العالم ما بعد وسائل التواصل الاجتماعي
العالم ما بعد وسائل التواصل الاجتماعي
مشاهدات: 252
5 فبراير 2019

لم يكن هناك من كان يتوقع قبل 14 عاما (أي قبل ظهور الفيس بوك ) أن هناك شيئا يمكن أن يظهر في العالم ويغير من شكل الحياةفي الكون كله  وهو ما فعلته  وسائل التواصل الاجتماعي خلال تلك الفترة ، فمن يصدق أن عدد  مستخدمي الإنترنت حول العالم يبلغ حاليا 4 مليارات و130 مليون نسمة حول العالم ، وأن أصحاب الحسابات علي الفيس بوك  يبلغون  2مليار و409 ملايين شخص حول العالم  أما عدد الفيديوهات التي تمت رؤيتها خلال العام الماضي فقط بلغت 5 تريليونات و475 مليار فيديو وذلك عبر اليوتيوب ، وأن أصحاب الحسابات علي توتير والذين يبلغ عددهم حول العالم 343مليونا و 240 ألف شخص  قد قاموا  بعمل 6 تريليونات تويتة خلال عام واحد أما عدد الصور التي نشرت علي الانستجرام فوصلت إلى 6 تريليونات صورة في سنة ، أيضا المكالمات عبر السكايب خلال  نفس العام وصلت إلي قرابة 2 تريليون مكالمة    وأنه بمقارنة تلك الأرقام بعام ونصف مضت نجد أن هناك انتشارا مذهلا لتلك الوسائل فعدد مستخدمي الفيس بوك قبل حوالي العام ونصف العام كانوا يبلغون مليارا و769 مليونا أي أن رقم  المستخدمين يكاد يكون قد اقترب من الضعف تقريبا ، أيضا مستخدمو الإنترنت قبل نفس الفترة كان عددهم 3مليارات و600مليون تقريبا أي بزيادة تصل إلى نصف مليار خلال تلك الفترة . وهذه الأرقام وغيرها من الأرقام المذهلة يمكن الاطلاع عليها عبر موقعinternetlivestats.

وخطورة هذه الأرقام أنها توضح  حجم الانتشار السريع لتلك الوسائل  وكم المعلومات الشخصية والعامة التي تنشر يوميا علي مواقع التواصل الاجتماعي ،فعدد أصحاب حسابات الفيس بوك يفوق عدد أتباع أي من الديانات السماوية  وعدد مستخدمي الإنترنت يفوق أعداد المسلمين واليهود والمسيحيين حول العالم مجتمعين ، وهذا  المثال أعني  به أن وسائل التواصل الاجتماعي استطاعت أن تجعل الناس يلتفون حولها أكثر من أي شيء آخر في حياتنا .وهو يفسر التغييرات الكبيرة  التي أحدثتها في كل مكان في العالم ، فوسائل التواصل الاجتماعي التي أنشئت بالأساس للتغلب علي  مشكلة التباعد الأسري كان أول ما أثرت عليه سلبا هو العلاقات الأسرية، فكثير من  العائلات الأمريكية كالتي  كان مارك روزبرج مخترع الفيس بوك ينتمي إليها يعانون من مشكلة التفكك الأسري وحتي الأصدقاء تباعد ظروف المجتمع المادي  فيما بينهم، وعلي العكس في مجتمعاتنا فجميع أفراد الأسرة  تعيش تحت سقف بيت واحد والأصدقاء غالبا ما يلتقون علي المقهي أو في أماكن أخرى  بشكل مستمر، أي أن حاجتنا لوسائل التواصل لم تكن موجودة ، لكن الغريب هو  هذا الانتشار الهائل  في مجتمعاتنا والأهم أن تلك الوسائل  بدلا من أن تزيد من أواصر العلاقات أصبحت أداة للتباعد بين أفراد الأسرة فأصبح  من العادي أن نري كثيرين يجمعهم نفس المكان   ومع ذلك يفضلون تبادل الحوار عبر وسائل التواصل الإلكترونية بدلا من استخدام الحواس التقليدية للتواصل  كالكلام والسمع والنظر، 

وفجأة أصبح كل شئ في حياتنا يترجم بلغة  ومصطلحات وسائل التواصل ، فكلمات مثل حاعملك follow  أو block  أو shareأو likes أصبحت تستخدم ككلمات  أساسية دارجة في حياتنا اليومية، يستعملها المتعلمون وأنصاف المتعلمين وحتي الأميون ،فللغرابة أن كثيرين منهم يستخدمون  التليفونات الذكية ووسائل التواصل دون أن يكون لديهم قدرة علي القراءة أو الكتابة.

وهذا ما يجعلني أري أن وسائل التواصل الاجتماعي  رغم آثارها السلبية فإنها من دون شك تحمل الكثير من الإيجابيات مثل قدرتها علي نقل المعلومة عبر الفيديوهات والصور لمن لا يجيد القراءة والكتابة ، وحتي بعض الأشخاص الذين فرض عليهم ظروف مرضهم بعض الأشياء  تضافرت التكنولوجيا الحديثة مع وسائل التواصل الاجتماعي  لتلعب دورا كبيرا في تغيير حياتهم وذلك مثل المصابين بكف البصر فعن طريق التليفون المحمول  أو الكمبيوتر ومن خلال الإنترنت ووسائل التواصل أصبح بإمكانهم متابعة  كل شئ وقراءة جميع الكتب والصحف ومتابعة البرامج  ، وكان من الطبيعي أن هناك جهات تتحمل تبعات هذا الدور الكبير الذي أصبحت وسائل التواصل تقوم به مثل الصحف والمجلات والتليفزيون فبعد أن أصبح في مقدور أي شخص قراءة أو رؤية ما يريد  من أعمال درامية في الوقت الذي يريده بدأ دور تلك الجهات يتضاءل .وتبقي  الإجابة  علي السؤال الذي يؤرقني عن المستفيد الأول من المعلومات علي تلك الوسائل؟ هل بالفعل هي البشرية بشكل عام أم أن هذه الاستفادة هي للتغطية علي من يستفيد بشكل حقيقي من السيطرة والتحكم في  معلومات العالم ، فالمؤكد أنه حتي في حالة  حذفك لأي ايميل أو صورة فإنها محفوظة بطريقة ما في هذا العالم الافتراضي  ويمكن استرجاعها  عن طريق جهات بعينها ، ايضا تريليونات الصور والفيديوهات التي ينشرها الناس للتسلية من الذي يستفيد بها في المقام الأول؟، فليس من المنطقي ان تكون كل هذه المعلومات الشخصية علي شبكات التواصل الاجتماعي لا تتم الاستفادة منها  بل المؤكد أنها تستخدم بشكل  أو بآخر ،وربما ثورات الربيع العربي وما سبقها من بعض الثورات الأخري  في دول أخري كانت أولي نتاج وسائل التواصل الاجتماعي إذ لا ينكر أحد الدور الذي لعبته تلك الوسائل في إذكاء تلك  الثورات  . من أجل هذا ينبغي أن يفكر كل شخص جيدا في حجم ما يعرضه من معلومات عن نفسه علي تلك الصفحات ويتعامل معها بحذر .فلا ينساق لكل الحملات ويفكر جيدا قبل كتابة أي معلومات شخصية عنه .  ولأن موضوع وسائل التواصل الاجتماعي و العالم الافتراضي الذي نعيشه من خلاله أصبح هو سمة العصر قررنا أن نفتح هذا الملف لنستعرض سويا كلا من جوانبه السلبية والإيجابية ورأينا أن أفضل نجمة غلاف تعبر عن هذاالعالم الافتراضي غير الحقيقي هي إنسانة افتراضية أيضا ألا وهي أبلة فاهيتا التي أحبها الناس ومن فرط محبتهم لها أصبح البعض يتعاملون معها باعتبارها حقيقة وليست مجرد كائن افتراضي . أرجو أن تجدوا في موضوعات هذا العدد ما يرسم صورة أكثر وضوحا حول ما وراء هذا العالم الافتراضي. 

نور الكلمات:

"التكنولوجيا الجديدة ليست خيراً أو شراً بحد ذاتها، إنما كيفية استخدام الناس لها". ديفيد وونج