خربشات محمود بقشيش.. صحراء ومدينة ووجوه وهرم
خربشات محمود بقشيش.. صحراء ومدينة ووجوه وهرم
17 نوفمبر 2018

 

إذا أردت أن تعرف تاريخ الفنان والناقد محمود بقشيش، فبين ردهات قاعات متحف سعد زغلول الثقافى ستجد ضالتك بعد 17 عاما مرت على رحيله، استطاع الفنان مجدى عثمان مدير المركز أن يقيم معرضا من أهم معارض الموسم فى نظرى لفنان كان شاغله الأول هو الفن والثقافة، وكان لرفيقة دربه الكاتبة الرقيقة هدى يونس الفضل فى تجميع كل ما خطت أنامله من قصاصات وأوراق متنوعة المساحات وأعمال تعرض لأول مرة، وذلك بعد أن طاردها مجدى عثمان – على حد قولها– وأرغمها طائعة ممتنة لعرض سيرة بقشيش ومسيرته.

عن رفيق دربها تقول الأديبة هدى يونس: «على تواضعه يعرف قدر نفسه ..هدفه انتصار مبدأ تكافؤ الفرص والمساواة التى يؤمن بها ..وامتلأ قلبه بعدالة ماعت، ويطارد ضوؤه الظلال المراوغة ..يتواصل الموروث ويتداخل بالحاضر ويتشكّل عالمه اللامرئى ويجسّد إحساسا كونيا وميتافيزيقيا وواقعيا ..وحين تتسرب الأحزان من انعدام الموضوعية ومحدودية الرؤية، تأتى الكلمة والخط، وبهما يستشرف المستقبل ويقاوم ..إبداعه لا يحمل غزلا أو نفاقا، مستندا إلى التحليل وربطه بالواقع السياسى والاجتماعى والاقتصادى، حرا بلا قيود أيديولوجية، لا يحتمل الانضمام لحزب أو جماعة تتشابه فى تحليل النصوص، رافضا – بثقة – الانسياق إلى العقل الجمعى والرأى الواحد متحملا تبعات اختياره الحر، يناصر حرية الفنان ورحابة أفقه، وتحرر تماما من سطوة المصالح وتبعاتها بلا تردد مهادن، واخترق بها أزمنته وأزمنتى.

تناجى الرفيقة الرقيقة التى عاشت أنفاس الفنان: «هل غادرتنى كى تضمن بقاءك داخلى أيها المتجلى فى عليائى! رفقا بمن توارت خلف ظلك وأنت تمنحها كثيرا من الضوء حين يشتد الظلام، يبهرها رضاك بالقليل القليل من المادة، ولا يشبعك ولا تكتفى من المعرفة والثقافة والفلسفة طولا وعرضا ..واكتشفت حقيقتى حين تعارفنا» 

إنها الزوجة المخلصة التى خطّت أوراق التقديم الخاصة بجائزة الدولة لمحمود بقشيش، والتى حصل عليها فى فن الرسم عام 1987.

محمود بقشيش فارس فى «مدائن النور وأطلاله»  صاحب رسالة يؤمن بها ويسوقها إلى كل الناس، مطّلعا ومتطلّعا إلى آفاق أرحب فى مجالات الإبداع المتنوعة التى تطرق إليها بحب وطموح  مطلق، متبصرا بفكره، فهو كاتب للقصة بلغة عميقة، اللغة التى يكتب بها كناقد صاحب أمانة ومسئولية. وعبر رحلته الفنية تعايش الفنان مع مفردات خاصة، رموز ذات معنى ومغزى ودلالات ..حين تعامل مع «المدى» و»المطلق» فى مساحات لوحاته بفضاءات شاسعة منحت  رموزه وعناصره دور البطولة المطلقة فى علاقات متوازنة فيما بينهما، وأعطى للمتلقى دورا لمزيد من التأمل والتفكير متتبعا مسارات حدود الشكل وعلاقات الخط فى سلاسة حققها بقشيش فى أعماله، تماما كما فى كتاباته النقدية.

ومع الضوء عاشت هذه الإبداعات، ضوء يشع بقوة على فضاءات اللوحة، أو ضوء يخرج من قلب العتمة دافعا للأمل، أما «التدرج» بينهما - العتمة والضوء -  والذى يصل بين الأبيض والأسود فى درجات ظلية متتابعة، عنها يقول الفنان «لم أتابع درجات ذلك السلم الضوئى والظلّى استجابة لرغبة فى استعراض المهارة، بل للتعبير عن طبيعتى الشخصية التى تميل غالبا إلى الخطوات المتدرجة غير المحسوسة، والنغمات الوترية المغموسة بحزن شفيف.

الصحراء والكثبان الرملية والمدينة والبيوت والقدور والوجوه غير النمطية مع خربشات السطح أو لمسات الألوان المنسابة تدور إبداعات بقشيش، بالإضافة إلى الهرم كرمز يقول عنه: «أعتقد أن الهرم عندما يدخل فى عمل فنان فهذا أمر بديهى، الهرم ليس بناية عادية إنما هو رمز مشترك بين المصريين، هو ليس بناء معماريا ولكنه منارة تستكشف المستقبل، فترى أن هناك شعلة تنبثق من داخله فتصنع نوعا من التكامل.. أنا أختار زاوية فى الهرم عندما يقسّمه النور والظل .. أنا أتعامل معه على أنه امتداد للتاريخ».

الأكثر قراءة