المؤسسات الرسمية والسعي مستقبليا لتمزيق روابطهم بها والتمرد عليها. وإلى أن نصل للحظة نتخلص فيها من كل العوامل التي تنفر الطلبة من المدارس أتمنى أن تحاول صديقتي وكل من يواجه مشكلة مشابهة أن يعيدوا الثقة بالنفس لأبناء كرهوا المدرسة، وأن يقنعوهم بأهمية التعلم وبتجربة الاختلاط في المجتمع المدرسي، عسي أن يجيب الله الدعاء ويأتي يوم يقول فيه الطلبة بملء الفم والقلب «أحب مدرستي».

الأكثر قراءة