يقول المثل الشعبى المصرى «إيش فرعنك يا فرعون قال ما لقتش حد يردني» أو بمعنى أصح يقف فى وجهه ويتصدى له!!

نفس المنطق ينطبق على حالة الاكتئاب التى لا يأخذها معظمنا على محمل الجد ويتجاهل أعراضها السخيفة بل وغالبا يتعايش معها باعتبارها جزءا من روتين يومى لا تصلح الحياة بدونه لينتهى الأمر بتحول التوتر وتقلبات الحالة المزاجية لقاتل اسمه الاكتئاب!!

ولأن الوقاية خير من العلاج فلقد اهتم العلماء فى أكثر من تخصص بالبحث عن وسائل لتقليل حالة التوتر والآثار المترتبة على الإصابة بالاكتئاب. فخلال السنوات الأخيرة لم تقتصر الأبحاث على دراسة حالة مريض الاكتئاب فقط بل درست أيضا المؤثرات المحيطة به وبالأشخاص الذين يتعاملون معه لتقليل مخاطر تحول توتراتهم النفسية لاكتئاب مرضي. فكشفت الدراسات أن مريض الاكتئاب ليس وحده من يحتاج للدعم والمساندة النفسية والاحتفاظ بكامل لياقته البدنية والصحية لاستعادة توازنه واستقراره النفسى بل أيضا أولئك الذين يتولون رعايته كى لا تنتقل لهم عدوى الاكتئاب الفتاك بالإيحاء .. 

ومن أهم النتائج التى أسفرت عنها هذه الدراسات اكتشاف أن نقص عدد من العناصر الغذائية أحد أسباب الشعور بالاكتئاب!! فلقد أثبتت الأبحاث العلمية أن حمض الفوليك الذى يوجد بنسبة عالية فى البقول والخضروات الورقية له أثر مضادات الاكتئاب وأن نقص هذا الحمض يؤثر سلبا على الحالة النفسية ويؤدى لشرود الذهن. كما أظهرت الدراسات أن الكربوهيدرات تزيد إفراز الترتبوفان الذى يصل إلى المخ حيث يتحول لهرمون السيروتونين الذى يؤدى نقصه للشعور بالعصبية والاكتئاب. كذلك فقد أشارت دراسة ظهرت مؤخرا بالصين إلى ضرورة التعامل مع الطعام باعتباره وسيلة لمقاومة الاكتئاب موضحة أن هناك عشرة أطعمة تمنح الإنسان شعورا بالسعادة هى الأسماك والموز والموالح والخبز الأسمر والسبانخ والخضروات الورقية الداكنة والخس والكرز والتوم والقرع واللبن قليل الدسم والدجاج.

وأوضحت الدراسة أن تناول الأسماك الغنية  بالحامض الدهنى (أوميجا3) له تأثير العقاقير المضادة للاكتئاب ويساعد على تهدئة الأعصاب ويزيد من إفراز هرمون السيروتونين وأن الموز يحتوى على مركب كيميائى طبيعى يسمى (قلويدات) يساعد على تقوية الثقة بالنفس وأنه مصدر لبروتين (ترايبتوفان) وفيتامين (ب6) وكلاهما يساعدان على إفراز هرمون السيروتونين. وبالنسبة للموالح الغنية بفيتامين سى فهى تعمل على تحسين مقاومة الجسم ومقاومة الإجهاد. وفيما يتعلق بالخبز الأسمر فقد أوضحت الدراسة أن كثيرا من العقاقير المضادة للاكتئاب تحتوى أساسا على دقيق القمح وأن الكربوهيدرات تزيد من إفراز هرمون السيروتونين وأن السبانخ تحتوى بوفرة على حامض الفوليك الذى يؤدى نقصه للإصابة بالاكتئاب. 

وأكد الباحثون أن تناول 20 ثمرة كرز له نفس فاعلية مضادات الاكتئاب لأنها تحتوى على مواد (أنثوساينين) التى تبعث شعورا عارما بالسعادة. أما الثوم فقد أثبتت الدراسة فعاليته الكبيرة فى إزالة التوتر وتهدئة القلق والغضب. كذلك فقد أكدت الدراسة أن القرع يحافظ على اعتدال الحالة المزاجية لأنه غنى بفيتامين (ب6) والحديد اللذين يحولان السكر المخزون فى الجسم إلى جلوكوز وأن الحليب المنخفض الدهون المنزوع القشدة يزيل تماما أى شعور بالإجهاد أو الإعياء بفضل الكالسيوم الذى يتوفر فيه وأن الدجاج مصدر رئيسى لعنصر السيلنيوم. 

وتشير الباحثة “ليزا دى فايزو” أخصائية التغذية الأمريكية للمكسرات كأحد العناصر الغذائية المقاومة للاكتئاب لأنها غنية بالحامض الأميني» التربتوفان» الذى يساعد فى إنتاج السيرتونين الضرورى للتخلص من الاكتئاب. وتقول إن 30 جراماً أو حفنة من المكسرات يومياً تمد الجسم بالقدر الكافى من هذا الحمض، وإن الفول السودانى والكاجو يعدان من أكثر أنواع المكسرات احتواء على التربتوفان ويتلوهما الفستق واللوز وعين الجمل والبندق. فى ذات السياق أثبتت الدراسات أن الخــس يعمل على تهدئة الأعصاب فيما يبعث الجـــزر الهدوء والطمأنينة فى النفس. فلقد كشفت دراسة ظهرت فى مجلة الطب النفسى الأمريكية أن ارتفاع نسبة الكاروتين فى الدم محفز للتفاؤل وأن الأشخاص الأكثر تفاؤلاً كان مستوى الكاروتين فى دمائهم أعلى بنسبة 13 % فى الدم موضحة أن أهم مصادره الجزر والكوسة والقرع والفلفل. كذلك أشارت أكثر من دراسة إلى أن الجبن القريش والحمص مسلوقاً أو مطهواً والمخ وصفار البيض والزيوت النباتية غير كاملة التكرير (كالذرة، وبذرة القطن وفول الصويا) تساعد على تحسين الحالة النفسية وتقوية الذاكرة.

كما أثبتت الأبحاث أن الشيكولاتة تقاوم الاكتئاب وتساعد على تنظيم ضربات القلب وتقلل الإحساس بالتوتر، فأوضحت دراسة بريطانية حديثة أن الأشخاص الذين تناولوا مشروب الشيكولاتة يومياً لمدة شهر كانوا أكثر هدوءاً وتفاؤلاً من عينة الاختبار الذين لم يتناولوه رغم التعرض لنفس المؤثرات..الغريب أنه على عكس كل التحذيرات التى صدع العلماء والأطباء بها رؤؤسنا لسنوات عن مضار تناول القهوة أظهرت دراسة أجريت بالولايات المتحدة عام 2011 أن تناول أربعة أكواب أو أكثر من القهوة يومياً يساعد فى خفض خطر الإصابة بالاكتئاب 20 %. ولقد أرجع الباحثون هذه النتيجة لتأثير الكافيين الذى نشط إفراز هرمون السيرتونين والدوبامين اللذين يمثلان مركبا أساسيا فى أدوية علاج الاكتئاب..