زهرة ومريخ وحلم البيت السعيد
زهرة ومريخ وحلم البيت السعيد
مشاهدات: 273
18 مارس 2018

«مش حاسة بيه.. بتبالغي.. أنا ترس في مشروعك.. أنا زهقت»

«أنا باعمل كل حاجة عشانكم.. نسيت نفسي.. أنت مش حاسس بيه»

كلمات وإن جاءت في حوار نهى وطارق في مسلسل سابع جار، إلا أنها تتكرر بصورة أو بأخرى بين معظم الأزواج على أرض الواقع لتلخص مشكلة سوء التفاهم الأزلية بين آدم وحواء في كل مكان وزمان في أرض الله الواسعة، وتحول علاقة أساسها الود والتفاهم والعشرة الطيبة لما يشبه صراعا وحربا لا تنتهي يدعي فيها كل طرف المظلومية وأن الآخر مفترٍ ولا يقدر و.. و..الخ. ورغم أن مشكلة الاختلاف بين الرجل والمرأة وأسبابها تم تناولها لسنوات طويلة من منظور التركيبة النفسية والتنشئة الاجتماعية للذكور والإناث، فإن عددا من علماء البيولوجيا والمخ والأعصاب تبنوا مؤخرا اتجاها جديدا لدراسة المشكلة من منظور بيولوجي والبحث في تأثير الجينات الدقيقة في المخ التي تؤدي إلى اختلاف منظور آدم وحواء تجاه المواقف المختلفة في الحياة.

وقبل أن أستطرد  في الحديث عن النتائج التي توصل لها الباحثون في مجال الجينات والخلايا العصبية في المخ دعني عزيزي القارئ أقفز معك للوراء لنتذكر معا واحدة من أهم وأشهر محاولات خبراء علم النفس لتحديد أسباب الاختلاف بين الرجال والنساء وأعني بها الدراسة التي قدمها عالم النفس الأمريكي جون جراي في كتابه» الرجال من «الزهرة» قبل ربع قرن. ففي هذا الكتاب الذي حقق أكبر المبيعات في مختلف الدول أرجع الكاتب أسباب المشكلة لاختلاف طبائع الرجال والنساء واحتياجاتهم النفسية، فشبه الكاتب الرجال بـ«الكرة المطاطية» التي تقترب وتتباعد نتيجة لنزوعهم للحرية والاستقلالية والمرأة بالبحر والأمواج المتلاحقة التي تعكس مشاعرها الصاخبة. وأوضح أن المشكلة تتفاقم بسبب سوء الفهم بين النوعين مما يؤدي إلى هروب الرجل ولو على المستوى النفسي وإلقاء اللوم على المرأة، بينما تشكو حواء لبنات جنسها اللاتي يتجرعن أحزانهن وحيدات في حضور ساكن المريخ، أو بمعنى آخر رجالهن، عندما يتمادى في تجاهل مشاعرهن. وأوضح الباحث أن المرأة قد تحاول أن تتناسى ألمها بالانغماس في مشاكل من حولها وتخفي غضبها وتتظاهر بالاستسلام تفاديا لـ «الشقار والنقار وخراب الديار». ورغم أن الكثير مما ورد في تحليل جون جراي مهد الطريق لفهم الطبيعة النفسية لكل من الرجل والمرأة وكيفية التعامل بينهما، فإن مرور ما يزيد على ربع قرن وتبدل الأحوال وظهور جيل من الزهريات والمريخيين الذين تعكس سلوكياتهم رؤى أكثر جرأة تصل لحد تبديل الأدوار وردود الأفعال أؤكد أن رؤية صديقنا جراي ليست مطلقة وتنسحب على النوعين في كل زمان ومكان، الأمر الذي دفع باحثين من مجال مختلف لطرح رؤية جديدة.

في كتابه «الفرضية المدهشة» (1994)، ردد فرانسيس كريك مقولة لويس كارول في رواية «أليس في بلاد العجائب» في وصفه للرأس : «أنت ليس سوى حزمة من الخلايا العصبية» وأضاف كريك «ولكن حزمة الخلايا العصبية هي البداية»، فطبقا لعلم التشريح والأعصاب تبين أن مئات الجينات الموجودة في كل من مخ المرأة والرجل تعمل بطريقة تختلف عن الأخرى مما قد يؤثر في أسلوب التفكير ويفسر اختلاف نفسية المرأة والرجل. ويقول كريك  حاليا ليس لدينا أي وسيلة للنظر في هذه المناطق «المخ»  لتصنيف الجهاز باسم «ذكر» أو «أنثى» ولكن دراسة تأثير هرمونات الستيرويد أشبه بإضافة عصير الليمون على حبر غير مرئي، إذ تكشف عن القدرات الخفية للخلايا العصبية التي تشكل مناطق المخ المختلفة مع ملاحظة اختلاف تأثير تناول كوكتيل هرمون الستيرويد في العقول باختلاف الشخص. وفي نيويورك قام بروس ماكوين، عالم الغدد الصماء العصبية بجامعة روكفلر، وتريزا ميلنر عالمة الأعصاب في كلية طب وايل كورنيل، بتلخيص هذا المنظور الجديد في عام 2017 في مجلة أبحاث علم الأعصاب عندما كتبا «نحن ندخل حقبة جديدة من قدرتنا على فهم تنوع السلوكيات المتعلقة بالجنس ووظائف المخ واكتشاف أمثلة تظهر نسبيا الفرق بين الجنسين، فالمخ  كائن حي في حد ذاته يجمع أنظمة منفصلة متصلة تتفاعل مثل الكتلة الوردية والرمادية داخل الجمجمة لتشكل فسيفساء من القطع المتغيرة داخليا والهرمونات تشكل وتتحكم في سيناريو العقل»، كما أشارا إلى نتائج تأثير هرمون السترويد في تنظيم الاستجابات القلبية. ولقد أظهرت دراسة بجامعة كاليفورنيا اختلافا في توقيت النشاط في مناطق معينة بالمخ بين الرجال والنساء عند التعرض لمحفزات. ورغم أن الدراسات أثبتت أن هذا الاختلاف لا يؤثر في نسبة الذكاء في أي من النوعين فإن دراسة جديدة أجراها فريق البحث بجامعة كامبردج البريطانية أثبتت اختلاف الجينات في مخ الإنسان وأن المرأة على المستوى النفسي أكثر تعاطفا مع الغير من الرجل الذي أظهر ميلا لأخذ المواقف العدوانية والمجازفة وأظهر قدرة أكبر على فهم الأمور التي تتعلق بالنظم الميكانيكية مقارنة بالنساء، مع تأكيد أنه لا يوجد اختلاف مؤكد في نسبة الذكاء بين المرأة والرجل.

والآن وبعد أن أثبت العلم أن السمات والسلوكيات المختلفة بين الرجل والمرأة يكتسبها الشخص بيولوجيا ومن خلال عملية التنشئة الاجتماعية، هل تستطيع الزهريات والمريخيون احترام اختلافاتهم وتقبلها لتفادي سوء الفهم وتحقيق حلم البيت السعيد دون أن يجور أحدهما على حق ومشاعر الآخر؟!