عندما طلبت نساء النبى.. الرحيل!
عندما طلبت نساء النبى.. الرحيل!
مشاهدات: 1026
9 نوفمبر 2017

مازلنا نتحاور ونتشاور مع أعظم كتاب مصر وأعظم مدققيها وباحثيها ومنقبيها عن الحقيقة أينما كانت ومهما عظمت ومهما بعدت.. ومهما طارت بعيدا بعيدا إلي شواشى الشجر.. والذى اسمه عباس محمود العقاد الذي تطمئن له القلوب إذا تحدث.. وترنو له العيون أينما ذهب.. وترتاح له العقول.. إذا تحدث وقال.... ولكن بورقة من زميلتى الطالبة ــ أيامها ــ قبل أن تصبح أول عميدة لكلية الإعلام فى جامعة القاهرة والتي اسمها جيهان رشتى مع ورقة مكتوبة بسؤال عن زواج النبي: لماذا تزوج وهو مجرد شاب بالسيدة خديجة رضي الله عنها وهى تقارب الخمسين من عمرها.. وهو ــ أى النبى ــ مازال في عنفوان شبابه لا يتجاوز الخامسة والعشرين.. وقد اختارته زوجا لها لأنه الصادق الأمين؟

قال سيدنا ومولانا ومعلمنا عباس محمود العقاد: «هذا الرجل الذى يفترى عليه الأئمة الكاذبون أنه الشهوان الغارق فى لذات حسه، وقد كانت زوجته الأولى تقارب الخمسين وكان هو في عنفوان الشباب لا يجاوز الخامسة والعشرين وقد اختارته زوجا لها، لأنه الصادق الأمين فيما اشتهر به بين قومه من صفة وسيرة، وفيما لقبه به عارفوه وعارفو الصدق والأمانة فيه، وعاش معها إلى يوم وفاتها علي أحسن حال من السيرة الطاهرة والسمعة النقية، ثم وفىَ لها بعد موتها فلم يفكر في الزواج حتى عرضته عليه سيدة مسلمة رقت له في عزلته فخطبت له السيدة عائشة بإذنه، ولم تكن هذه الفتاة العزيزة عليه تسمع منه كلمة لا ترضيها غير ثنائه على زوجته الراحلة ووفائه لذكراها»... «تزوج نبي الله صلى الله عليه وسلم بواحدة من أمهات المسلمين لما وصفت به عنده من جمال ونضارة، وإنما كانت صلة الرحم والضن بهن علي المهانة هي الباعث الأكبر في نفسه الشريفة على التفكير فى الزواج بهن. ومعظمهن كن أرامل مؤيمات فقدن الأزواج أو الأولياء، وليس من يتقدم لخطبتهن من الأكفاء لهن إن لم يفكر فيهن رسول الله»... «فالسيدة سودة بنت زمعة مات ابن عمها المتزوج بها بعد عودتها من الهجرة إلي الحبشة، ولا مأوى لها بعد موته إلا أن تعود إلي أهلها، فيكرهوها علي الردة أو تتزوج بغير كفء لها لا يريدها»... «والسيدة هند بنت أمية أم سلمة مات زوجها عبدالله المخزومى، وكان أيضاً ابن عمها، أصابه جرح في غزوة أحد فقضي عليه، وكانت كهلة مسنَّة فاعتذرت إلي الرسول صلي الله عليه وسلم بسنها، لتعفيه من خطبتها، فواساها قائلا: سلى الله أن يأجرك في مصيبتك، وأن يخلفك خيرًا فقالت: ومن يكون خيرًا لى من أبي سلمة؟ 

وكان الرسول عليه السلام يعلم أن أبا بكر وعمر قد خطباها فاعتذرت بمثل ما اعتذرت به إليه، فطيب خاطرها، وأعاد عليها الخطبة حتى قبلتها».

والسيدة رملة بنت أبى سفيان تركت أباها وهاجرت مع زوجها إلى الحبشة، فتنصر زوجها وفارقها في غربتها بغير عائل يكفلها، فأرسل النبى عليه السلام إلي النجاشى يطلبها من هذه الغربة المهلكة، وينقذها من أهلها إذا عادت إليهم راغمة من هجرتها في سبيل دينها، ولعل في الزواج بها سببا يصل بينه وبين أبي سفيان بوشيجة النسب فتميل به من جفاء العداوة إلي مودة تخرجه من ظلمات الشرك إلى هداية الإسلام».

والسيدة حورية بنت الحارث سيد قومه، كانت بين السبايا في غزوة بني المصطلق، فأكرمها النبي عليه السلام أن تذل ذلة السباء، فتزوجها وأعتقها وحض المسلمين علي إعتاق سباياهم، فأسلموا جميعا وحسن إسلامهم، وخيرها أبوها بين العودة إليه والبقاء عند رسول الله فاختارت البقاء في حرم رسول الله»... «والسيدة حفصة بنت عمر بن الخطاب مات زوجها، فعرضها أبوها على أبى بكر فسكت، وعرضها علي عثمان فسكت، وبث عمر أسفه للنبى فلم يشأ أن يضن علي صديقه ووليه بالمصاهرة التى شرَّف بها أبا بكر قبله، وقال له: يتزوج حفصة من هو خير لها من أبى بكر وعثمان».

* * *

كما تزوج نبى الله السيدة صفية اليهودية بنت سيد بني قريظة خيَّرها النبى بين أن يردها إلى أهلها، أو يعتقها ويتزوجها، فاختارت البقاء عنده على العودة إلى ذويها، ولولا الخلق الرفيع الذى جبلت عليه نفسه الشريفة، لما علمنا أن السيدة صفية قصيرة يعيبها صواحبها بالقصر، ولكنه سمع إحدى صواحبها تعيبها بقصرها، فقال لها ما معناه من روايات لا تخرج عن هذا المعني: إنك قد نطقت بكلمة لو ألقيت فى البحر لكدرته. وجبر خاطر الأسيرة الغريبة أن تسمع في بيته ما يكدّرها ويغض منها».

والسيدة زينب بنت جحش ابنة عمتها زوجها من مولاه ومتبناه زيد بن حارثة، فنفرت منه وعزَّ على زيد أن يروضها علي طاعته، فأذن له النبى فى طلاقها، فتزوجها عليه السلام، لأنه هو المسئول عن زواجها، وما كان جمالها خفيًا عليه قبل تزويجها بمولاه، لأنها كانت بنت عمته، يراها من طفولتها ولم تفاجئه بروعة لم يعهدها»... «والسيدة زينب بنت خزيمة استشهد زوجها عبدالله بن جحش في غزوة أحد، ولم يكن بين المسلمين القلائل فى صحبته من تقدم لخطبتها، فتكفل بها عليه السلام، إذ لا كفيل لها من قومها».

* * *

مازال عمنا وسيدنا وأستاذنا عباس محمود العقاد يحكى لنا ويقول: «وهذا هو الحريم المشهور في أباطيل المبشرين وأشباه المبشرين، وهذه هي بواعث النفس التى استعصى على المبطلين أن يفهموها على جليتها، فلم يفهموا منها إلا أنها بواعث إنسان غارق في لذات الحس، شهوان»... ولقد أقام هؤلاء الزوجات في بيت لا يجدن فيه من الرغد ما يجده الزوجات في بيوت الكثيرين من الرجال، مسلمين كانوا أو مشركين، وعلى هذا الشرف الذى لا يدانيه عند المرأة المسلمة شرف الملكات أو الأميرات، شقت عليهن شدة العيش فى بيت لا يصبن فيه من الطعام والزينة فوق الكفاف، والقناعة بأيسر اليسير، فاتفقن على مفاتحته في الأمر، واجتمعن يسألنه المزيد من النفقة، وهى موفورة لديه لو شاء أن يزيد في حصته من الفىء، فلا يعترضه أحد ولا يحاسبه أحد... إلا أن الرجل المحكم فى الأنفس والأموال سيد الجزيرة العربية لم يستطع أن يزيدهن علي نصيبه ونصيبهن من الطعام والزينة، فأمهلهن شهرًا وخيرهن بعده أن يفارقنه، ولهن منه حق المرأة المفارقة من المتاع والحسنى أو يقبلن ما قبله لنفسه معهن من ذلك العيش الكفاف».

مازال عمنا وسيدنا عباس محمود العقاد يتكلم: «ولو أن هذا الخبر من أخبار بيت النبى كان من حوادث السيرة المحمدية التى تخفى على غير المطلعين المتوسعين في الاطلاع، لقد كان للمبطلين بعض العذر فيما يفترونه علي نبى الإسلام من كذب وبهتان، إلا أنه خبر يعلمه كل من اطلع على القرآن ووقف علي أسباب التنزيل، وليس بينها ما هو أشهر في كتب التفسير من أسباب نزول هذه الآيات في سورة الأحزاب (يا أيها النبى قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحاً جميلاً وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرًا عظيماً) «الأحزاب: آية ٢٨، ٢٩».

ولكن يبقى السؤال الذى سألته الطالبة أيامها جيهان رشتي في آخر الحوار: هل طلق النبى أياً من نسائه أو هجرهن؟.. الجواب هنا لعمنا وأستاذنا عباس محمود العقاد قال: لضيق الحال وكثرة سؤال الزوجات عن الفرج.. هجر النبى نساءه شهرًا، يمهلهن أن يخترن بعد الرؤية بين البقاء علي ما تيسر له ولهن من الرزق، وبين الانصراف بمتعة الطلاق.. وبدأ بالسيدة عائشة التي قالت: أبقى مع رسول الله.. وكذلك فعلت بعدها كل نساء النبى..

* * *

كلمات عاشت:

«أوصيكم بالنساء خيرًا». (حديث شريف)