صحن من البطاطا المتبّلة لطرد الأرواح الشريرة
صحن من البطاطا المتبّلة لطرد الأرواح الشريرة
مشاهدات: 462
12 يوليو 2018

بدأ الخادمُ الأسمرُ الصغير «آجوو»، في  الأسابيع التالية، يفحص كلَّ ركنٍ من أركان البيت. اكتشف أن خلية نحل قد عشّشت في شجرة الجوز وأن الفراشات كانت تتلاقى في الفناء الأمامي حينما تكون الشمس في أوْجها. كان حريصًا كلَّ الحرص على تعلُّم إيقاع حياة سيده البروفيسور. كلَّ صباح يلتقط جريدتَي «التايمز» اليومية و«الرينيسانس» اللتين يتركهما الموزّعُ خارج الباب. يطويهما ويضعهما على الطاولة إلى جوار شاي السيد وخبزه. ويكون قد غسل السيارة «الأوبل» ريثما يُنهي السيدُ إفطارَه. وحينما يعود السيد من عمله، وفي أثناء قيلولته، ينظف السيارة مرة أخرى من الغبار قبل أن يمضي السيد إلى ملاعب التنس. يتحرك بسكون تام في الأيام التي يعتكف فيها السيد في المكتبة لساعات. حينما يخطو السيد في الدهليز متكلِّمًا بصوت عال، يجب أن يكون واثقًا بأن الماء الساخن جاهزٌ للشاي. يجلو الأرضياتِ يوميًّا. ويمسحُ النوافذَ حتى تتلألأ تحت شمس الظهيرة، ويأخذ حذره من الشقوق الدقيقة في بانيو الاستحمام، يجلو الأطباقَ الصغيرة التي قُدّمت فيها المكسراتُ لأصدقاء السيد. زائران على الأقل كلَّ يوم في غرفة المعيشة. الفونوغراف يشغّلُ على موسيقى خافتة تشبه الفلوت، خافتة جدًّا لدرجة أن يصلَ صوتُ الحديث والضحك وقرع الكؤوس إلى آجوو في المطبخ أو في الدهليز وهو يكوي ملابس السيد.

كان آجوو يودُّ أن يفعلَ المزيد. يودُّ أن يحقق كلَّ سبب يجعلُ السيدَ يُبقيه في الخدمة، لذلك كوى في أحد الأيام جوربَ السيد. لم تكن تبدو مكرمشة، تلك الجوارب السوداء المخططة، لكنه فكر أنها ستبدو مفرودةً أكثر بالكي. هسهست المكواةُ ولمّا رفعها وجد أن نصف الجوربَ قد التصق بها. تجمّد الصبيُّ. كان السيد جالسًا إلى مائدة الطعام، على وشك إنهاء إفطاره، وقد يأتي في أي لحظة الآن ليأخذ جوربه وحذاءه وكذلك الملفات التي على الرفِّ ثم يمضي إلى عمله. أراد آجوو أن يُخفي الجوربَ تحت الكرسي ثم يرتقي الدرج بسرعة ليجلب جوربًا آخر، لكن ساقيه لم تقويا على الحركة. وقف هناك يحمل الجورب المحروق، وهو يعلم أن السيد سوف يضبطه هكذا.

- «أحرقتَ جوربي، أليس كذلك؟ أيها الجاهلُ الغبيّ.» سأل السيد.

- « الجاهل الغبي» انسابت من فمه مثل الموسيقى.

- «آسف يا صاح، آسف يا سيدي!» قال آجوو. 

- أخبرتُك ألا تنادني بـ «يا سيدي.»

التقطَ السيدُ الملفَّ من الرف، وقال:

-  «لقد تأخرت.»

- «صاح؟ هل أحضر جوربًا آخر؟» سأل آجوو. لكن السيدَ كان بالفعل قد انتعل الحذاءَ، دون جورب، وأسرع للخارج. سمعه آجوو يديرُ السيارةَ ويتحركُ بعيدًا. شعرَ بصدره ثقيلاً، لم يعرف لماذا كوى الجوربَ، لماذا لم يكوِ ببساطة بدلةَ الصيد السفاري. إنها الأرواح الشريرة. الأرواح الشريرة جعلته يفعل هذا. إنها تختبئ في كل مكان وتترصد. حينما مرضَ بالحمى، ومرّةً حين سقط من على الشجرة، مسحتْ أمُّه جسمَه بـ أوكيوما، وهي تتمتم: «سوف نهزمُها، لن نجعلَها تنتصر.»

خرج إلى الفناء الأمامي، عَبَر الأحجار المرصوصة حول المرج الملوّن. الأرواحُ الشريرة لن تنتصر. لن يدعها تغلبه. كانت هناك بقعةُ أرضٍ مستديرةٌ في منتصف المرج غيرُ مزروعة بالعشب، كأنها جزيرةٌ في بحر أخضر، تنتصب بمنتصفها نخلةٌ نحيلة. لم يكن آجوو قد رأى من قبل نخلةً بهذا القِصَر، ولا واحدة تنتظمُ أوراقُها على هذا النحو المُتقن. لم تبدُ قويةً بما يكفي لحمل الثمار، لا تبدو مفيدةً، مثل معظم النباتات هنا. التقط حجرًا وألقاه في البقعة الخاوية. مساحةٌ كبيرة ومُهدرة. في قريته يَفلحُ الناسُ كلَّ بقعةٍ مهما كانت صغيرة خارج بيوتهم ويزرعون خضروات وأعشابًا مفيدة. لم تحتَج جدتُه إلى زراعة عشبها المفضَّل، آريجبي، لأنه كان ينمو شيطانيًّا في كل مكان. اعتادتْ أن تقولَ إن آريجبي يُرقّق قلبَ الرجل. كانت الجدّة هي الزوجة الثانيةَ بين زوجاتٍ ثلاثٍ؛ فلم تكن ذات مكانةٍ مميزة كأن تكون الأولى أو الأخيرة، ولذا كانت قبل أن تطلب من زوجها أي شيء تطهو له صحن بطاطا متبّلة بعصيدة الآريجبي. ودائمًا ما كان ذلك يأتي بنتائج طيبة. ربما ينفع الأمر ذاته مع السيد: صحن من البطاطا المتبّلة.