وجبة إفطار مع آندي (3)
وجبة إفطار مع آندي (3)
مشاهدات: 126
22 يناير 2019

الخميس: يومياتي العزيزة. اليومَ على الإفطار كنت خائفة حقًّا أن يلحظ شقيقي «آندي» أي اختلاف في مذاق الطعام بعدما دسستُ السمَّ. فكرتُ أنه ربما يوجد مذاقٌ لاذعُ أو شيء من هذا القبيل. راقبته جيدًا –كان مسرورا لأنني أراقبه– لكن يبدو أنه لم يلحظ شيئًا. أظن أن خُطّتي قد تنجح.

وأنا أتأملُ «آندي» وهو يأكل اليومَ، تذكرت الصباح الذي شاهدتُه فيه يأكل ملعقته الأولى من جسد والدِنا. بدا ذلك منذ أمدٍ بعيد -كأنه شهرٌ تقريبًا– كان يجب أن أبدأ الاحتفاظ بك مبكرًا يامذكراتي.

كان يومًا مشمسًا، ليس ممطرًا مثل الآن. أتذكّر حين نزلتُ لتناول الإفطار، وكان «آندي» قد جلس بالفعل إلى السفرة. بدا وكأنه كان ينتظرني. بدا متوترًا. «اليوم، هذا هو اليوم يا لوسي الصغيرة»، قال هذا وأجلسني جواره. ثم جعلني أشاهده وقد شرع في أكل أبي.

كان يتحدث عن اشتغاله على الأمر لأسابيع. منذ ذلك اليوم الذي أحضرنا فيه جرّة رماد جثمان الوالد من محرقة الجثث. أمطرت السماءُ في ذلك اليوم أيضًا، وصرختُ طويلا. وضعنا الجرّة على رفٍّ عالٍ في المطبخ، وبعدها أقام «آندي» احتفالا صغيرًا بالشموع الموقدة ونحوها. كان يتظاهر بأنه يقرأ مادةً في كتاب، مادةً بلغة هزلية، غير أني أعتقد أنه اختلق اللغة.

ذاك الحفلُ كله كان فكرته هو. بدأَ كلُّ شيء على ما يرام لكن سرعان ما غدا الأمرُ بشعًا. لم أرد أن أشارك، لكنه أرغمني، وبعد ذلك اضطررتُ إلى الذهاب إلى التواليت للتقيؤ. وحين دخلت فراشي في الليل، أتى إليّ وأخبرني ماذا ينوي أن يفعل. ماذا سيفعل بأبي. أخبرني بالخُطَّة.

«إنها مادةٌ مهمة يا لوسي،» قال. «إنه الأمرُ الذي كان الناس يفعلونه في العصور القديمة، قبل المسيح وقبل كلِّ شيء. حين كانوا يعيشون في الكهوف ويصطادون بالرماح الحيوانات المتوحشة. إنها تعطيك القوة. تحولّك إلى كائنٍ خاص متميز». بعد ذلك وبعد أن أنهى عبثه معي، قال: «أريدكِ أن تكوني شخصًا مميزًا أيضًا يا لوسي».

في البدء، ظننتُ أن الأمرَ كلَّه مجردُ كلام. أنتِ تعرفينني يا مذكراتي. فأنا غبيّةٌ. أسيء فهم الأمور أحيانًا. لكنك تعرفين «آندي» أيضًا، تعرفين كيف يكون. يمكنك أن تدركي كيف وقعتُ في غلطة كتلك. «آندي» يتكلم كثيرًا. «وُلدَ تحت فألٍ سيئ»، اعتاد أبي أن يقول إنه ملعونٌ بلسان أنشط مما ينبغي. يقرأ تلك الكتب، ويُكوّن تلك الأفكار، ثم يتكلم ويتكلم ويتكلم حتى تضطر إلى الخروج من البيت من أجل نزهة حول النهر لإطعام البطَّ أو ما شابه. لأنكِ لو لم تفعلي، فمن المحتمل جدًّا أن ترتكبي شيئًا شريرا. ربما تأخذين سكين تقطيع اللحوم الحادّة من دُرْج المطبخ وتطعنينه في قلبه، ربما تقتلينه.

أعرفُ أنني يجب ألا أفكر بهذه الطريقة. أعرف أن ذلك خطأ. لكنه اعتاد أن يثير أعصابي إلى حدَّ الجنون أحيانًا. الجنون بالفعل. والآن الأمر أسوأ، أسوأ بكثير لأن أبي رحل ولم يعد لديّ أي شخص أكلمه، حين تهاجمني تلك المشاعر الشريرة، سواك أنت يا دفتر مذكراتي .

كنا نتكلم، أبي وأنا. كان يأخذني لإطعام البطِّ أحيانًا، كان يحكي لي قصصا وحكايات عن أمي، ويخبرني بأنني يجب ألا أدعَ «آندي» يدخل تحت جلدي. كان يمسك يدي بلطفٍ، ليس كما يفعل «آندي»، ثم ينظر في عينيّ ويبتسم. كم كان الحالُ أفضل حين كان أبي هنا! كان يعرف كيف يُعمِلُ الكوابحَ ليوقفه عند حده، وكيف يجعلُ الأمورَ أكثر بطئاً. حين كان أبي هنا كانت الأفكارُ والأحاديث بعيدة كبعد خطط «آندي». لكنه رحل الآن، ولم يعد هناك من يضع الكوابح في وجه «آندي». فقط أنا.

(البقية الأسبوع المقبل)