تطهير الروح
تطهير الروح
مشاهدات: 357
6 يناير 2018

فى مصر نقول «ضربتين فى الراس يوجعوا». وأنا عشت هاتين الضربتين أو فلنسãø الأشياء بأسمائها، عشت خيبتين.  مذبوحة بسكين الخيانة فى قصة حب دامية، ومحبطة، تغمرنى مياه اليأس، تغرقنى من أعلى رأسى حتى أخمص قدمى، أرى بلدى يضيع أمام ناظرى، الإخوان يتصدرون المشهد، والانتخابات تأتى بهم فى مجلس الشعب، ثم فى مقعد الرئيس! رجل لا يليق بمصر يأتى بعد رؤساء كان لكل منهم قدره وقيمته مهما اختلفنا سياسيا معه. جمال عبدالناصر.. أنور السادات.. حسنى مبارك.. كل هؤلاء أعطوا مصر بإخلاص حتى مبارك المغضوب عليه الآن، والذى دفع فواتير غالية جدا لأخطائه ربما لم يدفعها رئيس ممن سبقوه.

كانت السماء ملبدة بغيوم الغموض، والكآبة عندما وصلنى خطاب من جامعة مدريد بقبولى فى المنحة الدراسية التى تقدمت للحصول عليها بتزكية من جامعة القاهرة، رأيت حروف الخطاب لحظتها برقا يلمع فى سمائى الكاحلة، وكأن الله يرسل إلى علامة خفية: أن اذهبى، اهربى، ابعدى، اغرقى فى الدراسة، تعرفى إلى بشر آخرين، هكذا التقطت الإشارة الإلهية، وقبضت على الفرصة بكل قوة.

والآن.. يخترق فضائى هذا الإسبانى! إنه جميل. نعم جميل وجذاب، لكن قرارى الذى اتخذته قبل الهروب الكبير هو ألا أدخل فى أى علاقة عاطفية، وأن أعتبر فترة دراستى هنا فرصة للاختلاء بالنفس، وتطهير للروح.

لم أرتبط بأى شاب منذ عامين، ولم يكن فى حياتى رجل قبل حاتم، فقط بعض الإيماءات الطفولية، تتخللها نظرات ساذجة لأطفال كانوا فى مثل سنى، زمن البراءة. لذلك جاءت صدمتى كاسحة، من أول رجل أحببته، وذقت معه خمر العشق، وسحر الذوبان فى كيان واحد. 

تركت مصر فى أول عام 2013، بالتحديد فى 15 يناير 2013 يوم ذكرى ميلاد الرئيس جمال عبدالناصر. وقلبى مثقل بالآلام، تفترس فكرى الهواجس. شعور رهيب بالخوف على مصر، يخالطه إحساس بالذنب يتملكنى، كأننى أترك المركب ليغرق بأهلى وأحبتى وأقفز منه، وأسبح بعيدا فى اتجاه شاطئ الأمان. أرى نفسى روز فى فيلم «تايتنك» أتمدد على لوح الخشب وحدى، ويغرق جاك الذى يمثل أهلى وناسى، أمى وأبى وإخوتى. أبتعد عن أرضى، وطنى، وذكرياتى.

لا.. لا أرجوك يا روز أقصد يا شروق كفاك جلدا للذات، كفاك لوما وتأنيبا لنفسك. كان الوضع أكبر من احتمالك. ونزلت الفرصة عليك من السماء، كأن الله أرسل لك النجدة من عليائه. والآن ما الحل؟ 

هل تتركين نفسك لهذا الانجذاب المفاجئ غير المتوقع وغير المرغوب فيه؟ لماذا تحملين الأمور أكثر مما تحتمل، أليس من الجائز أن يكون اهتمامه بى هو جزء من اهتمامه الواضح بمصر، وتاريخها وسحرها الخاص؟

الأجانب لا يبالغون فى تحليل كل شىء مثلنا، وإذا كنت فى روما فافعل مثلما يفعل الرومان! يااااه. كفى وحياة والديك، يا الا يا بنتى اذهبى للقائه غدا. العشاء فى مطعم إسبانى مع شاب بهذا الجمال والجاذبية شىء يستحق التجربة، ويحرض على المغامرة.

قطعت شروق المسافة من الجامعة حتى مكان حجرتها الصغيرة مشيا على الأقدام، نسيت أن تركب المترو، أو ربما اعتبرت المشى فرصة رائعة للتحدث إلى نفسها، والتفكير فى موضوع قفز فجأة إلى بؤرة يومها، بل وغدها، وأصبح التفكير فيه أكثر إلحاحا من أى شىء آخر. عندما وصلت إلى غرفتها فى «هوستيل أمريكا» كان قد تملكها التعب، رمت بحقيبة يدها، والبلوك نوت والكتب على الطاولة وألقت بجسدها المنهك بعد يوم حافل على السرير. لكنها لم تنم بسرعة، ظلت جملة «أنا أعرفك منذ زمن» تتردد فى ذاكرتها، وابتسامة مليئة بالبهجة ترتسم على وجهها.

الأكثر قراءة