سر خطيئة ترامب..
سر خطيئة ترامب..
مشاهدات: 483
11 ديسمبر 2017

آفة بلادنا العربية أننا نظن أن همومنا ومشاكلنا هى محور اهتمام العالم وأنهم يضعون ما نشعر به من سخط  فى اعتباراتهم وواقع الأمر أننا فى واد وشعوب دول العالم فى واد آخر، بعد عودتى من لقاء تليفزيونى فرضت عليه الأحداث أن يتحول الحوار من الحديث عن قانون الأحوال الشخصية للحديث عن نقل السفارة الأمريكية للقدس من تل أبيب حيث طرحت  المذيعة عدة تساؤلات وبعض الأفكار منها دور الشعوب والإعلام فى بلادنا وكيفية التأثير على الشعب الأمريكى والذى هو بالأساس به كثيرون غير مؤيدين لترامب وتطرقت  بعض المداخلات  إلى أنه بالفعل هناك  الكثير من وسائل الإعلام ضد قرار ترامب وحتى الرأى العام هناك ليس معه. وبعد انتهاء اللقاء وأثناء عودتى للمنزل كانت اللقاءات الإذاعية منصبة حول نفس الموضوع وعندما عدت للمنزل كان هذا هو الموضوع الرئيسى على جميع القنوات وقررت أن أتابع القنوات التليفزيونية لأتعرف على ردة الفعل الغربى والأمريكى حول القرار ولكنى وبعد بحث طويل فى كافة القنوات لم أجد أثرا للموضوع اللهم إلا فى شريط الأخبار فى أسفل الشاشة أما كل برامج التوك شو فكان تركيزها على فضيحة النائب الديمقراطي «أل فرانكين» وذلك على أثر قضية تحرش جنسى فجرتها ضده إحدى السيدات وكيف أن جميع أعضاء الكونجرس الديمقراطيين يطالبونه بالاستقالة وأن هناك تحركات كبيرة لدفعه لذلك.

القضية الثانية التى كانت تناقش على قنوات أخرى هى حديث ابن ترامب عن علاقة والده بروسيا وعن إذا ما كان لها دور فى الانتحابات  الرئاسية، الخلاصة أننى لم أجد قناة  أمريكية واحدة تناقش الموضوع،  وهو ما كنت أتوقعه فغالبية المجتمع الأمريكى لا يهمه إلا متابعة فضائح المسئولين وأخبار المشاهير ولا يهمه من قريب ولا من بعيد القضية الفلسطينية ولا غيرها طالما لا يوجد لهم جنود من الأمريكيين هناك. بل إنهم قد لا يتفهمون  سر غضبة العرب من نقل السفارة فى حين أن هناك  بالفعل قنصلية أمريكية ضخمة فى القدس ولم يعترض عليها أحد. فقليلون منهم من يدرك رمزية عدم وجود سفارة لأمريكا فى القدس حيث يعنى هذا أن أمريكا تدعم مفاوضات السلام  وتنتظر ما ستسفر عنه تلك المفاوضات بالنسبة للقضية الجوهرية وهى القدس هذا عن الشعب الأمريكى وموقفه من القرار. 

أما بالنسبة للإدارة الأمريكية فمن يقرأ السياسية الأمريكية خلال العقود الأربعة الماضية يدرك أن الإجماع الرئيسى الذى جمع ما بين الرؤساء الجمهوريين والديمقراطيين أن الاثنين يوقع كل منهما على الاعتراف بأن القدس عاصمة إسرائيل وإنما يُرجأ نقل السفارة إلى حين. وإن كانت التجربة توضح أن الجمهوريين منحازون بشدة لإسرائيل، فبالرغم من أن الحزب الديمقراطى ينتمى له يهود أكثر فى أمريكا لكن التاريخ يؤكد أن أكثر القرارات شراسة تمت فى عهد الجمهوريين فالغزو الإسرائيلى الأول والثانى تم فى حقبات جمهورية وزيادة التوسع فى المستوطنات  تمت فى عهد الجمهوريين وحتى خطاب الضمانات الذى حصل عليه شارون فى عام 2004  والذى تحدث عن دولة يهودية نقية عاصمتها القدس  كان فى عهد بوش الابن. لماذا إذن قام ترامب باتخاذ نقل  قرار السفارة ولماذا الآن ؟ لأن الموقف فى البلاد العربية فى أشد حالته سوءا من سوريا للعراق  لليمن للبنان وليبيا وحتى السعودية منغمسة فى مواجهة الحوثيين على حدودها مع اليمن ومع مقتل على عبد الله صالح زادت شوكتهم وبالتالى وجب الاستعداد لهم أكثر، وحتى مصر لا يكاد يمر شهر أو أقل إلا ويقع بها حادث إرهابى ضخم يكون هم الدولة الأساسى بعده رفع الضرر عن أهالى الضحايا. وحتى لو أرادت مصر اتخاذ موقف فإنها ستكون وحيدة بلا سند لا سيما فى ظل توتر العلاقات مع تركيا وإيران اللتين تساهمان للأسف فى زرع القلائل بالمنطقة العربية كل من أجل مصلحته الخاصة. لما لا يتخذ ترامب قراره إذن وكل الظروف مواتية لتنفيذ مخطط الشرق الأوسط الجديد والذى وضع أول تصور له شيمون بيريز فى كتابه وأوضح أن بداية هذا العهد تكون بعد أن يشعر العرب بأنه لا حيلة لهم فقد أصبح القدس الذى يدافعون عنه جزءا من عاصمة إسرائيل. وبالتالى ييأس العرب لا سيما فى ظل ضعفهم وتشرذمهم ويبدأون فى التعامل بشكل آخر مع إسرائيل التى هى الدولة الأقوى والأكثر تماسكا فى المنطقة. وما يؤكد هذا الكلام أن ترامب قال إن خطوته هذه خطوة فى طريق إحلال السلام والاستقرار !! وطبعا هو يقصد استقرار وسلام إسرائيل. ما هى إذن الأوراق التى يملكها العرب فى تلك القضية فى ظل أن مصالح بعض الدول العربية مع أمريكا تجبرهم على الرضوخ لقراراتها، فى اعتقادى الخاص أن وسائل الضغظ المباشر على أمريكا قد تكون غير مجدية، لكن على الأقل لابد من المحافظة على الدول الداعمة للقضية الفلسطينية والرافضة لنقل سفاراتها للقدس وأن يكون هناك تحرك على مستوى كل المؤسسات الدولية حتى  لا تنضم دول أخرى إلى أمريكا وتقوم بنقل سفاراتها والمعروف أن من قد يقوم بذلك غالبا هى الدول الفقيرة التى تتبع أمريكا  بشكل مستمر وهذه لابد من محاولة التأثير عليها بكل الوسائل، أخيرا يبقى خيار المقاومة بكل صورها هو السبيل الوحيد المجرب فى تاريخ الشعوب للخلاص من الاحتلال فلا يوجد فى التاريخ احتلال استمر للأبد، فكما أن إسرائيل تستند فى  سياستها على سياسة الأمر الواقع  باعتباره  هو الحقيقة على الأرض، فإن الأمر الواقع أيضا  يقول إنه طالما هناك شعب يقيم على أرضه فسيأتى يوم ويستعيد فيه هذه الأرض ويقضى على المحتل هكذا يقول التاريخ على مر العصور ... وإنا لمنتظرون.

نور الكلمات:

إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر 

ولابد لليـل أن ينجــلى ولابد للـقـيد أن ينكـسر

أبو القاسم الشابى  

الأكثر قراءة