منصة الضمير
منصة الضمير
مشاهدات: 243
23 مارس 2017

هل من حقى أن أبتهج بما حققته فى قضية عمرى، سجينات الفقر، وأطفال السجينات؟ هل استطعت فعلا أن أقطع أميالا فى المشوار الصعب؟ هل ما بذلته من وقت وفكر وإخلاص لتلك القضية المعقدة المتشابكة صنع فارقا فى حياتهن فعلا؟

أسئلة كثيرة تتردد على عقلى، وتقف أمام منصة ضميرى . هل استطعت إنقاذ السيدات الفقيرات من أسوار السجن الذى ألقين إليه  قهرا، فقرا، و ظلما؟ هل نجحت فى تغيير نظرة المجتمع ولو قليلا تجاه هذه الفئة؟ هل ساهمت فى وقف الإجراءات الظالمة التى تتم عن قصد أو غير قصد ويكون نتيجتها تدمير أسرة بالكامل وتشريد أطفال أبرياء بسبب سجن أم فقيرة جاهلة بحقوقها، ليس لها ظهر أو سند؟

الحقيقة أن الإجابة دائما ما تكون : نعم ولا فى آن معا !

أستطيع أن أعترف بكل فخر بأننى كنت أول من تكلم عن قضية « أطفال السجينات» فى مصر من خلال حملتى الصحفية فى الأخبار «أبرياء فى سجن النساء»، وكانت تلك الحملة الصحفية الناجحة هى شرارة البدء فى مشوارى الطويل مع السجينات الفقيرات ومآسيهن الموجعة.

أستطيع أيضا أن أسعد بكل إنجازات جمعية «رعاية أطفال السجينات» التى أسستها قبل أكثر من عشرين سنة، بناء على إصرارمن القراء الذين تحمسوا لتلك القضية. وأن يغمرنى الرضا بشأن ما استطعنا تحقيقه من خلال زيارات شهرية قمت بها على مدى كل تلك السنوات لسجن القناطر للنساء، مع أعضاء الجمعية حيث كنا نحمل كل ما يحتاجه الأطفال من ألبان وملابس وأطعمة وأدوية وبطاطين وخلافه. كذلك استخرجنا شهادات ميلاد لمن كان بلا شهادة لعجز أمه السجينة عن سداد الرسوم الإدارية . وكان من الممكن أن يكبر بلا هوية!!

فى عام 2007 و خلال إحدى زياراتى للسجن استوقفتنى السجينة «أميمة» وكانت تبكى بحرقة، وتريد أن تحكى لى مأساتها، بالمصادفة كانت الزميلة الإعلامية المعروفة رولا خرسا فى السجن تلتقى سجينات وتجرى حوارت معهن. طلبت منها أن نستمع معا إلى مأساة أميمة، واستجابت رولا، وحكت أميمة سبب وجودها بالسجن وهو أنها كانت ضامنة لأبيها عندما اشترى جهاز أختها. مات أبوها فى وسط أقساط لم تسدد، لتجد نفسها وجها لوجه أمام تهمة لم ترتكبها. يقدم التجار إيصالات الأمانة للنيابة، يتم القبض عليها وسط صراخها، تنتزع منها ابنتها سالى عمرها «عامان» وهى حامل بجنين يتحرك فى أحشائها. سألتها فى حوارى معها فى برنامج رولا خرسا: يعنى لو دفعنا للتاجر اللى سجنك المديونية اللى عليك تخرجى من السجن؟ قالت : يمكن ! والنبى إنقذينى عايزه أعرف بنتى سالى فين؟

تهافت أهل الخير للتبرع من أجل الإفراج عن أميمة، لم يتوقف تليفونى عن الرنين، كلفت محامى الجمعية ببحث إجراءات الإفراج، والسؤال عن قانونية وقف الحكم إذا ما تم تسديد الدين. وجاءت الإجابة القانونية مبشرة بكل خير: نعم ممكن . كدت أطير فرحا من السعادة. واصلت الليل بالنهار أتابع المحامى حتى تمت الإجراءات القانونية الدفع للتاجر، كتابة مصالحة، تسجيلها وتوثيقها فى المحكمة، ثم إصدار قرار بوقف العقوبة والإفراج عن السجينة. هذا ما حدث وتم الإفراج عن أميمة فى مايو 2007 كأول سجينة فقر أو «غارمة» يطلق سراحها فى السجون المصرية.

توالت عمليات الإفراج عن السجينات الفقيرات اللاتى سجنن لنفس السبب، وتحمس المجتمع كله، وشاركت جمعيات كبيرة فى نفس الرسالة، وهذا كان مصدر سعادة بلا حدود بالنسبة لى.  بعدها بسبع سنوات تم إنشاء أول ورشة تدريب وتشغيل لسجينات الفقر بسجن القناطر للنساء بالتعاون بين جمعية رعاية أطفال السجينات ووزارة الداخلية من خلال بروتوكول تعاون محترم. والآن نستعد لافتتاح أول حاضنة أعمال للسجينات السابقات تفتح لهن بابا للرزق وتحميهن من الانخراط فى الجريمة مرة أخرى.

وقبل شهر أطلقت من خلال الجمعية وبالتعاون مع جمعيات أهلية أخرى تعمل فى نفس المجال التحالف الوطنى لحماية المرأة بالقانون هدفه تغيير بعض القوانين التى تقف حائلا دون تحقيق العدالة الناجزة بالنسبة لهذه الفئة المعدمة فى المجتمع، وتفعيل بعض النصوص الحالية، واستحداث أخرى نراها منطقية، ويمكنها حل الكثير من المشاكل قبل أن تصل إلى المحاكم والسجون. هكذا يسير مشوارى ذو الألف ميل. قطعت الكثير من الأميال لكن يبقى الكثير والكثير الذى أعتزم المضى فيه مهما كلفنى من جهد ووقت . ورغم كل ما تحقق لا يزال السؤال يتردد داخلى: هل استطعت فعلا أن أصنع فرقا، تغييرا ما ولو بسيطا فى القضية التى منحتها عمرى؟!.

الأكثر قراءة