بيوت خاوية من الحب
بيوت خاوية من الحب
مشاهدات: 126
14 أكتوبر 2018

تعددت الأسباب والطلاق واحد! هذا هو ما تشير إليه الأرقام والدراسات حول تلك الظاهرة المجتمعية التى صارت خطيرة بكل ما تحمله الكلمة من معنى. فمصر أصبحت تحتل المركز الأول عالميا فى نسبة الطلاق وفقا للإحصاءات والبيانات الرسمية، فى مستهل العام الجارى، فإن حالة طلاق واحدة تحدث كل 4 دقائق، ومجمل الحالات على مستوى اليوم الواحد تتجاوز 250 حالة. تلك الزيادة التى تهدد مئات الألوف من الأسر والزيجات فى مصر، رصدتها الأمم المتحدة فى إحصاءات أكدت فيها أن نسب الطلاق ارتفعت فى مصر من 7% إلى 40 % خلال نصف القرن الماضى، ليصل إجمالى المطلقات فى مصر إلى 4 ملايين مطلقة، فى مقابل 9 ملايين طفل من أبناء الأزواج المطلقين، والرقم مرشح للزيادة.

أهم الأسباب التى تم رصدها حتى الآن كانت: التكنولوجيا الحديثة، تدخل الأسرة فى حياة الزوجين، الزواج السريع، انطفاء الحب، الخلافات المادية، العجز الجنسى. لم يتوقف الأمر على المدن الكبرى كالقاهرة والجيزة والإسكندرية، بل انتشرت الظاهرة كالفيروس اللعين فى ربوع مصر حضر وريف. القاهرة والجيزة أعلى نسب، جنوب سيناء والمنيا وسوهاج أقل نسب.

الظاهرة التى تتزايد عاما بعد عام تحتاج إلى يقظة المجتمع بمختلف مؤسساته لاحتوائها ومحاصرتها قبل أن تدمر المجتمع ذاتيا، فالأسرة نواة المجتمع، وسلامة ذلك الكيان المجتمعى يؤثر في سلامة المجتمع ككل، وينعكس على كل شيء من الاقتصاد إلى السياسة. ومن الثقافة إلى الصحة.

نحن فى حاجة ملحة إلى  مؤسسات أهلية تتخصص فى تعليم الشباب معنى الزواج، وقيمته، وفن التعامل مع شريك الحياة والاستثمار فى تلك العلاقة المستمرة من خلال المودة والرحمة، والتكامل لا التناحر، والتعاطف والتقدير المتبادل من كلا الشريكين لبعضهما، والتفاهم ومنح الخطيبين مساحة من الوقت للتأكد من توافقهما نفسيا وروحيا وعاطفيا وثقافيا وماديا.

الموضوع خطير، لأن الضحايا ملايين الأطفال ضحايا الطلاق الذين يصبحون أداة سهلة للانخراط فى الجريمة بشتى أنواعها والمخدرات وكذلك التطرف والإرهاب. وأرى أننا فى حاجة إلى التعامل مع هذه الظاهرة باعتبارها خطرا داهما يهدد سلامة المجتمع وبنيانه. محاكم الأسرة لا بد من أن تلعب دورا مهما فى هذا الشأن بعقد جلسات استشارات أسرية حقيقية وليست صورية كجزء من محاولة الصلح ولم الشمل بين الزوجين، أو لإثبات حقيقة وضع كل طرف فى أوراق القضية أمام القاضى.

المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية يجب أن يكون هذا الفيروس المدمر على رأس أولوياته فى البحث العميق عن أسباب الظاهرة، ووضع الحلول لمحاصرتها والتقليل من حدوثها وأخطارها. الثقافة التربوية للأسف مفقودة فى بيوتنا، لا نعرف كيف نربى أبناءنا ولا نجهزهم لمواجهة الحياة بمسئولياتها المختلفة وأهمها الزواج وبناء الأسرة، ندلل الأبناء والبنات حتى لا يواجهوا صعوبة الحياة التى واجهناها، فنصبح كالدبة التى قتلت صاحبها عندما نجردهم من عناصر تكوين الشخصية القوية القادرة على تحمل المسئولية، ومواجهة الحياة.

أتمنى أن نعيد النظر فى أساليب التربية لأبنائنا، وأن ندرك أن دعم الأبناء لا يكون بالمادة والحياة المرفهة فحسب بل بغرس قيم احترام الآخر، والتعاون والتقدير للآخرين، والأهم من هذا كله أن نعلمهم الحب بجوهره الأصيل الذى يقوم على قيم التسامح، والقدرة على الغفران والعطاء الروحانى والعاطفى وليس المادى فحسب. كل تلك الأمور يجب أن تعود إلى بيوتنا التى فرغت من الحب فعشش فيها الخراب!

الأكثر قراءة