فى قلب ميدان العباسية بالقاهرة.. وفى الدور الثالث للمبنى الملاصق لمبنى محكمة شمال القاهرة الشهيرة بالعباسية وعلى مساحة أكثر من 300 متر يقع أول وأقدم متحف للجواسيس فى مصر، حيث مركز الدراسات القضائية بوزارة العدل الذى تأسس عام 1981، دون أن يلفت المتحف نظر أحد من غير القضاة وأعضاء السلك القضائى المشغولين بالبحث العلمى والقانونى فى جرائم بعينها.. إنه «متحف الجواسيس» الذى لا يعرف الكثير فى  مصر عما به من مقتنيات وأحراز لأشهر قضايا التجسس والتخابر فى تاريخ مصر وبعضها قضايا لم يكشف عنها النقاب من قبل رغم مرور سنوات طويلة تزيد على نصف قرن، هذا المتحف هو جزء من مركز الدراسات القضائية الذى يرأسه المستشار مدحت بسيونى مساعد وزير العدل لشؤون المركز ونائب رئيس محكمة النقض  والمكون من 5 إدارات منها المتحف، وبنك القضايا،والتعاون العلمى، والحاسب الآلى، واللغات والترجمة.

محراب علمى وليس متحفا

أول شعور لك وأنت تخطو بأقدامك داخل المتحف من فرط الأناقة والتنظيم، والهدوء والنظافة، أنه تم افتتاحه قبل ساعات، وليس منذ عام 1981 بقرار جمهورى، وذلك بسبب الصيانة الدورية للمتحف والنظافة والنظام على مدار الساعة فى كل قطاعات وإدارت مركز الدراسات القضائية، للدرجة التى تشعر فيها بأنك داخل محراب علمى عتيق ذى هيبة وجلال وليس متحفا لوزارة العدل.

فداخل فاترينات من الزجاج صممت خصيصا للمتحف وتم ترتيبها ورصها داخل المتحف طبقا لأحدث طرق العرض المتحفى فى العالم، سوف تشاهد، أحراز ومضبوطات أشهر قضايا التجسس فى تاريخ مصر، وصور المتهمين فيها وقت التحقيق معهم وجميعها صور بألوان الأبيض والأسود.

أحراز قضية «لافون»

ففى  إحدى الفاترينات التى تضم أحراز قضية لافون الشهيرة، والخاصة بتفجير أهداف مصرية وأمريكية وبريطانية في مصر، عام 1954، ولكن هذه العملية اكتشفتها السلطات المصرية وسميت باسم «فضيحة لافون» نسبة إلى وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك بنحاس لافون الذي اتهم بإعطاء الأوامر لتنفيذها،حيث تشاهد فى الأحراز مفتاح شقة المتهم «موسى ليتو» فى حى العطارين بالإسكندرية حيث كانت الاجتماعات تدار هناك سرا،ومفاتيح الشفرة التى كانوا يتواصلون بها بينهم وبين بنحاس لافون وزير الدفاع الإسرائليى وقتها الذى سميت العملية باسمه.

قضية تخابر (جوهان لوتز)

وفى فاترينة  أخرى وضعت أحراز قضية تخابر (جوهان لوتز وزوجته، ومنها 2 جهاز إرسال،وعلبة سجائر بلمونت بداخلها جهاز تجسس،وإناء فخار بغطاء معدنى بقاعدته آلة موسيقية، و.......الخ

وجدير بالذكر أنه فى  هذه القضية حكم على المتهم الأول بالأشغال الشاقة المؤبدة، وتمت مبادلته بالأسرى المصريين بعد حرب 1967،فقد كان جوهان وزوجته من أقوى عمليات المخابرات المصرية وقتها، حيث تشمل أحراز القضية أيضا صورا لفيلا الهرم التى كان يعيش فيها المتهمون ويتواصلون بالشفرة عبر اللاسلكى مع الموساد لإرسال  واستقبال الرسائل.

3 أجهزة تجسس وشفرة نادرة

وفى فاترنية ثالثة سوف تشاهد 3 أجهزة تجسس أخرى ضبطت فى قضايا تخابر، كانت تعتبر هذه الأجهزة وقتها من الأحدث فى العالم،إلا أنها لم تكن بعيدة عن يد وعيون أجهزة الأمن المصرية، حيث تظهر فى الصور داخل الفاترينة لحظة ومكان ضبط كل جهاز تجسس، منها جهاز وضع بداخل كتاب ورقى بعد تفريغه من الداخل، وآخر خلف مرآة الحمام،وثالث داخل ميزان منزلى..وبجوار كل جهاز مفتاح الشفرة مطبوع والذى كان يتم من خلاله فك شفرات الرسائل الواردة إلى المتهمين فى كل قضية داخل مصر.

مسدس قتل أحمد ماهر وهيكل عظمى ريا وسكينة

المتحف لايتوقف فقط عند مقتنياته من أحراز قضايا التجسس، ولكنه أيضا يضم أحراز أشهر الجرائم الشهيرة فى تاريخ مصر، مثل ريا وسكينة، وأحراز قضية اغتيال أحمد باشا ماهر حيث الطبنجة التى أطلق منها القاتل النار عليه داخل البرلمان،  علاوة على ذلك فى المتحف أيضا  عينات من أجزاء تشريحية مرتبطة بعدد من القضايا الجنائية وبعض العينات الأثرية من الأسلحة النادرة  والتي يرجع تاريخها إلى القرن التاسع عشر،كما يحتوى المتحف على مجموعة نادرة من العملات الورقية التى انتهى التعامل بها فى مختلف دول العالم، منها 131 قطعة متنوعة.

ففى فاترينة أخرى   تجد أحراز قضية ريا وسكينة الشهيرة بكل تفاصيلها وصور المتهمين وبعض متعلقاتهم الشخصية المحرزة فى الجريمة ومنها هيكل عظمى كامل لإحدى ضحاياهم، إضافة إلى أحراز مقتل أحمد باشا ماهر فى مجلس النواب فى الأربعينيات من القرن الماضى.

وجميع مقتنيات المتحف مصنفة  بالتفصيل،فى سجلات ورقية وإلكترونية على ميكروفيلم، وفقا لنوعيتها، فهناك تزوير مستندات وتزييف عملة،وأسلحة وذخيرة مضبوطة في قضايا،وأحراز وشرائط فيديو وشرائط صوتية،  جماجم بشرية لأغراض تشريحية،وقطع تشريحية محفوظة في أحواض وقنينات زجاجية، بالإضافة إلى  مضبوطات لبعض أشهر قضايا الاغتيالات السياسية.

قاعدة بيانات إلكترونية عالمية

وجميع تلك القضايا مسجلة في قاعدة بيانات إلكترونية خاصة ببنك القضايا ويتم نسخها وتداولها داخل قاعات البحث, كما يتم تحديثها بصفة دورية لتظل مواكبة للقوانين والتشريعات الجديدة, وتطور شكل  الجريمة في المجتمع. ويتم إعداد تقارير بالدعاوى القضائية المستحدثة الواردة إلى بنك القضايا من المحاكم   والنيابات وتصنيفها وإرسالها إلى أعضاء المكتب الفني بمركز الدراسات القضائية لدراستها ومراجعتها لتحديد مدى صلاحيتها   للتدريس ضمن برنامج التدريب العملي وتوزيعها على قاعات البحث المختلفة.       

وبخلاف المتحف يضم المركز أيضا مكتبة ضخمة ونادرة تحتوى أكثر من 19 ألف كتاب فى شتى أنواع المعرفة، وبعضها ليس له مثل فى مصر مثل مجموعة مضبطة مجلس النواب وبها أول خطاب للعرش سنة 1924، محاضر مجلس شورى القوانين من سنة 1884 حتى 1908،  وثائق مؤتمر إلغاء الامتيازات مؤتمر نترو سنة 1800 وكتب فى الديانات والشريعة والسياسة والقانون ومعاجم وقواميس وكتاب الأغانى للأصفهانى بالإضافة لكود نابليون لسنة 1819 والعديد من الكتب الإنجليزية والفرنسية.

دخول المتحف مجانا والاطلاع على مقتنياته بدون  أى مقابل ومفتوح للجميع، ولكن بعد موافقة  إدارة المركز، الذى ما إن تنتهى زيارتك له وتخرج إلى الشارع مرة أخرى، حتى تشعر بحالة من الذهول والسعادة بأن فى مصر متحف يحكى تاريخ أكتوبر وحروب مصر من ناحية أخرى تماما وهى (حرب الجواسيس).