أغنية من أجل ڤان جوخ
أغنية من أجل ڤان جوخ
مشاهدات: 462
21 مايو 2018

في كتابي الجديد (الكتابة بالطباشير الملوّن) الذي أعكف على تأليفه الآن، ليصدر قريبًا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، عدة فصول عن «الفن التشكيلي والعمارة والموسيقى». ومستحيل أن نتكلم عن الرسم والتشكيل، دون أن نذكر الهولندي العظيم «فان جوخ» الذي أنهى حياته برصاصة، بعدما قدّم للعالم أجمل لوحات الدنيا. 

كدتُ أتراجع عن كتابة هذا الفصل من الكتاب، حين سألتُ شابا «جامعيا»: «تعرف ڤان جوخ؟» فقال: «ايوا ده مكان، بس مش عارف في أي بلد!» لكنني عدتُ وتراجعتُ عن التراجع ذاته، وقلتُ لنفسي: أولًا ليس كلُّ الناس هذا الشاب. وثانيًا، بالعكس، فليكنْ هذا الشاب وضرباؤه هدفَ هذا الكتاب، الذي يحاول أن يحثّ داخلنا حبَّ الجمال والفنون. علّ المصريَّ الراهنَ يعود كسابق عهده، حتى نهاية الستينيات الماضية، متذوّقا الجمالَ، صانعًا له. فلديّ إيمانٌ راسخٌ بأننا لن نخرج من عثرتنا إلا بإعلاء قيمة الفن من جديد. فمتذوّقُ الجمال يكره القبحَ، ومن ثم يعرفُ حقَّه وواجبَه. لا يَظلم ولا يُظلَم. لا شعبَ مُحبًّا الجمال والفن يظلمُه حاكمٌ. لم يقمِ الفرنسيون بسلسلة ثوراتهم، حتى نالوا حريتهم وديمقراطيتهم، إلا في ظلّ انتعاش حركات الفن التشكيلي في باريس، وكذا بتواصلهم الحميم مع ازدهار الموسيقى في ألمانيا. لأن الجمالَ البصريَّ والجمالَ السمعيَّ والجمالَّ السلوكيّ والجمالَ الفكريَّ، وهلم جرّا من ألوان الجمال، شيءٌ واحد لا ينفصم. 

في حوار مع أحد الأصدقاء حول كتابي الجديد عن الفنون والفلسفة، قال لي: «مشكلتنا الرغيف، وليس ڤان جوخ!» ولم ينتبه الصديقُ إلى أن إمتاعَ الروح لا يقلُّ ضرورةً عن إشباع الجسد. بل هو شرطٌ حيوي لكي نعرفَ لماذا اختفى الرغيف، ومن ثم نعرف كيفية الحصول عليه. وفي مقابل هذا الصديق «الرَّغيفيّ»، وجدتُ العديد من الأصدقاء الذين يعرفون قيمة الفن، ويحبّون، مثلي، الجميل الحزين «ڤينسينت ڤان جوخ»، الذي منحنا البهجةَ وقد حُرم منها. تلك هدايا العباقرة من الفنانين الحزانى، لنا نحن بني البشر. يتألمون فنسعد بعصارات ألمهم! ولهذا يستحقون منا أن نُخلّدهم في كتبنا ونهديهم أرفع الهدايا.

ومن أجمل الهدايا التي قدمها الإنسانُ إلى ڤان جوخ،  أغنية  «Vincent» التي كتبها وغناها «دون ماكلي» متأثرا بلوحات جوخ. وأنا بدوري أهديكم ترجمتي لها للعربية الآن:

«في ليلة تضيئُها النجوم/ لوّنْ فرشاتك بالأزرق والرماديّ/ وراقبْ نهارًا صيفيًّا/ بعيون ترى عتمةَ روحي./ ارسمْ الأشجارَ والنرجسَ البريَّ/ بظلال التلال/ والتقطْ النسيمَ وصقيعَ الشتاء/ من أرض يكسوها الجليد./ 

الآن أدركُ/ ما الذي حاولتَ قولَه لي/ كم صارعتَ عقلك/ وكم حاولتَ تحرير الناس/ لكنهم لم ينصتوا/ لأنهم لم يعرفوا كيف يُنصتون/ ربما ينصتون الآن./ في «ليلة تضيئُها النجوم”/ زهورٌ تشتعلُ باللهب/ وغيماتٌ تدورُ في ضباب أرجوانيّ/ تنعكس في عيني فينسينت الخزفية الزرقاء./ 

الألوانُ تغيّرُ درجاتها/ حقولُ الصبح وقمحها الكهرمانيّ/ والوجوه العاصفة بالألم/ ستغدو ناعمةً بريشتك المُحبة./ 

الآن أفهمُ/ ما الذي وددتَ قولَه لي/ كم عانيتَ وحاولت تحريرهم/ لكنهم لم ينصتوا/ لم يعرفوا كيف/ لأنهم لم يقدروا أن يحبوك/ لكن حبَّك لهم كان حقيقيًّا/ وحينما اختفى الأملُ من المشهد/ في تلك الليلة المضيئة بالنجوم/ أنهيتَ حياتك كما يفعل العشاقُ دائمًا/ كان عليّ أن أفهم يا فينسينت/ أن هذا العالمَ لم يرُق جميلاً مثلك./ 

ليلة تضيئُها النجوم/ تُصوّرُ المشنوقين في القاعات الخالية/ جماجمَ فوق حوائطَ مجهولة/ بعيون ترى العالم ولا تنسى/ مثل الغريب الذي التقيتَه/ الرجل البالي في الملابس البالية/ مثل شوكة فضية في زهرة ملعونة/ ترقدُ مكسورةً في الثلج الطاهر./

والآن/ أعتقدُ أنني أفهم ما تحاول قوله لي/ أنك صارعت من أجل عقلك/ وحاولت تحريرهم/ هم لم ينصتوا/ وما زالوا لا ينصتون/ وربما لن يفعلوا أبدا.

الأكثر قراءة