هل هناك معجزة أكبر من تلك؟
هل هناك معجزة أكبر من تلك؟
مشاهدات: 441
7 ديسمبر 2017

أن ترى ورقة بيضاء، خالية من أى كلمة أو خط أو لون. ورقة لا وزن لها تقريباً تتحول بقدرة قادر إلى مسرح يتحرك عليه بشر، يتكلمون، يصارعون الحياة ويواجهون أنفسهم. يحبون ويكرهون. يجربون لحظات السعادة وتصفعهم لطشات القدر.

حروف وكلمات تسود المساحة البيضاء، تحول الفراغ إلى كتلة. وتجعل من الصمت صوتاً، ومن السكون حياة صاخبة، يتحرك بشرها ويتفاعلون مع أحداثها.

كثيرا ما بهرتنى تلك الحقيقة: أن الكاتب يبث الحياة فى أوراقه البيضاء، الخاوية. أحيانا وبينما تستغرقنى قراءة رواية حتى أجد نفسى وقد انفصلت تماما عن كل ما حولى، أسمع أصوات شخصيات الرواية، تلفحنى سخونة أنفاسهم، أرى تعبيرات وجوههم وتحدثنى نظرات عيونهم. أشعر بهم يجلسون معى، يتكلمون، يضحكون، يبكون، يشتهون، يصرخون.

أليست معجزة؟ أن يولد شيء من لا شيء! لا إنه – فى الحقيقة – يولد من قوة أكبر، وطاقة أعظم لا يمكننا إدراكها. الله خلق الإنسان كأعظم معجزات خلقه. ووهب لبعض مخلوقاته نفحات من تلك القوة الغامضة. قوة الخلق وطاقة الوحى التى تخلق عالما كاملا من لا شىء أو من تلك الطاقة العجيبة التى تغمرنا دون أن نراها، ونحسها دون أن نلمسها.

تلك التجربة الفريدة تذهل الكاتب نفسه قبل أن تبهر غيره. ليس الكاتب فحسب، بل الرسام، النحات، المؤلف الموسيقى. هؤلاء الذين عاشوا مرحلة الخلق، وتعذبوا أمام تلك المساحات البيضاء أو الكتلة الصماء، يتوسلون إليها أن تمنحهم أسرارها، وتجود عليهم بوحيها.

***

أجمل ما قرأت: (سأنجب طفلا أسميه آدم.. لأن الأسامى فى زماننا تهمة.. فلن أسميه محمدا ولا عيسى..لن أسميه عليا ولا عمرا.. لن أسميه صداما ولا حسينا.. ولا حتى زكريا أو إبراهيم.. ولا حتى ديفيد ولا جورج..أخاف أن يكبر عنصريا وأن يكون له من اسمه نصيب.. فعند الأجانب يكون إرهابيا.. وعند المتطرفين يكون بغيا.. وعند الشيعة يكون سنيا.. وعند السنة يكون علويا أو شيعيا.. أخاف أن يكون اسمه جواز سفره.. أريده آدم مسلما مسيحيا.. أريده ألا يعرف من الدين إلا أنه لله.. وأريده أن يعرف أن الوطن للجميع.. سأعلمه أن الدين ما وقر فى قلبه وصدقه عمله وليس اسمه... سأعلمه أن العروبة وهم.. وأن الإنسانية هى الأهم.. سأعلمه أن الجوع كافر والجهل كافر والظلم كافر.... سأعلمه أن الله فى القلوب قبل المساجد والكنائس... وأن الله محبة وليس مخافة.. سأعلمه ما نسى أهلنا أن يعلمونا..سأعلمه أن ما ينقصنا هو ماعندنا.. وأن ماعندنا هو الذى ينقصنا.. سأعلمه أنى بدأت حديثى بأننى سأنجبه ذكرا.. لأن الأنثى مازالت توأد.. وأن الخلل باق فى (المجتمع العربى).

الشاعر السورى محمد الماغوط

الأكثر قراءة