"أنوثة محرمة" كتاب جديد لهبة عبد العزيز
أنوثة محرمة كتاب جديد لهبة عبد العزيز
21 يناير 2019

"أننا نحن معشر النساء قد خلقنا أشقياء ، رغم أن الله عز وجل قد خلق حواء من ضلع آدم برهانا على فكرة التكاملية لا التنافرية والصراع الأبدي ، وبدأت فكرة التكامل هذه من التفاحة التى قدمتها الأساطير بقصص متعددة الا أنني أميل إلى كونها نصفين يكمل كلا منهما الآخر لتكوين واحد صحيح وما دون ذلك فسوف نغرق في حالة الإعتلال أو الشيء الناقص دائما ، فلكل أنثى تعد نصف تفاحة نصفها الآخر من الذكور ، وربما سبب تعاسة الكثير أن النصفين غير متطابقين ."

بهذه العبارة افتتحت الدكتورة هبة عبد العزيز نائب مدير تحرير الأهرام كتابها الجديد "أنوثة محرمة" الصادر عن دار السعيد للنشر والتوزيع، والذي يعد استكمالا لما بدأته من اهتمام كبير بمعالجة القضايا الخاصة بالعلاقة بين الرجل والمرأة خلال كتبها السابقة: التحرش الجنسي ضد المرأة، افيهات المشاهير، سياسة بالمكسرات، التربية الجنسية الفريضة الغائبة، دستور العشق
وهي توضح ذلك بالتأكيد علي أن المشكلة الأزلية التي دفعتها إلى كتابة هذه السطور هي حالة القهر العام التي تصيب حواء الشرق غراء تسلط المجتمعات الذكورية ، وفي أحسن الأحوال سوف نفترض حسن النية وأن ما يحدث من أعاصير عاطفية وزلازل أسرية وشروخ حسية وصراعات أبدية ربما نتاجا لحالة من سوء الفهم بين آدم وحواء ، وربما نتيجة لتراكم من الموروثات الثقافية منتهية الصلاحية التى ترعرع عليها شرقنا العامر .
مضيفة أن هذه الكلمات ليست سرد وتاريخ لقهر المرأة وظلمها وحقوقها المبتسرة في المجتمعات الذكورية .. إنها تعليل وتفسير لحياة قائمة .. أرفع فيها الغطاء عن جهازي الأنثوي لأفحص تركيب "المحرك" الذي تطلقون عليه الطبيعة الأنثوية أو الطباع النسائية المتحكمة والموجهة لمصيرنا .. مما تتكون ؟ .. وما هي أهم الأجزاء المتعلقة بالشكل والتكوين الداخلي؟ .. وما هي السبل الأمثل للتعامل الآدمي معها حتى تسير بأعلى معدلات الكفاءة والقوة .
فقد خلقت أنثي وليس لي يد في ذلك ولا أحد يملك اختيار نوعه سوى الله عز وجل .. ولكن رأيت أن أخرج عن المألوف لأتحدث خارج صندوق القوالب المتجمدة من العادات والتقاليد المهترئة لأقدم نوعا من التشريح الضوئي للسيد المبجل "آدم" عن احتياجاتي مفسرة له بكل جرأة سبب آنيني وصرخاتي المتجددة أزاء سلوكياته وأفعاله على كل المستويات سواء أكان أب .. أخ.. زوج .. ابن .. زميل .. حبيب ..إلخ
لنتعرف سويا على طبيعة المحرك الأنثوي الذي يحبسنا دائما داخل أعطاله المتكررة والناجمة عن الجهل الذكوري و" الغشومية الآدمية" .
واللافت للنظر ـ حسبما تقول الدكتورة هبة ـ أن النساء تعددت والرجل واحد ، هذا الذي يعلنها صريحة "أنثى واحدة لا تكفي" فهو يريد حنية الأم وتدليل الحبيبة واحتواء الأخت واهتمام الإبنة ومحادثة الصديقة ومؤثرات مارلين مونرو التي تعزف على غرائزه وتشبع شهواته الهادرة .
ولم يقف يوما أمام نفسه ليبحث عن هذا النزح الغامر من الإحتياجات الذي لا ينضب حتى آخر عمره ... أو على أقل تقدير ماذا هو بفاعل لتسديد تلك الإحتياجات .
حضرة عزيزي آدم أعرف أنك تريدها أنثى تفوح منها عطور الرغبة والإثارة فضلا عن المهارة والشطارة في إدارة شئونك ومفيش مانع من شوية عضلات للجلد والصبر والتحمل لأعباء الحياة ..وهذا حقك ولن أنكره عليك .. ولكن هل تتعامل معها كأنثى فعلا ؟ هل تتفهمها ..تحتويها ..تحتضنها .. تقويها .. تجدد طاقاتها .. تمتص أحزانها .. تشاركها همومها .. ؟
تذكر دائما أن الأرض مهما كانت خصوبتها لن تؤتي ثمارها مالم تعتني بها وترويها وتغذيها بكل متطلباتها ، هذه حقيقة علمية لا جدال فيها .
وتتساءل: لماذا يعاني البعض اليسير في المجتمعات الذكورية من شيزوفرينيا متقدة دائما ما بين الرغبة الجارفة نحو أريج الأنوثة والغضب الساطع نحو الأنثى ؟ نعم .. فالشعور بالبهجة ينخفض حين يصبح المولود أنثى وليس ذكرا والحزن يرتسم فوق الجباه حين تكون الخلفة كلها بنات ويعيش البعض في حالة "أرنبية" للإنجاب المتكرر أملا في مولود ذكر حتى لو رزق بـ "عشرة" إناث !
ثم يتم التعامل معهن على إنهن فضيحة الى أن يثبت العكس ، تصبح الفتاة مواطنة من الدرجة الثانية في منزل والدها حين يكون لها أخ ولد فتقوم برعايته وخدمته طيلة الوقت ، وتوقع على عقد غير مرئي بضرورة الإلتزام بالمحاذير على طريقة شكل ملابسها ووقت خروجها وعودتها الى المنزل وإمكانية السفر في رحلات مدرسية او جامعية وما شابه ذلك أما الولد فهو رجل المستقبل ومن حقه يمارس كل أهواءه ويلبي كل احتياجاته .. فنخلق جيلا جديدا من المتسلطين والعابثين والمتحرشين والمهترئين .....
أنت تسخر دائما من المرأة التي تطالب بالحرية والمساواة ، وتحاربها بل وتعاقبها أحيانا بطرق غير معلنة حين تنزل الى العمل ، أحيانا بكسر ظهرها من شدة الحمولة التي تلقيها على عاتقها من مسئوليات وإلتزامات ومحاذير ، وأحيانا أخرى من خلال التحرش بها في الشارع أو وسائل المواصلات أو أماكن العمل ، والبعض يمارس فنون العنصرية عليها من خلال تحديد الوظائف التي تشغلها والتوقف عند ترقيات معينة وعدم السماح لها بالتحقق الوظيفي لأسباب لا يعلمها الا أنت ، ولا تتعلق بالموهبة أو الإبداع أو المهنية !!
وعلى الجانب الآخر تصرخ في وجهها من شدة الأعباء المادية التي تعادي منها حضرتك وتطالبها بضرورة مساعدتها لك ماديا ومعنويا وأن عليها أن تتحمل معك وتقاسمك هذه الأعباء وفي أحيانا كثيرا تدفعها للعمل وتطالبها بأن تتحمل معك الإنفاقات فضلا عن تخليك عن تلبية احتياجاتها ، وبعد كل هذا فأنت رب البيت وسيد الموقف والآمر الناهي بحكم الشرع الذي تقتص منه فكرة "القوامة" ولا تكمل الآية الكريمة "بما أنفقوا" .
رسالة الدكتورة هبة في كتابها الجديد "أنوثة محرمة" واضحة في مجموعة من الصرخات الأنثوية المدوية من خلال نصوص منفصلة تلقي الضوء على عدة نقاط تماس حياتية بين أدم وحواء، قائلة: انني أحاول فقط أن أفض هذا الإشتباك القائم بين قبيلتينا ذكورا وإناث لعلنا نصل الى المصالحة والإتساق النفسي المنشود ، رغم علمي بأنني أنشد الصعب الا أنه ليس مستحيلا ، وقد يتهمني البعض بالخيالية المفرطة ولكنها محاولة مني لمنح الأمل المنبثق من أعماقنا قبلة الحياة والا فكيف لنا أن نحيا بلاه .
فالأنوثة في هذا المجتمع الشرقي المحكوم بكهنوت الشيوخ هي الثمرة المحرمة على بنات حواء ، وهو على عكس الطبيعة والفطرة التي خلقت عليها الممزوجة بالرقة والعذوبة والدلال التي يعتبرها المجتمع ميوعة ومحاولة لإثارة عرائز الرجال ، وبناءا عليه تربى الفتاة على أن جسدها محرم وصوتها عورة ومكوناتها الأنثوية أسلحة دمار شامل فلابد من دفنها حتى يأتي "ابن الحلال ويشيل الجمل بما حمل " ، وبعد الزواج تستمر المحظورات فلا يجوز للمرأة أن تعبر عن احتياجاتها الجسدية ولا يليق بها أن تبادر وينبغي أن تلتزم الصمت تحت أي وضع ، ولم يستوعب أحد أنها بالتبعية تتحول إلى وعاء لآدم خالى من الحس والمشاعر أو الإشباع وفجأة يتحول هذا الإناء المضغوط الى قنبلة حتمية الإنفجار بلا قرار .
الأكثر قراءة