الفنان التشكيلى محمد عبلة: ذاكرة السينما المصرية فى طريقها للاندثار
الفنان التشكيلى محمد عبلة: ذاكرة السينما المصرية فى طريقها للاندثار
8 مارس 2019

 

يستحق الفنان التشكيلى محمد عبلة أن يطلق عليه «المتمرد» فهو يرفض أن يكون للفن وجه واحد ..بل وأن يستسلم لواقع يفرض عليه، فقد بدأ عشقه للفنون بالتمرد عندما رفض أن يكمل دراسته بالحربية ..وراح يدرس الفنون دون علم أسرته ..ولم تكن اللوحة التى يرسمها سلعة يوما من الأيام.

أحب السينما وتعلم فنونها ورسم لها لوحات زينت جدران وديكورات أفلام مثل «مرسيدس» و» حديقة الأسماك» للمخرج يسرى نصرالله، رسم أفيشات وبوسترات مهرجانات مثل الإسكندرية السينمائى والأقصر للسينما الأفريقية، وفيلم «اشتباه» لمحمد منير.

هذا العشق هو ما دفعه لأن يقوم حاليا بترميم أفيشات السينما المصرية القديمة التى تحولت إلى تراث..ويرى أنها مهمة قومية للحفاظ على ذاكرة السينما المصرية..

 الكلام هنا ..مع الفنان محمد عبلة ..أحد أهم نجوم الفن التشكيلى ليس فى مصر والعالم العربى فقط ..بل له تاريخ فى المعارض العالمية ..عنه وعن مسيرته وعن السينما نتحدث فى الحوار..

 

فى قاعة سفر خان بالزمالك التقينا ..جلسنا على أرضية خشبية ..دون مقاعد ولم تكن المرة الأولى التى نتحاور هكذا فقد اعتدنا أن نتحدث بمفرداته «البساطة» ..ومنها سألته ..

-لماذا تبذل كل هذا الجهد فى ترميم بوسترات لأفلام قديمة ..وأين تجدها؟

الحكاية ليست بهذه البساطة ..فأنا عاشق للسينما منذ الصغر، ومتابع لحركة الفيلم المصرى، وكلما عثرت على أفيش لفيلم قديم أسعى لشرائه.

فهناك أفيشات عمرها من الثلاثينيات وأسعارها مرتفعة ..فقد درست الفنون بصعوبة وفى ظروف قاسية حيث لم تكن أسرتى وخاصة والدى يرغب فى دراستى للفن، وألحقنى بالكلية الحربية ..لكننى تركتها دون علمه، والتحقت بالفنون التطبيقية ثم الجميلة، وظلت السينما هى حلمى ..وكان من الصعب جدا أن أقنعهم بدراسة السينما.

بدأت فى جمع صور الممثلين والبوسترات، وكانت لى صداقات فى الوسط السينمائى، ومنهم المخرج الراحل شادى عبد السلام، أول من شجعنى، عندما شاهد أول معرض لى ..وشجعنى على قراءة السيناريوهات وأقمت له معرضا بعد رحيله بالأوبرا، وأدرس حاليا فى معهد السينما، وصلتي بها لا تنقطع .

-هل لأن هناك علاقة بين البوسترات القديمة والفن التشكيلى كونها كانت ترسم كلوحات هو ما دفعك لهذه المهمة؟

بالفعل البوسترات القديمة هى لوحات ..وبدأت مع تاريخ السينما المصرية على أيدى الأرمن، ثم فنانين مصريين مثل جاسور ومفتاح وعلى جابر، كانوا يرسمونها زمان، وبها فن عال جدا كانت ترسم وتطبع بالحجر ولدينا تاريخ مهم جدا، واهتمامى نابع من أنه لاتوجد جهة تقوم بتجميع الأفيشات والحفاظ على التراث المصرى، فالسينما المصرية مرتبطة بتاريخ السينما فى العالم برلين وإيطاليا وفرنسا ثم مصر..تاريخنا مشرف ويستحق الاهتمام.

-شاركت بأعمالك فى أفلام سينمائية حديثة؟

لى تجارب عدة فى السينما، شاركت فى فيلم «مرسيدس» و»حديقة الأسماك» ليسرى نصرالله، وبوستر لمهرجان إسكندرية فى فترة الراحل أحمد الحضرى، ثم بوستر أفيش فيلم «اشتباه» لمحمد منير.

تغيير الأفيش من الطباعة التقليدية للإليكترونى بالطبع لم تعد به نفس روح الأفيش المرسوم يدويا، كل ما هنالك أن المطبوع تجد منه مئات النسخ ..لكن اليدوى صعب. وأفيشات الشوارع كانت ترسم يدويا 12 فرخا، ورسمت فى ورش كثيرة جدا مع فنانين كبار.

-نعود إلى الترميم ..هل تجد صعوبة فى ترميم الأفيشات وكيف تتم؟

تتعرض الأفيشات القديمة إلى التآكل، بفعل الزمن، أو تتعرض للتآكل من القوارض كما حدث فى بعض الأفيشات التى أقوم بترميمها ..وهى عملية صعبة جدا، لأن ترميم الورق صعب ..أضطر لإعادة الورق والترميم حتى يصل إلى طبيعته.

-ليس هناك سينماتيك مصرى يحتفظ بتراثنا ..كيف ترى ذلك؟

 للأسف الشديد ذاكرة السينما المصرية تندثر، أفلام، أفيشات، كل ما يتعلق بالسينما يضيع ولا نستطيع الحفاظ عليه، وصدمت عندما قال لى المخرج الكبير داوود عبد السيد فى ندوة بالمعهد العالى للسينما: إنه لا يحتفظ بنسخ من أفلامه ولا يعرف كيف يجمعها..

 -ترميم الأفلام مكلف ..ولا توجد جهة تقوم بذلك غير محاولات فردية تقوم بها ماريان خورى لأفلام يوسف شاهين..

 هذا صحيح ..ولا توجد عملية ترميم واحدة لفيلم قديم، وتراثنا السينمائى سيأتى عليه يوم ولا نجده، لأننا أهملنا هذا التراث وضاع منا الكثير مع أن دول العالم تعرف قيمة هذا الفن الذى يعد تسجيلا لحضارات الدول.

لم يعد نيجاتيفات ..حتى عملية الحفظ أصبحت صعبة، لأن حفظ الفيلم يحتاج إلى معامل مجهزة بدرجة حرارة معينة، ومعاملنا ضعيفة ..مع أن الترميم يعيد الفيلم وكأنه فى زمنه والدليل أن فيلم المومياء لشادى عبد السلام أصبح بديعا بعد ترميمه ..

 -دور من؟

الدولة فى المقام الأول عليها أن ترعى فن السينما وخاصة التراث لأنه ملك لها، ثم رجال الأعمال وكل جهة مدنية لها دور فى الحفاظ على تراث البلد، وعليه أيضا أن يدعم الفن.

ولا أحلم أحلاما كبيرة، بل أقول نقيم متحفا لأفيشات السينما المصرية كأن ننسخ منه نسخا ونبيعها، أو أن يكون الدخول بتذاكر، ولدينا عشرات القصور التى ستتركها الوزارات التى ستنتقل إلى العاصمة الإدارية.

 وأتمنى أن تكون هناك أماكن بالعاصمة الإدارية لأن تكون للسينما ..ولكن ما أتمناه هو أن تخصص بعض القصور التى يتم إخلاؤها خلال الفترة المقبلة لأن تكون متاحف للسينما.

 -حبك للمهرجانات هو السبب فى رسمك لأفيشاتها..كيف تأتيك فكرة أفيش مهرجان؟

أرى أن المهرجانات السينمائية هى من أهم ما يدعم السينما والسياحة وصورة البلد، لأنها تسهم فى تعريف الأجانب بحضارتنا، ونحن نتعرف من خلال الأفلام على ثقافات وحضارات الآخرين ..

 وبدأت برسم أفيش مهرجان الإسكندرية، ثم رسمت الأقصر للسينما الأفريقية ..وقبل البدء فى رسم الأفيش ..أتعرف على طبيعة الدورة التى تقام فى العام الذى أرسم أفيشه، وأفلامه والعنوان الذى ستقام تحته الدورة ..فمثلا عندما أسندت إليّ مهمة مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية وهو من أهم مهرجانات مصر لتميزه، ودعمه للسينما الأفريقية كانت أمامى مفردات مهمة وهى الحضارتان المصرية والأفريقية، فقفزت إلى أفكارى ورؤيتى صورة المرأة الفرعونية والأفريقية وهما فى العمل ..أى أن المرأة مشاركة فى الحياة بقوة، وبالألوان الجميلة الزاهية التى تميز الحضارتين رسمت الأفيش ..كنت أريد أن أصنع احتفالية شعبية، وأن السينما هى من أجل الناس ..فيه فرح واحتفاء بالمرأة كصانعة للحضارة.

 -تهتم بالمرأة فى أعمالك؟

المرأة هى العالم الذى نعيش به ..وأقمت معرضا كاملا عن المرأة، لأن الأمهات هن من يعلمننا كيف نحب الوطن .

 -هل حدث تراجع فى التذوق؟

 حدث تراجع ..ولكن مع زيادة فى وسائل المعرفة ..فى الماضى كنت إذا تجولت فى معرض تندهش جدا من اللوحات، ولكن حاليا لأننا نشاهد كثيرا لم تعد هناك دهشة.

ومع هذا فدائرة المعرفة اتسعت يمكن أن ترى وتتابع كل متاحف العالم ..كم المعرفة كثرت، لكن علاقة الناس بالفن حدثت بها هزة.

-تراجع الاهتمام بالفنان المصرى فى الخارج؟

 نوعا ما ..ولكن هناك إقبال شديد على المنتج المصرى، لأن الفن التشكيلى المصرى ما زال فى الصدارة ..وحاليا هناك صحوة ورغبة فى الاهتمام العربى بفنانيهم وأعمالهم.

-لا توجد أسماء لامعة فى مصر؟

هناك أسماء طبعا ..ولكن التركيز الإعلامى لم يعد على شخص أو شخصين ..لدينا أسماء كثيرة فى مجالات متعددة ..ولكن الإعلام لم يعد يركز على كل الأسماء .

-المشاكل التى تواجه الفنان التشكيلي؟

 بالنسبة لى أصبح كل اهتمامى أن أفعل وأرسم ما كنت أحلم برسمه والسفر إلى البلاد التى تمنيت السفر إليها ..والمعوقات حاليا هى فى ارتفاع أسعار الخامات.

-هل تكسب من وراء الفن التشكيلي؟

حياتى كلها من الفن التشكيلى ..حياتى كلها من الفن ربيت أولادى منه.

 -تذكر أول لوحة بعتها؟

فى أول معرض أقمته فى حياتى ..حضر لى شخص أجنبى، وطلب شراء لوحة، ولم أكن أعرف أن اللوحات تباع، فسألت الفنان الكبير حامد ندا، قال اسأل بيكار فسألته ..وقلت له هل تباع اللوحات ..قال نعم ..بع ..ولن أشاهدها مرة أخرى؟، قال ارسم غيرها ..وهكذا كانت أول تجربة لى فى بيع لوحة، وكنت حزينا عليها لأننى كنت أرى أن اللوحة عمل مقدس.

 -هل ترفض بيع أعمال معينة حبا فيها؟

 بعض الأعمال أحتفظ بها لنفسى بينى وبينها حنين وحب ..وأرفض حتى عرضها ..وكأنها جزء من حياتى ..أعرض نصف ما أنتجه.

-تقيم متحفا للكاريكاتير فى الفيوم ..وأنت لاترسم الكاريكاتير؟

أحب الكاريكاتير والعمل الصحفى، وأعتبر الكاريكاتير تراثا مهما جدا يقرأ لنا التاريخ، ومن أهم إنجازات الفنان المصرى، وفى المتحف أعمال كبار رسامى الكاريكاتير المصريين، أحتفظ بأعمالهم فى المتحف الذى أعتبره كنزا خاصا ..وللأسف لا أحد يهتم أو يحفظ أعمال الكاريكاتير المصرى ..فمثلا حجازى من أعظم رسامى الكاريكاتير لم يكن يحتفظ بأعماله، قمت بتجميعها فى المتحف من بلاد العالم.

 -هل من الممكن أن تشترى لوحة بثمن باهظ؟

بالطبع لو باستطاعتى أفعل!

 -صف حياة محمد عبلة؟

كفنان ..وكأننى مسؤول عن العالم ..وكأننى طبيب، أحاول أن أطلع الناس على مناطق من الجمال شايفها ..الفنان يشاور على قيم وجماليات فى الألوان فى الخامات فى الورق، الفنان التشكيلى دائما مشغول بالعالم بمشاكله بقضاياه، يشبه النحلة يقتطف من زهرة إلى زهرة .

 -وصفت بصاحب مدرسة الانفعالية ماذا تعنى الانفعالية؟

 وصفنى بها بيكار.. لأننى أنتقل من أسلوب إلى أسلوب، لأنه من وجهة نظرى من السهل أن يكون لديك أسلوب، لكن الصعوبة أن يكون لك قضاياك وتنفعل بها، لا أحب أن يقال له أسلوب واحد ...أنا أرسم ما يعجبنى.

-لا ترسم لتبيع؟

 أرسم لنفسى ..فأنا لا أعرف من سيأتى ليشترى كي أرسم لأبيع، قد يأتيني من يلتقى معى فى الأفكار فيعجب بلوحة ويشتريها، وقد يعجب بها شخص آخر ولا يشتريها.

 -متى اقتنع والدك بك كفنان تشكيلى؟

 عندما شاهدنى أصرف على نفسى ..وتزوجت..

 -الفن بيأكل عيش؟

 طبعا!!

الأكثر قراءة